الفبركة الاعلامية والخداع والوعي

تعد الفبركة الإعلامية إحدى سبل الدعاية الكاذبة والتضليلية للخصوم او للتغطية على فشل سياسي او حربي ،و أسلوب حياة لبعض المؤسسات الإعلامية والصحفية المتاجرة ، لإقناع جهات على جهات اخرى و بما يدبر لها من مكائد وهذه الفبركات ربما تكون سببا في هزيمة البعض وتشكيكه بمبادئه ومعتقداته الوطنية والمجتمعية ، وزرع بذور الشك في نفوس أفراد المجتمع وفي شرعية قضاياهم وتخلخل الإيمان بها في حال انطلت عليهم تلك الأخبار الكاذبة . في وسائل إعلامية، تخصص غرفة عمليات لفبركة الأخبار على المقاس، وتصوير الريبورتاجات، وتمثيل مشاهد تضمن في أشرطة وثائقية، وتسجيل شهادات للرأي العام مدفوعة الثمن وغيرها من الممارسات اللاأخلاقية .

الفبركة وسيلة اعتمدت عليها منذ بداية الحروب القديمة عبر مفهوم الإشاعة ليتطور في الزمن الحالي عبر وسائل الإتصال الحديثة من فضائيات و انترنت و مطبوعات ، بهدف تحقيق نصر قبل شن الحرب و خلالها و بعدها ، ولعل أبرز التطورات المتسارعة كانت في تقنية و تكنولوجية وسائل الإعلام ونظم الاتصالات ، وأصبح العالم قرية كونية صغيرة، ودخلت قوة وسائل الإتصال والإعلام كقوة جديدة من القوى الاساسية للدول الحديثة والتي نشطت في السنوات الاخيرة لوجود وسائل سريعة تم الاعتماد عليها واصبحت استراتيجية مهمة تعتمد على التدليس لافتقارها للمهنية الأخلاقية عند البعض فيها ، بالاعتماد على عنصر المفاجأة في خلق الفقاعة الإعلامية، بحيث إن الجهة المستهدفة لا تجد عادة الوقت الكافي لتبرئة نفسها، بسبب سرعة القرارات السياسية والعسكرية التي تتبع تصاعديا شرارة انطلاقها و يتحول التركيز إلى الإجراءات التصعيدية التي تتخذها الجهة الباغية على الأرض.

دائماً ما يكون الاعلام الأصفر أو الماكنة الاعلامية الكاذبة التي تخدم مصالح بعض الحكومات أو الأحزاب أو الجهات بشكل سالب ولها دور كبير وبارز في قلب الطاولة أو تغيير مسار الثورات أو تأجيج وتأليب الرأي العام ضد دول أو شخصيات و انتشار رائحة النتن الاعلامي سبيلا لتأجيج الفتن السياسية والاجتماعية بين أبناء النسيج الواحد، وبمثابة إعلان حرب نفسية والخبر الكاذب يلعب دور البطولة فيها ،

ان التطور التقني زاد من إمكانية التضليل والخداع اضعافاً مضاعة ، ولم يقلصها، ولم تعد الشكوى في الأغلب من حجب المعلومات أو إخفائها، بل من سيلها العارم وتضاربها؛ إذ يعاني المتلقي التدفق الكثيف والمتواصل للمعلومات، ويصبح ضروريًّا أن يقوم بفرزها، إذا كان يريد بالفعل الوصول إلى الحقائق، وهو ما يستدعي بذل مجهود كبير في التحقق والتدقيق، وتقديم الشك والتساؤل حول كل معلومة. والكثير من الحلات يمكن مشاهدتها في الاعلام الامريكي وخاصة بعد الاعلان عن صفقة القرن نجد ان هناك حالة من الفوضى ونشر أكاذيب يقوم بها الإعلام الامريكي المضلل عبر تصريحات مفبركة وأكاذيب لتضليل الرأي العام الدولي وخداع المتلقي وخاصة في المنطقة العربية، تشمل غسيل الادمغة للشعوب ، وقلب الحقائق، وتغيير القناعات، وضرب الهوية النضالية ، ومهاجمة الثورات والكفاح المسلح التحرري، وتكذيب الصادق، وتصديق الكاذب وكذلك يحتل الجانب الدعائي حيزا هاما في النشاط الاقتصادي الصهيوني الإعلامي الموجه من خلال أجهزة ووسائل الإعلام للكيان الإسرائيلي: يقول الحاخام يريتسورن في اجتماع سري نظمه اليهود في عام 1869م في سويسرا : “”«إذا كان الذهب هو القوة الأولى في العالم، فإن الصحافة هي القوة الثانية. ولكنها لا تعمل من غير الأولى وعلينا بواسطة الذهب أن نستولي على الصحافة، وحينما نستولي عليها نسعى جاهدين لتحطيم الحياة العائلية والأخلاقية والدين والفضائل الموجودة لدى البشرية عامة””. وعليه اصبح من الضرورة ايجاد مؤسسات ضد الأخبار المفبركة الغير المسؤولة التي تسعى لتحقيق مصالح جهات بعينهم وكبحها ، دون اعتبار للمسؤولية المجتمعية التي تقع على كاهلهم، ولاحداث توازنا في المشهد الإعلامي، حين تختلف المعلومة المقدمة، أو تخرج عن إطارها الصحيح، وعند اختلاف الأخبار في السند التي تعتمد عليه المؤسسات الرسمية، يكون أكثر اعتماداً على أسانيد ودلائل، من مسؤولين ذوي مصداقية كاملة لتعبئة وطنية . و نحن في زمن الانكشاف المعلوماتي، لا شيء يمكن إخفاؤه في عصر الصورة ،

في زمن الوعي والادراك بات تمرير الكذب صعبًا مع ثورة الاتصالات وتكاثر وسائل الإعلام التي لا يمكن حجب المعلومة في عصرنا عنها ، مع الدهشة التي رافقت التقدم التقني، وزيادة عدد الفضائيات، وتوسع شبكة الإنترنت، وسهولة الاتصال بالعالم، ومنطلق هذه العبارات كلها، يتلخص في إيمان من يرددها بنهاية عصر الأكاذيب والضحك على الذقون، وتقليدية الإعلام الرسمي، بفعل الاتصالات المتطورة، وعدسات الكاميرات المصوبة للمشهد، من الفضائيات والمواطنين على السواء، حيث يصعب خداع الناس برواية إعلامية في هذه الحالة.

ولاشك بأن وسائل الاتصال الاجتماعي أصبح مكانًا ملائمًا لنشر الشائعات وفبركة الأخبار والصور، وصار خزانًا إستراتيجيًّا لوسائل الإعلام التقليدية، على مستوى الأخبار والمقاطع المصورة المفبركة، وهو بالطبع لا ينفصل عن التأثيرات المالية والإعلامية خارجه، وقد وضعت وسائل الإعلام التقليدية أقدامها فيه؛ لتبث أخبارها لرواده، ونجومها يتصدرون قائمة الأكثر متابعة في شبكات الإعلام الجديدة المختلفة.

ولذا لا يجب ان تصدق كل ما يقال في وسائل الإعلام، والسعي لمواجهة الأخبار المفبركة ضرورة لمواجهة الأخطار التي تواجه الدول والكيانات الكبيرة المستهدفة والمجتمعات التي قطعت أشواطا كبيرة في التقدم وأن يسخر العقل في ما يسمعه ويتابعه، و بعث ثقافة التحقق من الخبر، بمعنى أن تتحول من مجرد متلق سلبي إلى فاعل، من خلال التحليل والتفسير والتوثيق، لنصل إلى الحقيقة ولا تنجرف وراء كل خبر كاذب لا قيمة له، وتجعل منه طريقة لشق الصفوف.

في الوقت نجد أن أدوات الإعلام والاتصال أصبحت قادرة بسهولة على صناعة وقائع غير موجودة وبالمقابل يمكن ان تقلب الى حقائق موجودة منها بالدليل وذلك بتفعيل الدور الإعلامي ليدخل كل مؤسسة و حي و بيت ليبث الحقيقة كاملة دون زيادة أو نقصان و بلا قدح أو ذم أو تشهير وفي تاسيس جهات رقابية إعلامية متخصصة في دحض الشائعات والأكاذيب اليومية التي تبثها المواقع الإخبارية وشبكات التواصل الاجتماعي يومياً وتصبح الرئة التي يتنفس منها المستخدمون والصحفيون للتعرف على أنواع الشائعات والأكاذيب المتدفقة في كل الوسائل الإعلامية، ذلك حتى لا ينخدعوا بها، وتؤثر على قراراتهم وفهمهم للموضوعات السياسية، والفنية، والاجتماعية ،و زيادة تعويض الاستكتاب لكافة القطاعات و توظيف الصحفيين العاطلين عن العمل في مكاتب صحفية رسمية حتى لو كان الأمر على مستويات مختلفة وحرصًا على رفع مستوى الأداء العملي للكفاءات الإعلامية بمختلف مجالاتها (صحافة، إذاعة، تليفزيون، الإعلام الإلكتروني)، وصولاً إلى مصداقية ومهنية حقيقية وبخاصة في مجتمعات الإعلام المحلي و لكن لا أن يكون ناطقاً رسمياً لها بل أن يكون مثل الرقابة و التفتيش كونه من السلطة الرابعة والوقت حان للتخلي عن سياسة الفبركة والخداع نظرا للوعي المجتمعي ووسائل التواصل التي جعلت من الأرض كرة صغيرة تعرف أخبارها في لحظات ولا تحتاج الى البحث عنها ولا تبذل في ذلك جهدا كبيراً ،ومن لا يتبع المعلومة الصادقة والكلمة الهادفة، يفقد المصداقية بمرور الوقت ،

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here