لا تبنى الأوطان بالأكفان

من خلال تظاهرات شعبنا منذ العام 2011 ولليوم، شكّلت قوى عدّة خطرا جسيما على ديمومتها والحؤول دون وصولها الى نقطة الحسم، وهي تغيير كامل النظام السياسي الفاسد الذي ترّبع على عرش الخضراء بقرار أمريكي إيراني. فقوى المحاصصة الثلاث وهي تشعر بالرعب من تحركات الجماهير، سعت ومنذ إنطلاق التظاهرات المطالبة بالإصلاح وقتها، الى أحتواء التظاهرات بسيل من الوعود الكاذبة والتي لم يتحقق أي منها لليوم. فالفساد تجذّر كثقافة في بنية الدولة والمجتمع، والأستنزاف المتواصل لثروات البلد إستمر بوتائر متسارعة وكأن المتحاصصين في سباق مع الزمن لنهب ثروات البلد وتركه فقيرا ومتخلفا ومدينا للعديد من الجهات وأخطرها هو البنك الدولي.

لم تستطع القوى المتحاصصة على إختلاف توجهاتها الطائفية والقومية من التأثير على التظاهرات أو إنهائها إن أمكنها ذلك، بل إستمرّت التظاهرات وإن بأعداد قليلة وصلت أحيانا الى العشرات بقضّ مضاجع سلطة الفساد. وإستمرار التظاهرات والوقفات الإحتجاجية في عموم البلد، وسوء إداء الحكومات المختلفة للأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وإستمرار الفساد ونهب المال العام، كانت تراكمات كمّية تحولت بفعل حالة الغليان الجماهيري والبؤس الذي يعيشه شعبنا الى تراكم نوعي إنفجر على شكل إنتفاضة جماهيرية رسمت خارطة جديدة للبلاد. فالعراق قبل إنتفاضة الأول من تشرين/ أكتوبر هو غير العراق بعد ذلك التاريخ، وما تسمى بالعملية السياسية برمتها هي اليوم على المحك. لكن هناك خطرا كبيرا من جهة سياسية دينية لا زال قائما لأنهائها أو أحتوائها، هذه الجهة هي الرهان الأكبر لقوى السلطة ورعاتها في تدمير إنتفاضة شعبنا هذه، هذا الخطر هو مقتدى الصدر وتياره الذي يُقاد بجهاز سيطرة عن بعد مركزه طهران وإن كان في الحنّانّة. هذا إذا ما تجاوزنا خطر تدخل المرجعية على خط التظاهرات ومحاولاتها رمي طوق نجاة للسلطة الفاسدة، كما كان ديدنها منذ بداية الإحتلال لليوم.

السيد مقتدى الصدر وفي تغريدة له يطالب المتظاهرين بلبس الأكفان عند التظاهر بهدف ركوب الموجة والجماهير من جديد، وكأننا نريد من تظاهراتنا مواجهة الموت بكل آلامه ومآسيه وبشاعاته . لا أيها السيد مقتدى، شعبنا ليس بعاشق للموت كي يلبس أكفانك، بل هو عاشق للحياة وجمالها. شعبنا يتظاهر من أجل غد أجمل وأبهى له ولأجياله القادمة، يتظاهر من أجل حرية وطنه وتحرره من قيود الدول التي تتحكم بمصيره اليوم لفشل القوى الحاكمة في إدارة البلد، ومن هذه القوى هي أنتم وتياركم. ثقافة المقابر والأكفان تليق بعاشقي المقابر والأكفان المشدودين دوما لتراث بكائي، والذي يريدونه نقطة إنطلاق ونهاية لشعب يمتلك حضارة موغلة في التأريخ الإنساني.

أمام الفنانين والمثقفين العراقيين اليوم وشعبنا يتهيأ لتظاهرات قد تغير وجه العراق مهمة كبرى، وهي تواجدهم في سوح التحرير وبين جماهير شعبهم. مهمّتهم هي تمزيق الأكفان من خلال فعالياتهم الثقافية. حوّلوا أيها المبدعون سوح التحرير في عموم الوطن، الى منتديات شعرية تلهب ظهور الطغاة بقصائد من واقع حياتنا البائس، حولوها الى مسارح، غنّوا أغاني الناس، أرقصوا رقصات الحياة والجمال، إرفعوا أصوات الموسيقى التي يهابها لابسي الأكفان، إرسموا وجوه أطفالنا البريئة وهي تنظر الى سواعد المنتفضين وكلها أمل بغد أجمل للطفولة، أثبتوا وأنتم بين الجماهير التواقة للحرية والكرامة من أننا شعب يعشق الحياة وجمالها، ويكره الموت وأكفانه.

أيتها الجماهير الثائرة إفترشي الساحات والشوارع ولا تتركيها ، فأصحاب الأكفان على أهبّة الإستعداد لسرقة إنتفاضتكم وإفراغها من عمقها الوطني ومعهم كل الفاسدين والخونة والقتلة.. أيتها المرأة العراقية وأنت تتظاهرين بشكل سلمي ، قفي الى جانب أخيك الرجل وغنّي “إيدي بيدك عالمساحي الدنيا تشرين وشمس .. ليلي أضوه من صباحي والوكت وثبة وعرس” *. فشمسك يا إبنة الرافدين ستشرق ولو بعد حين، ستشرق ويصل شعاعها الى حيث مقابر القوم لتقضّ مضاجعهم وتمزّق أكفانهم البالية وهم رِمَمْ.

سلاما شعب العراق

سلاما سوح النضال

* مع الإعتذار لفنان الشعب فؤاد سالم

زكي رضا

الدنمارك

21/10/2019

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here