بين هواجس التظاهرات المطلبية وعودة داعش

تتصاعد الهواجس من عودة التنظيمات الإرهابية إلى المدن العراقية، مع انطلاق العملية العسكرية التركية شمال شرقي سوريا التي أدت إلى هروب العديد من مسلحي داعش من سجون ( قسد ).ترافقها في هذا الوقت التظاهرات الشعبية السلمية الكبيرة المطالبة بالحقوق المهضومة من الحكومة فماعلينا إلأ اخذ الحيطة والحذر من ان تستغل من قوى الشر التي لا تريد للعراق الخير وتحاول تغيير مسيرة التظاهرات الوطنية والمطلبية لصالحها او ركوب موجتها مثل حزب البعث والفوضويين والجهلة والقوى الاقليمية .

هذا التنظيم يعيش مرحلة التكوين من جديد واعادة بناء هيكله التنظيمي بعد ان قضت الحرب في سوريا على عدد كبير من مسلحيها في كل المنطقة تقريبا التي كان يسيطر عليها في شمال سوريا، بما فيها عاصمتهم الرقة وبعد إعلان هزيمته في العراق واجه هذا التنظيم نزيف داخلي نتيجة ارتفاع أعداد المنشقين الراغبين في العودة إلى بلدانهم، خاصة بعد هزيمتهم وعلى الرغم من انه فقد ارضه ولكن لم يفقد نشاطه . وهو ما دفعه إلى التفكير في استراتيجية بديلة، و بدل أماكن تواجده وتمركز في المنطقة الشرقية من سورية والغربية من العراق وقد يصل عدد أتباعه في المنطقة نحو 4000 عنصر مسلح و ناشط قتالي منتشر بين البلدين وانتقال اعداد منهم الى داخل العراق (حوالي ألف مقاتل وهم في ازدياد قد عبروا الحدود إلى العراق على مدار الأشهر الثمانية الماضية، أغلبهم في أعقاب الانهيارات التي حصلت خلال الفترة الماضية ) وهناك من يخدمهم ويوفر لهم الغطاء وهي قوات التحالف الدولي و كما استطاع تنظيم داعش سريا بناء شبكة واسعة من العلاقات داخل تركيا خلال الفترة الماضية مقايضة ببيع النفظ الذي كانت تسيطر عليه . وصار بواسطتها قادرة على شراء مواده الحيوية ونقلها إلى أراضيه. وتعاقد، عبر أطراف ثالثة، مع مصانع لإنتاج مواد أولية لصناعة المتفجرات. وحصل على المواد الكيماوية، والأجهزة الإلكترونية للقنابل بدائية الصنع، والملابس والغذاء…إلخ. وقد انتشر الخوف بين سكان البعض من المدن المحررة الذين نجا الكثير منهم من ارهاب داعش والذي حكم مدنهم لسنوات وعودة عملياته الاخيرة ادت الى استشهاد العديد من افراد القوات المسلحة العراقية في الاونة الاخيرة بسبب بعض من نشاطها في مناطق من الموصل والرمادي واخرها في سامراء حيث استشهد احد قادة الشرطة الاتحادية ( قائد الفرقة الرابعة ) وجرح مجموعة معه واستشهاد مدير ناحية ابو صيدا حارث الربيعي رغم المسح وتطهير الصحراء الممتدة والمستمرة في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وديالى، وصولاً إلى الحدود العراقية – السورية، من هذه المجاميع التي طالما يجري الحديث بأنها تتخذ من هذه المنطقة الصحراوية ملاذاً آمناً لها لشن هجمات على المدن متى ما سنحت لها الفرص ،

مسلحي داعش يخوضون عمليات عسكرية عشوائية ويتحركون تحت غطاء الظلام لتنفيذ هجمات قنص وتفجيرات بدائية فى الطريق عدة مرات فى الأسبوع وزرع الالغام ، وغالباً ما تكون هجماتهم التى تحدث خارج المدن الكبرى منتهزين الفرص ويستهدفون بشكل أساسي قادة المجتمع أو القوات الأمنية المشاركة فى جهود اجتثاثهم “، . في الفترة الماضية اهالي المدن المحررة كانوا شاكرين القوات العراقية لتحريرمدنهم ، ولكن الان لم يعودوا يشعرون بالامن وأن الجيش والقوات المسلحة بصنوفها المختلفة والشرطة الاتحادية وقوات الحشد الشعبي لم تعد تكفل سلامتهم وبدأ الخوف يدب في انفسهم من جديد ولا يزال لدى داعش خلايا موجودة في جميع المناطق، وهناك مشكلات تحدث من حين لآخر في المناطق التي لا تزال بها هذه الخلايا واليوم وبعد تغيير الخارطة السياسية وتخلي الولايات المتحدة الامريكية عنها اصبح الخوف اعمق .

لاشك ان اقتلاع داعش بالكامل امر لم يتم بعد رغم اعلان النصر عليه وهناك الكثير من قواعدها قريبة من المدن المحررة وتمارس وجودها بين حين واخر ويتمثّل العامل المحرك الأكثر إثارة للقلق في الطريقة التي تخرّب بها الكتل السياسية الأمن القومي من خلال أفعالها وعدم التعامل مع المتطلبات الضرورية للمجتمع وتحقيق مستلزمات الحياة الحرة الكريمة ، وهو أمر صعب للغاية في هذه الظروف السياسية التي تحيط بالبلد والاحداث الاخيرة وانطلاق الحركة الاحتجاجية الواسعة في العراق على واقع الفساد الذي جعل البلد في مراتب البلاد الاكثر فسادا وتاخراً حول العالم، فهل تنجح هذه الانتفاضة للقضاءعلى الفقر بصورة سلمية ام هناك من يركبها وتتحول الى عاصفة سياسية تدمر مكتسبات العراق الجزئية التي تحققت على علاتها بدل ايجاد الفرص الحقيقية لامتصاص غضب الشارع الملتهب ، وهل هي ثورة شعب أم تسودها الشغب والعبث بالمقدرات والاموال العامة وانتشرت إلى مناطق عديدة من بغداد بشكل غير مسبوق، فضلا عن امتدادها في المحافظات الوسطى والجنوبية. وقد ساعد العنف المفرط باتجاه المحتجين الى زيادة التوتر في الشارع ويبدو أن الحديث عن إقالة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي خرج من دائرة التهديد الى الابتزاز السياسي، ليدخل في إطار الاستعدادات البرلمانية الجادة والبحث عن الابتزاز المناسب من قبل بعض القوى. و بدأت الأصوات المطالبة بإقالة الحكومة تتزايد.

هذه الاجواء قد حفزت هذه العصابات لتجدد نشاطها ، وفي هذا الصدد والتوقع أنها ستظل تشكل تهديدًا كبيرًا واستغلال الفرصة ، و تعود إلى تكتيكات حرب العصابات، من خلال شن هجمات من قواعد بعيدة وتفعيل الخلايا النائمة داخل المناطق السكنية وحتى المشاركة في الاحتجاجات لتوتير الاوضاع اكثر .

أن عناصر داعش الذين هربوا بعد الهزيمة في سوريا يعبرون مرة أخرى الحدود إلى العراق، ليعززوا بذلك عمليات إرهابية على مستوى منخفض حيث تقوم الجماعة بشن هجمات شمال ومنتصف البلاد بعد الاوامر التي صدرت لهم بالانتقال الى شرق الفرات وبعد سد العديد من الثغرات هو يسير في خطى ثابتة وواضحة للتوجه الى العراق وسيبدأ في مرحلة المهاجمة بعد أن تخطى مرحلة التكوين والتجنيد وهو مقبل على مرحلة جديدة التي يسعى إليها ومن ثم هو لديه فائض في القدرة العددية.كما ان وجود مسلحي هذه العصابات و عودة التنظيم في العراق مجددا أمر لا مفر منه ـ فالبلاد عرضة لعوامل محركة داخلية مختلفة وقيادتها قرب الحدود العراقية – السورية والعمليات المتفرقة مهما كانت صغيرة او كبيرة تستدعي زيادة الحيطة والحذر من القوات المسلحة والاجهزة الاستخبارية لكي لا تستغل من قبل هذه العصابات اثر تغلغل مجاميع من عناصرها المنهزمين من سوريا الى العمق العراقي والتعامل مع المشاكل الجديدة بشكل عاجل إذا كانت تأمل في منع تمرد كارثي آخر وبسبب الحدود الشاسعة بين البلدين ليساعدهم في اباحة الدم واراقته من جديد .

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here