طريق الشباب (حلقة ثقافية) كيف نتغلب على المصاعب ؟ *

د. رضا العطار

فكما ان العمى لم يمنع الدكتور طه حسين من التفوق حتى يبلغ عميد كلية الاداب، فكذلك هو لم يمنع هنري فوصت. فقد صار هذا العظيم وزيرا في بريطانيا العظمى مع انه كان اعمى.
ولد هذا الرجل سنة 1823 ، فلما شب التحق بجامعة كمبردج. وكان جميل الوجه، مديد القامة ذكي الفؤاد، وكان مغرما بالخيل، فركب جواده في احد الايام وخرج في جماعة، ولكن جواده عثر به، فسقط واصطدم رأسه بالارض صدمة عنيفة، ونهض منها وهو اعمى، لم يبرأ طول حياته من العمى.
ولو ان احدا غيره نزلت به هذه النازلة لأستسلم لحكم القدر وانزوى عن الحياة وعاش وادعا في بيته.

ولكن فوصت لم يقر بالهزيمة بل عمد الى دراسة الاقتصاد حتى برع فيه، وعينته جامعة كمبردج استاذا فيها.
وفي احد الايام كان في مدينة بريتون يتنزًه، فسمع عن خطبة سيلقيها المرشح للبرلمان عن حزب الاحرار، فقصد الى قاعة الاجتماع ليسمعها، فلما انتهى الخطيب من القاء خطبته، وقف فوصت والقى خطبة على سبيل التعليق والانتقاد للخطيب السابق، فاستهوى افئدة الجمهور حتى اتفق رأي الاحرار على تعيينه هو مرشح البرلمان بدلا من الخطيب.
ولما صار عضوا في البرلمان، اصبح اكثر الاعضاء همة في ترويج الاصلاح والدعوة الى تحسين الاحوال المعاشية، وعرف له الاحرار اخلاصه وذكاءه فعينته الحكومة وزيرا للبريد العام.

والعبرة لك ايها القارئ الان هي الخلق العظيم الذي يستهين بالكوارث مهما حل خطبها ويتخطى العقبات مهما ترائت مخيفة، فهذا العمى الذي يحسبه كل منا اكبر كارثة تنزل بانسان لم يمنع المستر فوصت من ان يصير وزيرا. وليس شيء ادعى الى تعجب المرء ومنعه من ان يرقى بنفسه وينافس اخوانه من هذه الأفة.
فاعتبر ذلك ايها القارئ واعلم ان الفقر والمرض هما دون العمل من الانتصار على المصاعب من الظفر بثمار النجاح. ولكن يجب ان يكون لك قلب جريء وهمة شماء ودأب في العمل والمثابرة على بلوغ الغاية.

فانت نفس وجسم معا ولكن نفسك اكبر من جسمك، كما ان بصيرتك اكبر من بصرك، وما دامت نفسك سليمة لم يدخلها الجزع، فإن الفقر والمرض والعقبات المختلفة ليست كلها شيئا امام الهمة الحافزة، التي تستثيرها النفس العالية.

فإذا كان المستر فوصت يرقى الى درجة الوزارة وينال هذا المركز العالي مع آفة العمى، التي لا علاج لها، فماذا انت فاعل بنفسك وانت موفور الصحة كامل البصر ؟
الحق ان في المثال ما يحفز الههم الخامدة، ويدعو الى الثقة بالنفس والايمان بان الارتقاء ميسور لكل انسان.
فاجعل من نقائصك حافزا لك يغريك بالاستكمال في النواحي الاخرى من النشاط ويبعث على ان تزداد علما وجاها وثروة وخدمة لبلادك، والناس عندئذ سيكرمون فيك هذه الهمة التي رفعتك.

* مقتبس من كتاب في الحياة والادب للمفكر سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here