ثورة ال (Generation Z) في العراق

بقلم: البروفسور الدكتور سامي آل سيد عگلة الموسوي

الثورة التي اطلق عليها البعض من المتظاهرين الشباب (ثورة الكرامة) هي ثورة الجيل الجديد الذي ولد ما بعد عام ١٩٩٥ والذي يطلق عليه (Generation Z) وهذا الجيل يمتاز بمميزات تختلف تماماً عما سبقه من أجيال وحتى عن جيل الالفية (The Millennium Generation). وفي الدول المتقدمة يعامل هذا الجيل حتى في طريقة تعليمه بشكل خاص ومختلف عما سبقه من أجيال وتتخذ الدول المتقدمة في تعليم هذا الجيل وسائل جديدة في الجامعات بمختلف اشكالها من العلوم الطبية وحتى علوم الادب والفن وغيرها. هذا الجيل لايهتم تماما للمظاهر التي كان يهتم لها من سبقهم ولا يعير أهمية للتلفاز مقارنة بمواقع التواصل الاجتماعي والانترنيت وهو في تفكيره عابر للحدود لايمكن اخافته او استمالته او احتوائه بسهولة خاصة فيما يتعلق بالانظمة القمعية. فهو يفكر ويقارن ولديه وسائل تنمي فيه روح الاستقلالية والمناورة والعزة اكثر من ابائه ومن سبقه. والرابط ادناه يعطي مختصر مفيد عن خصائص هذا الجيل الذي تحسب له الدول المتقدمة الف حساب فيما يتعلق بتنميته وتعليمه وتدريبه بينما تنساه دولة مثل العراق ونظامها الطائفي لان هذا الجيل منفتح بشكل كبير على عالم مفتوح امامه فهو لايتأثر كثيراً بالطروحات الطائفية والعنصرية ويكره الفساد الإداري ولايتحمل القمع ويثأر للكرامة.

https://www.visioncritical.com/blog/generation-z-infographics

هذا الجيل هو ليس جيل الإباء الذي زرع في نفسه نظام صدام الخوف والتسلط والسجون والقتل وما شابه. وقد نسب قول للامام علي (عليه السلام) حيث قال: لاتربوا ابنائكم كما رباكم ابائكم فأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم. وهذه حقيقة أصبحت تثبتها الدراسات البحثية والسايكولوجية الحديثة. وما يعنينا هنا هو ان هذا الجيل الثائر في العراق هو جيل ال (Generation Z) الذي سوف لن يتمكن عادل عبد المهدي ولا مستشاريه ولا الدولة القمعية التي أشار اليها فالح الفياض ولا المعممين من السيطرة عليه. وفي نفس الوقت فلا يتمكن احد من استخدام الدين او المذهب او حتى الوطنية من استمالته او دفعه او تحشيده بل هو من يحشد نفسه. انه جيل له دوافع عديدة تتجاوز الوطنية فقط ولايمكن لمعمم ان يفرض عليه اراء معينة ليس لان المعرفة مفتوحة امامه وتجارب الشعوب فحسب ولكن لاختلاف سيكولوجيته ومشاعره عمن سبقه من اجيال. هو جيل يشعر بان له حقوق يجب ان يقدمها له الوطن واذا ما شعر بفساد السلطة فانه يثور. فكيف والسلطة الفاسدة تنخر فساداً في العراق منذ ١٦ سنة وكيف وهو يرى ان بلده واقع تحت احتلال باسم المذهب والمذهب منه براء. وكيف له وهو يرى كذب وتدليس ومساومة ونفاق المتسلطين عليه؟ هذا الجيل سوف يجمع الأدلة والصور والفديوات التي تم قمعه بها كأدلة لانه جيل يؤمن بالادلة حسب الدراسات البحثية الحديثة. وعندما يحين الوقت سوف يقوم بإدانة من قاموا بها لينالوا جزائهم العادل. هذا الجيل قد يهمه امر الدين ولكنه لاينقاد للذين يمثلون الدين بشكل عاطفي خلافاً لاجيال الإباء والاجداد الذين يندفعون اكثر بالعاطفة. هو يحاول الاعتماد على نفسه ويحدد مسيرته بعيداً عن العاطفة الدينية والمذهبية بطريقة اكثر انفتاحا من الإباء. هذا الجيل هو الذي يقود الثورة ضد الظلم والتعسف والطائفية والفساد والمحاصصة والفشل.

الثورة التي قام بها الجيل الجديد لايمكن ان يتم التعامل معها بأسلوب القمع والتسويف والتخويف والمماطلة الذي يسود في العراق حالياً لان تلك الأساليب سوف يتم كشفها بسرعة وسهولة وسوف تتخذ وسائل مضادة لها. والذي قامت به حكومة العراق المتمثلة بالرئاسات الثلاثة خاصة حكومة عبد المهدي من وعود ترقيعية لايتناسب حجمها مع الشرخ الذي حصل منذ عام ٢٠٠٣ ولحد الان لمعالجته. ان السبب الرئيسي لمشاكل العراق كافة هو طبيعة النظام السياسي الذي يقوم على أسس طائفية ابتدعت لكي تلبي مصالح مجموعة معدودة من الافراد الذين كانوا يحسبون انفسهم معارضة لنظام صدام حسين وعليه فهم احق من غيرهم بالامتيازات السلطوية والحكم وكسب المال اذن هم لم يكونوا سوى معارضين لصدام من اجل السلطة. وعلى هذا الأساس فانهم اطلقوا مقولة (وصلت النه وما ننطيها). وقد كان هؤلاء يعرضون مشاهد مصورة من قمع وزارة وطبان التكريتي للمعتقلين وهي بالضبط نفس الصور التي تم تداولها لنفس الجهة أي القوات الأمنية في بغداد وهم يضربون ويقمعون الشباب الذي يحمل علم العراق بيده كما في الفديو ادناه.

https://kitabat.com/news/خروج-تظاهرات-في-بغداد-تطالب-بالثأر-للش/

ليس ذلك فحسب بل فقد تم استخدام القناصين وفرق الموت والاغتيال التي تدخل البيوت وتقتل حتى الاجنة في بطون امهاتها كما حصل مع حسين عادل وزوجته في البصرة. ناهيك عن اعتقال الصحفيين وتخريب واغلاق القنوات الفضائية واستخدام لغة التهديد والترويع والقتل والتخويف القمعية كما جاء في كلمة للمدعو فالح الفياض. ان الشباب الثائر لايحتاج الى فتوى او إشارة من مرجعية دينية فهو اقرب للحدث من المرجعيات وهو الذي يشعر بألم المعاناة والبطالة وغياب الخدمات والفشل الذريع وتدخل الدول اكثر مما تشعر به أي مرجعية. وهو سوف لن ينتظر طويلاً لكي يسمع من ذلك المرجع او هذا المعمم لان بعض المرجعيات وكما اكتشف هذا الجيل هم الذين باركوا بهذا النظام الطائفي والذي يقوم على أسس عنصرية ليس لها في دين محمد (صلى الله عليه واله وسلم) من أساس واهل البيت (عليهم السلام) منها براء.

اليوم وقد فشلت حكومة عبد المهدي كما فشلت من قبله حكومات ما بعد الاحتلال الأمريكي منذ عام ٢٠٠٣ لم يتغير شيء وما جاء به عبد المهدي من توزيع قطع أراضي ومنح مالية لمدة ثلاثة اشهر وغير ذلك ما هي الا حلول فاشلة وغير تنموية ولامستدامة عبارة عن ردة فعل محدودة لاتغني ولاتسمن من جوع. الذي سوف يحصل هو العكس فان الدولة العراقية اليوم عبارة عن دولة مترهلة فاشلة هي دولة دفع رواتب (تدفع رواتب فقط) وليست دولة مشاريع اقتصادية وتنمية مستدامة. ان بلد مثل العراق لابد ان يكون فيه مشاريع تنموية مستدامة لكي ينهض وليس منح مالية وارض لاينتج عنها الا الفساد داخل الفساد. الفشل الذي يضاف لحكومة عبد المهدي هو القمع الذي تم فيه قتل المئات وجرح عشرات الالاف من الشباب الثائر والممارسات القمعية الأخرى. وان تشكيل لجنة من ضمن هذه الحكومة للتحقيق فيما ارتكبته او فشلت من منعه من جرائم قتل انما هو ضحك على الذقون سوف لن يمر فكيف يمكن لطرف تقع المسؤولية عليه ان يكون هو الحكم فيما يتعلق بهذه المسؤولية؟! فالنتيجة واضحة ومعروفة مقدماً خاصة وانهم حددوا ٥ أيام لنتيجة التحقيق وهذه مفارقة غريبة اذ انهم اذا كانوا أعطوا ٥ أيام فمعناه ان لديهم ادلة لضلوع جهات ما بذلك او انهم سوف يسوفون الامر كما فعلوا فيما سبق من تحقيقات تم اغلاقها ووضعها على الرف كجريمة سبايكر وسقوط الموصل تفجيرات الكرادة. اذن هم سوف يحملون المسؤولية بالقتل على افراد فقط. كان من المفترض ان تكون هناك لجنة تحقيقية معتمدة من قبل الأمم المتحدة أي لجنة دولية محايدة تشترك فيها جمعيات حقوق الانسان الدولية وذلك لان أي لجنة عراقية سوف اما ان تكون فاسدة او فاشلة او تتعرض لضغوط سواء من القضاء او غيره. ولعل وزير التخطيط الذي اختير لهذه اللجنة سوف يقدم استقالته هو الاخر لان في هذا الامر شيء مريب.

العراق بحاجة الى استعادة كرامته المهدورة والشعب الذي يريد طريق الحسين (عليه السلام) عليه ان يختار طريق العزة والكرامة الذي جاء من اجله هذا الامام المصلح. والعراق بحاجة الى إعادة اعمار وبناء وفي مقدمة ذلك محاسبة الفاسدين دون استثناء ومسائلة كل الذين اشتركوا في الحكومات منذ عم ٢٠٠٣ وما تسببوا به من فشل وسرقات وتأخر. العراق بحاجة الى إعادة كتابة الدستور واستبدال الدماء القديمة بدماء الجيل الجديد في المعترك السياسي فالاحزاب الحالية فشلت ولابد لها من ان تكون بمستوى المسؤولية والوطنية وتعترف بفشلها وتتقاعد لافساح المجال للجيل الجديد جيل ال (Generation Z) للحكم. ولكي لايحمل عبد المهدي يوم القيامة على يديه مسؤولية قتل الأبرياء عليه بمصارحة الشعب وافساح المجال لغيره والاستقالة. ونفس الشيء ينطبق على رئيس البرلمان واعضائه ورئيس الجمهورية. انتم فشلتم فاستقيلوا وافسحوا المجال لغيركم قبل ان تقالون من قبل ال (Generation Z).

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here