فنون العراق الجميلة، العود والطنبور *

د. رضا العطار

لقد احب الفنانون العراقيون الكبار الطنبور بوجه خاص. الامر الذي خلق قيدا على سيادة العود العربي الذي كان الالة الموسيقية الاولى التي احبها الفنانون عند الغناء – – – وصدر هذه الالة شبيه ببناء الطبلة الذي اعطاها طنينا عاليا – – – ولذلك كثر استعمالها من قبل العازفين.
ويطيل الفارابي في وصف نوعين من الطنبور، الاول الطنبور الميزاني الجاهلي المسمى في ذلك الوقت بالطنبور البغدادي – والثاني يسمى الطنبور الخراساني ذو الوترين المتساويين الغليظين المشدودين في قائمة.
وقد شاع وانتشر استعمال الصنوج والقوانين من امثال الجنك (الصنج) والسلباق والمعزفة – والقانون الذي اصلحه الفارابي – – –

وكان الناي والسرناي والمزمار والدياني تمثل الالات الهوائية الخشبية. على حين كان البوق والطبل والصنج من الموسيقى العسكرية. كما عرف العراق الاراغون الهوائي والمائي كليهما – – – المهم اكتملت الالات الموسيقية عند العرب على نحو اكثر من الغناء خلال تاريخهم الطويل – – حيث ازال الاسلام الحدود الوطنية للممالك القديمة المالكة لرصيد حضاري فساهمت اراضيها الشاسعة في تشجيع حركة تبادل فكري وفني كثيف – – – ومن الواضح ان الملامح التي احدثتها الحضارة الجديدة افادت الموسيقى وآلاتها افادة كبيرة، حتى غدت هذه الالات ليس جزءا من تراث العالم العربي فحسب بل تجاوزت ايضا الحدود القصوى للممالك الاسلامية، فنجد العود العربي في اوربا كما في مختلف المناطق الفكرية في افريقيا واسيا.

اما الدف، وهو اشوري الاصل فقد تجاوز حدوده الفنية المرسومة واصبح آلة ايقاعية متقدمة ترافق الرقصات النسائية في الجزيرة العربية في فترة ما قبل الاسلام.
ثم انتقل الى حالة المرافقة التامة لدى الراقصات الاسبانيات وانتشر في اوربا.
واما الرباب، وهو آلة وترية قديمة، فاصبح رفيق الشاعر البدوي الحميم – – – وقد ظهرت في عملية الاستخدام الالي حضرية عربية كانت الفيصل الاساس بين الالات التقليدية والالات الشعبية. وقد ساهم في ابراز الفرق النوعي في استعمال هذين النوعين من الالات الموسيقية. فموسيقى الفن الشعبي تحافظ على آلاتها الخاصة، بينما موسيقى الالات التقليدية تحاول ابقاء التخت الموسيقي على حاله – ولم يحصل عي دمج للالات في الموسيقى العراقية في العصر العباسي.

ظلت خلافة بغداد تسرع الخطى نحو الانهيار وبين طيات هذا الانهيار الوشيك الوقوع تكمن ثقافة هائلة – – – اكسبتها تجارب معرفية عميقة الاثر غيرت مجرى التاريخ وفتحت آفاقا جديدة امام شعوب العالم القديم – – – استمر تداعي النفوذ السياسي في بغداد حتى خلافة المستعصم اخر خلفاء بغداد – وفي عهده استعادت الموسيقى العراقية الكثير من بهائها وقوتها وكذلك الخلافة في جانبها الاداري والسياسي – –

وقد انصرف المستعصم في ساعات فراغه الى سماع الموسيقى وكان صديقه هو اشهر الموسيقيين في التاريخ العربي – – صفي الدين الارموني، اخر المدونين العرب اذ يعرض مفصلا لأدق الفواصل والمقامات، يخلص الى القول ( بوجوب ترك كل هذا والاحتفاظ فقط ببعض الاصوات المستعملة حقا ) – – وربما تكشف في هذا القول سلامة التقكير والمبالغة في آن واحد – – فسلامة التفكير ترجع لقوة الاصول النظرية في الموسيقى عند الارموني، اما مبالغته فان اكثر المقامات تحتفظ الى اليوم باهم ميزاتها التاريخية حتى الاسماء التي كانت تعرف بها في زمن الفارابي، نجدها موضوعية (حجاز نهاوند) او اسماء مشتقة من درجة القرار ( دوكاه، سيكاه، جهاركاه ) او الفاظ عرقية ( كردي) او استعارية (رست او عشاق) فاذا نقلت الى السلم الاوربي حملت كل نغمة اسما مقاميا خاصا.

* مقتبس من كتاب حضارة العراق للباحث عادل الهاشمي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here