التآمر التركي – الأمريكي ضد الكُرد ووحدة سوريا

كاظم حبيب

إن التصريحات المتلاحقة للرئيس التركي العنصري بامتياز تلتقي بالتوافق والتنسيق مع التصريحات اليومية الشرسة والعدائية للرئيس الأمريكي، سمسار النفط والسلاح والحروب الإقليمية وموت الأبرياء من سكان المنطقة لاسيما الكرد، تؤكد بأنهما قد اشتركا في صفقة سياسية – عسكرية قذرة تستهدف تصفية الحركة الكردية المسلحة وحقوق الكرد في سوريا وإجراء تغيير ديمغرافي (سكاني) في المنطقة الكردية في سوريا لصالح المتعاونين من المسلحين السوريين في تركيا: وكل اللاجئين في تركيا هم من العرب السوريين لإسكانهم فيما يسمى بالمنطقة الآمنة التي تمتد على طول الحدود السورية التركية وصولاً إلى الحدود العراقية على الفرات. والدكتاتور التركي يريد الدخول في العمق السوري قرابة 40 كيلومتر وعلى امتداد 120 كيلومتر كمرحلة أولى و444 كيلومتر كمرحلة ثانية. أي جريمة أخرى إضافية غير جريمة قتل المسلحين الكرد بدم بارد التي عبر عنها الرئيس التركي بقوله سأسحق رؤوس الكرد إن لم ينسحبوا من المنطقة التي هي أرضهم، أرض الدولة السورية. أنه تدخل سياسي وعسكري فظ يرتكبه الرئيسان ترامب وأردوغان في تلك المساومة الجبانة وضد كل القوانين واللوائح الدولية، وكأن الأرض السورية ملكهم يتصرفون بها كما يشاؤون ويقتطعون منها ما يشاؤون.

إن سياسة أردوغان التوسعية على الأراضي التابعة لسوريا ووجوده العسكري في كردستان وشمال العراق تعتبر مخالفة صريحة وتجاوزاً فظاً على لوائح الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وحقوق الإنسان والشرعية الدولية ومحاولة جادة لإجراء تغيير ديمغرافي محرم دولياً ضد السكان الكرد الذين يعيشون منذ قرون في هذه المنطقة من سوريا.

إن النهج السياسي الذي يمارسه أردوغان يعتبر بمثابة امتداد سافل لفكر وسياسات الدولة العثمانية الاستعمارية والعنصرية التي مارستها إزاء المسيحيين الكلدان أولاً، ومن ثم إزاء الأرمن، حيث مارسوا الإبادة الجماعية بحقهم وقتلوا ما يزيد عن مليون أرمني وأرمنية، بين طفل وشيخ وامرأة وشاب ومن كل الأعمار، ومن ثم ممارساتهم ضد الكرد والإيزيديين التي ماتزال تشكل كلها عاراً في جبين الدولة العثمانية والدولة التركية الحديثة. وها هو أردوغان يمارس سياسة الإبادة الجماعية ضد كرد سوريا لا في تصريحاته المتوحشة فحسب، بل وفي سلوكه السياسي الممعن بالكراهية والحقد العنصريين.

إن الحرب التي يخوضها أردوغان لن تجلب لتركيا والشعب التركي السلام والأمن والاستقرار، بل ستزيد من الصراعات والنزاعات السياسية والعسكرية وستقود بدورها إلى مزيد من سباق التسلح والموت لمزيد

من البشر، إضافة إلى تدهور في الاقتصاد التركي وتفاقم نسبة الفقراء والمعوزين وتعطل عملية التنمية في تركيا، التي بدأت تعاني فعلاً من أزمة اقتصادية واجتماعية عاتية.

لقد ابتلي الشرق الأوسط بمستبدين عنصريين يتسمان بمواصفات متقاربة إن لم تكن متماثلة، والفارق هو أحدهما في تركيا والثاني في الولايات المتحدة التي لا تسمح لترامب أن يمارس سياسات تلتقي بشكل كامل مع سياسات الدكتاتور التركي، الذي يفكر بإعادة تركيا إلى العهد العثماني، في حين يبشر ترامب بشعار “أمريكا أولاً”، التي لا تعني سوى الهيمنة السياسية والاقتصادية على العالم وتسخير كل شي لصالح الولايات المتحدة. إلا إن سياسات ترامب العدوانية لن يكتب لها النجاح، كما لن يستطيع الدكتاتور التركي العنصري تحقيق كل ما يسعى إليه في سوريا أو في عموم المنطقة، بعد أن تشكلت أقطاب دولية جديدة.

إن المستفيدين الكبيرين من الصراعات الجارية في المنطقة في الوقت الحاضر هما روسيا وإيران، في حين سيبقى الدكتاتور بشار الأسد حبيس إرادة هاتين الدولتين وسياستيهما، رغم استفادته من السياسة التركية في إضعاف مطالب الكرد بحقوقهم، ومنها الإدارة الذاتية لمناطق سكناهم في إطار الدولة السورية وإضعاف الحياة الديمقراطية في البلاد. في حين إن الخاسر الأكبر هو الشعب السوري عموماً والكرد السوريين خصوصاً والأمن والسلام في المنطقة، كما إنه إضعاف حقيقي لدور الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي في معالجة القضايا والنزاعات الإقليمية بالطرق السلمية التفاوضية.

إن سحب القوات الأمريكية من منطقة الصراع التركي-السوري يعتبر خيانة للعهد والوعد الذي قطعه ترامب على نفسه وعلى الولايات المتحدة حين تحالف مع كرد سوريا لمواجهة عصابات داعش الإرهابية في المنطقة، حيث ترك الكرد وحدهم يواجهون الدولة التركية المدججة بالسلاح الحديث، الذي يَرد إليها من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا وغيرها، في حين لا يملك الكرد سوى أسلحة محدودة وقدرات ضعيفة، ما عدا إيمانهم بالقضية التي يناضلون من أجلها وشجاعتهم في مواجهة العدو التركي وعصاباته السورية الخاضعة لإرادة الدكتاتور أردوغان.

إن أردوغان الموجود حالياً في روسيا يسعى لمساومتها في الحصول على موافقة بوتين في إبعاد الكرد عن مناطقهم وإحلال العرب محلهم وتحت الحماية التركية بأمل ألّا يصطدم بالقوات الروسية أم القوات الحكومية السورية. وهي مساومة يمكن أن تحصل، وهي في كل الأحوال ليست في صالح الشعب السوري بكل قومياته، ومنهم الكرد السوريين، إذ يبدو إن روسيا مستعدة لمثل هذه المساومة تحت غطاء “الحفاظ على وحدة سوريا” أولاً، والنجاح في خروج القوات الأمريكية من سوريا ثانياً، وحلول روسيا مكانها ثالثا، التي لا تختلف في أهدافها الاستعمارية الحديثة عن كل الدول الاستعمارية الأخرى، وهي التي كانت

تطمح لمثل هذا الوجود السياسي والعسكري في المنطقة. ومن هنا، وليس حباً في عيون الشعب السوري، يحتج الكونغرس الأمريكي ضد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا. لقد اكتفى ترامب بوجود قوات رمزية له في المناطق النفطية من سوريا والتي بدأ، كما يبدو، باستخراج النفط منها لصالحه، وأدعى أنه سيعطي أموالاً للكرد السوريين من بيع النفط السوري، وكأنه يحاول بذلك التغطية على خيانته الكبيرة لهم، والتي ستترك أثاراً إضافية كبيرة على فقدان الثقة بالولايات المتحدة ووعودها لدى شعوب دول المنطقة! إن ترامب سمسار دولي سيء السياسة والخلق. ففي الوقت الذي سحب القوات الأمريكية من سوريا بذريعة أنه لا زجهم في القتال ولا التضحية بهم، أرسل المزيد من القوات الأمريكية إلى المملكة السعودية للدفاع عنها، لأن قادتها يدفعون المزيد من أموال الشعب العربي لتغطي تكاليف وجود هذه القوات، بل ويدفعون أكثر!!

أما الجامعة العربية، الجامعة التي لم تلّم الدول العربية، اكتفت بإصدار بيان بائس يدين التدخل العسكري التركي في سوريا، وكفى الله المؤمنين شر القتال! كم كان المنولوجست عزيز على مصيباً حين غنى:

“والطُمَع عَامي بَصيرتْنا…. والزَعَامَه كَاتْلَتْنا وْالَاجْنَبِي قَالِقْ راحَتْنا….تْفَرَّجُوا شُوفُوا حَالَتْنا والعَتَب على جَامِعَتْنا جَامِعَتْنا الْمَا لمَّتْنا”

22/10/2019

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here