حال العراق زمن الاحتلال التركي ح 22 * الأخيرة !

د. رضا العطار

كانت مدن العراق الحدودية كربلاء والنجف مراكز اقتصادية وأسواق موسمية صحراوية في بيع التمور والحبوب والأقمشة فكان البدو يأتون من البادية ومن الجزيرة حيث يقيمون مضاربهم في ربوع المناخة قرب النجف يتبادلون فيها السلع التجارية. وكانت حقول الرز تمتد على طول قناة الهندية ومناطق حوض الفرات الأوسط خاصة طويريج والكوفة والكفل ومنطقة الشامية، وكانت النجف مركز تجمع الصوف وجلود الماشية فكانت المدينة تجتذب تجار السلع من بادية الشام ومن الجزيرة حيث كانت تجري فيها المعاملات التجارية.

كانت الرحلات الموسمية تدور حول فصلين في السنة، ففي موسم الأمطار كانت العشائر تتجه نحو السخره في الصحراء التي تبدأ في أبريل إلى أكتوبر وهذا النشاط الاقتصادي كان يتزامن مع موسم حصاد القمح والشعير في جنوب العراق خلال شهر ابريل ونيسان، كما غدت مدينة الحلة هي الأخرى أسواقاً عشائرية واسعة لتبادل وبيع السلع التجارية فكانت مناسبات مؤاتية للحديث في قضايا سياسية واجتماعية وأدبية تذكرهم بسوق عكاظ قبل الإسلام.

تشير السجلات الرسمية إن نسبة الاستقرار للعشائر الرحل في الريف العراقي عام 1867 كانت 47% لكنها ارتفعت عام 1905 ووصلت إلى 72% اى بزيادة 33% خلال أربعين عاما، وكانت نتيجة هذه الزيادة في الكثافة السكانية ظهور أكثر من عشرين مدينة في وسط وجنوب العراق، وكانت مدينتي الناصرية والعمارة أسرعها نموا.

وهكذا طرأ تغير جوهري على النسيج الاجتماعي للمجتمع العشائري فقد كانت حياة البدو في الازمنة القديمة متسمة بالتنقل الدائم أصبح البدوي الآن مرتبطا بالأرض وبحكم القانون الذ ي لا يسمح له إمكانية تغير سكناه، وقد أثار هذا الظرف الجديد نزعات حادة بين رجال العشائر، خاصة تلك التي تتعلق بشأن توزيع المياه ومقدار حصتهم منها ومدى موقعهم من النهر وبعدهم عن المنبع. لقد أدى ممارسة العشائر المتوطنة لحرفة الزراعة إلى تنوع الاقتصاد الوطني وتطور أفرادها ثقافيا بعدما أصبح من الميسور لعوائل العشائر من إدخال أبنائهم إلى مدارس الريف. لقد أصبح لزاما على شيخ العشيرة أن يأخذ على عاتقه مسؤوليات رسمية بعدما صار حاملا لصك ملكية الأرض، فكان عليه أن يجبي الضرائب ويحافظ على الأمن في منطقته ويمارس التحكيم في النزاعات وينظم أعمال السخره ويشرف على توزيع الماء بصورة مرضية وبالتالي يمثل عشيرته أمام الحكومة في بغداد.

لقد أدى تطوير النظام العشائري إلى تقليص سلطة الشيوخ وظهور السراكيل الذين كان دورهم كمراقبين عمل وكانوا وسطاء بين مالك الأرض والفلاحين وكانت وظيفتهم بالدرجة الأولى تنحصر في إبقاء الأرض مزروعة ليتسنى تحصيل الفوائد للملاك.
إلى جانب هؤلاء كانت هناك فئة أخرى يطلق عليها اسم السادة ينتشرون في المناطق العشائرية لهم منزلة دينية مرموقة كون أن نسبهم يرجع إلى أسرة النبي الكريم على حسب قولهم. وقد تعزز موقعهم عندما عملوا كأولياء. وكان بعضهم يدعي امتلاكهم قوى خارقة لعلاج الأمراض وكان لدعائهم وزن معنوي عند سكان الأهوار وكانوا يحضون بقدسية بين رجال العشائر الذين كانوا يقسمون الإيمان بأسمائهم وكانت منزلتهم العليا تتجلى في حقيقة إن دية السيد القتيل هي ضعف دية الشخص الاعتيادي. وكان السادة يمنحون موافقتهم في الأعراس والختان ومراسيم الجنازة وكان هؤلاء هم الوحيدون الذين يقرؤون ويكتبون حينذاك وكانوا بمثابة همزة وصل مع العالم الخارجي.

المصادر
1. دكتور على الوردي في لمحات من تاريخ العراق الحديث
2. جعفر محبوبة تاريخ النجف 1965
3. جعفر الخليلي في العتبات المقدسة
4. علي الوردي في لمحات من تاريخ العراق الحديث
5. عبد الله النفيسي تاريخ الشيعة في العراق 1995
6. سليم درنجل التركيب القانوني للدولة العثمانية
7. عبد الأمير الرفيعي العراق بين سقوط الدولة العباسية والدولة العثمانية بغداد 2005
10. حنا بطوطه المجتمعات القديمة وحركات الثورة في العراق برستون 1982
11. الكركوكلي دراسات في عشائر العراق
12. محمد رضا المظفر حفاظ القبائل العربية على تقاليدها
13. إسحاق النقاش شيعة العراق بيروت 1996
14. فرهاد إبراهيم الطائفية والسياسة في العالم الإسلامي القاهرة 1996
15. احمد فهمي في باب الأخبار بغداد 1946
16. مكي جميل البدو والقبائل الرحل في العراق
17. شالس عيسوي تاريخ الاقتصاد في الشرق الأوسط شيكاغو 1976
18. الألوسي في دعاية الرفض.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here