الحروب السخيفة

الحروب السخيفة

يبدو إن من بين كل الرؤساء الأمريكان الأكثر وضوحاً وواقعية ، هو الرئيس

ترامب الذي تبنى منذ البدء مفهوم – أمريكا العظيمة – ، وهذه لها تبعات

وملاحق تتجسد في رؤيته لمن حوله في العالم ، ولكن البعض لا يريد هذه

الواقعية وهذه الصراحة لأنها تعني فيما تعني المكاشفة مع

الجميع والإعلان عن النوايا من غير مواربة .

وبما إن جيلاً من السياسيين يخشى ذلك ويخافه على نفسه وعلى مستقبله ،

لأنه ببساطة عاش على النفاق وتربى على المخاتلة ، ولذلك ذهب فيما

تبناه ترامب مذاهب شتى ليس منها السياسة التي يعرفونها .

لكن التاريخ يحفظ لنا جيداً مواقفاً ودروساً ، عن أمريكا التي هي في

الغالب تمارس هكذا نوع من السياسة والفعل من قديم الأيام ، ولا أحد

منا ينسى موقفها من – شاه إيران – ذاك التابع الذليل ، كيف تركته وحيداً و

حرمت عليه التداوي ، ودفعته ليعيش أخر أيامه من غير مأوى ولا ناصر

؟ ولولا ما تبرع به الرئيس أنور السادات لألقي بجسده في البحر !! ، وهكذا

فعلت – بصدام حسين – حين أغرته بالدخول في مغامرات حربية عبثية سخيفة

تارة مع إيران وأخرى مع الكويت ، حتى أُنهكته فقلت حيلته ثم عدت عليه

فدمرته ، والحال نفسه جرى مع القذافي بعدما أخذت منه كل شيء وجردته من

كل شيء ، ثم تركته وحيدا تتخطفه الرجال من كل جانب ، ولن أنسى موقفها

من – حسني مبارك – الذي بايعها بالروح وبالدم ثم فعلت به الأفاعيل ، هي

أمريكا دائما مع القوي وأما الضعيف فتدوس عليه بحذائها ، لها في كل واحد

مصلحة ثم تتركه يعاني بعد أن تضع فيه وتحمله كل العبر والمساوي .

وهاهي اليوم تفعل فعلتها مع الأكراد الذين أمنوها على أرواحهم ودمائهم

واعراضهم ، تتركهم لمصيرهم ثم تعلن – إني براء منكم ومما تفعلون ،

براء من حروبكم السخيفة العبثية القبيلية الهجينة – ، والمؤسف إن بعض

البعض منا يلاحقها في كل حال ، وكأنه أدمن الذل والخنوع وعدم الثقة بالنفس ، لقد تعرض الأكراد بعدما قدموا التضحيات في حربهم ضد داعش وطردوها من أرضهم ، هاهم يتعرضون إلى خديعة كبرى عندما سمحت أمريكا للجيش التركي بإجتياح مناطقهم وتأسيس حزام أمني يمنع الأكراد من التنفس . من هنا ادعوا شعوب المنطقة إلى أخذ الدروس والعبر ، والتصالح مع بعضهم البعض وعلى الحكام إعطائهم المزيد من الحريات والكرامة والعدل ، وأدعوا دول المنطقة للتصالح مع بعضها البعض وترك الأحقاد والكراهية جانباً والتوجه نحو الإعمار والبناء ، فثمة مصلحة في ذلك كبيرة للحاضر والمستقبل ، وأظن إن هناك خطوات في هذا الإتجاه قادمة لتصحيح المسار ورتق الفتق ، فليس هناك ثمة شيء أبقى من تصالح الشعوب والدول في المنطقة وعيشها بسلام مع بعضها ، ولتذهب إلى الجحيم لغة التهديد والكراهية والحروب والتغطي بالغير ، ذلك الغير المخادع المحتال الذي لا يفكر إلاّ بمصالحه ونفسه . نعم هي حروب سخيفة لا معنى لها ولا طائل تلك التي حدثت بين العراق وإيران ، فدمرت أجيال ودمرت تاريخ وحضارة وذهب ضحيتها أناس أبرياء ، لازال يعاني الشعبين من نكبتها ، وهكذا الحال ماحدث بين العراق والكويت من تدمير وترسيخ للعنف والكراهية والإرهاب والأفكار الغريبة الوافدة . نعم سخيفة هي الحروب التي تحدث كل هذا الدمار بين أبناء الوطن الواحد ، وشاهدنا ماجرى في سوريا من حرب وقتال مرير بين أبناء الوطن الواحد ، سخيفة هي كذلك حرب ليبيا بكل عناصرها ، وسخيفة هي كذلك حرب اليمن وبكل ماجرته من ويلات ودمار وخدوش في الجسد الواحد ، وإني على يقين إن نهايتها قد بدت واضحة اليوم ، بعد الإشارات المتكررة من السعودية والحوثيين على العودة للحوار وبدء الكلام عن المستقبل الذي يحتضن الجميع ، وهذا هو القدر الذي ليس منه بُد ، إذ لا غالب ولا مغلوب في القتال بين الأخوة .

هي إذن في مجملها حروب سخيفة وتافهة في الوقت نفسه ، تلك التي قامت على أسس طائفية ومذهبية بغيضة أو على أحقيات ومزاعم من هذا الطرف أو ذاك ، وسخيفة هي خطابات الحرب الأهلية من الجميع دون إستثناء ، وفي هذا الشأن لا يجب الإعتماد على الأغيار في ترسيم معالم الحياة لنا في التعايش والعيش المشترك ، كما لا يجب الإصغاء إليهم وهم يودون إشعال الحروب وإثارة الفتن فتلك جرائم يجب ملاحقتها والقصاص منها . إن الغرباء أو الأغراب لايهمهم من الأمر سوى ما يدر عليهم من منافع وأموال يكتسبونها ولو على حساب دمائنا وحريتنا وكرامتنا ، هم تجار حروب وسلاح وفتنة والإصغاء إليهم حتما سيؤدي إلى التهلكة لا محال . وأما من جانبنا فنحن نعتبر الخطوة التي أتخذها الرئيس الأمريكي في سحب قواته من المنطقة ، خطوة في الإتجاه الصحيح على أمل أن تتبعها خطوات لسحب كل القوات المتمركزة هنا أو هناك ، فلم تعد لها حاجة ولا يمكن التلحف بها لأنها لا تسمن ولا تغني من جوع ، وأملنا بشعوب المنطقة وحكامها أن يعوا الدرس جيداً ولا يدعوا الفرصة تمر من غير نشر السلام والمحبة ، فهما الباقيات الصالحات التي يمكن الإعتداد بهما في الدارين .. راغب الركابي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here