أدب المناظرة والتأسيس الديمقراطي للحياة السياسية

د زهير الخويلدي

” لقد سمعت دينيس كوسينيتش يقول في مناظرة: عندما أكون رئيسا ، وأردت فقط أن أوقفه وأقول له : يا هذا ” – – جون ستيوارت

حدث كبير تعيشه القناة الوطنية التونسية الأولى أيام 7-8-9 سبتمبر 2019 يتمثل في انطلاق مناظرات سياسية بين مرشحين ومرشحات من مختلف الطيف السياسي للانتخابات الرئاسية وفق آلية عادلة وتقسيم متساو للزمن وترتيب مرضي لمكان الجلوس وتبويب جيد للأسئلة وتشريك مطلوب لبقية القنوات التلفزية.

لكن ما المقصود بأدب المناظرة؟ كيف يمكن توظيف المناظرة في التأسيس الديمقراطي للحياة السياسية؟ والى أي حد يكون هذا الاجراء المستحدث ناجعا وفعالا في توجيه الرأي العام واختيار المرشح الرئاسي الأجدر؟

تعرف المناظرة حسب مختلف المعاجم والقواميس العربية بأنها حوار علمي وجدال معرفي بين مجموعة من الأشخاص يقومون بإجراء نقاش عام حول موضوع معين لكل منهم وجهة نظر خاصة مختلفة عن الآخرين ويحاول كل شخص أن يثبت وجاهة رأيه ويقدم المعلومات التي يبين بها بطلان آراء الآخرين.

علاوة على ذلك يجب أن تتوفر المناظرة على مجموعة من الخصائص والشروط أهمها ضرورة معرفة المتحاورين لآداب المناظرة وقوانينها ومقاصدها ودرايتهم بالموضوع المتناظر عليه و رغبة المتحاور الصادقة في انتصار الحق على الباطل والاعتراف به من طرف الآخرين عند ظهوره والإقرار بوجاهته.

بيد أن المناظرة السياسية تختلف عن المناقشة المنطقية التي تهتم بمناهج اثبات الحقيقة وتعتمد على البلاغة والإقناع بينما تعتمد المناظرة السياسية على العاطفة وتشتغل على الحس المشترك والاستمالة المشاهدين.

يجب على المشارك في المناظرة السياسية أن يتميز بمرونة في الكلام والحضور الركحي ويتقن خطة الحوار ويحسن التعامل مع قوة السياق ويثبت نفسه عند متابعيه من خلال التمكن من المعارف ويبرز مهاراته في النقاش بتقبل أفكار الآخرين برحابة صدر دون إبداء انزعاج وبالتغلب على آرائهم وإفحامهم.

كما يجب أن يتقيد المشاركون في المناظرة بالقواعد الشكلية في مستوى الأول وهي التنافس النزيه وحسن الاستماع للآخرين والتفاعل مع الجمهور والابتعاد عن التعميم والشخصنة والتضخيم والمغالطات وتوثيق المصادر والأرقام والتواريخ وتجنب الهجوم الحاد والتكفير والتمييز والاقصاء والتزام الواقعية والعقلانية.

من الرذائل التي ينبغي أن يتم تجنبها في المناظرة هي الشجار والشتم وإظهار الحقد على المتحاورين والحسد والتكبر والغيبة والكذب والنفاق وتتبع نقائص الآخرين والفرح لمصائبهم والاكتفاء بامتداح الذات.

بيد أن أخلاقيات المناظرة تستلزم احترام المبادئ وضبط مجال المناظرة والاندراج في البيئة الحوارية والتقيد بالفضائل الحميدة مثل قيم الصدق والعفو والبر والإخلاص والإحسان والتنازل والرفق والمسالمة.

لعل الغاية من تنظيم مناظرات سياسية هي قبول التعددية ونبذ التوحيد الشمولي والتزام التداول في الكلمة كمقدمة للتداول على السلطة وتشريع الاختلاف في الرأي بغية التفاوض على حل مشترك يرضى به الكل.

زد على ذلك تساعد المناظرات في تدعيم الاستقرار في الحياة السياسية وتوطيد القيم الديمقراطية بتنمية المهارات وتعزيز ثقة الفاعلين في أنفسهم وتسمح لهم من التركيز واكتساب معارف جيدة والتحلي بالاتزان في اتخاذ القرارات الحاسمة والاعتدال في الحكم وتطوير قدراتهم الذاتية عند تدخلهم في الفضاء العمومي.

فهل تفي المناظرة بالغرض المقصود من اعتمادها في الحياة السياسية؟ وألا يجب أن يتم احترام مبادئها؟ ومتى نرى مناظرات رئاسية أخرى يتجادل خلالها المرشحون للانتخابات الرئاسية في العالم العربي؟

كاتب فلسفي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here