فنون العراق الجميلة –  الملا عثمان الموصلي  * 

د. رضا العطار

كانت الطقوس القديمة قد زال بعضها بفعل متغيرات الحياة، فان محافل الاخيار ومجالس الادب والاعيان من جهة وطقوس العبادة وحلقات الدرس من جهة ثانية استمرت تؤثر في المجتمع مما ساعدت على استمرار روح الموسيقى الى جانب روح الابداع الشعري والادبي لما كان لهما من دور محوري في بث الحب الصوفي والنشوة الخالصة في النفوس – – – ولقد استمرت طقوس الادب والفن حتى مطلع القرن العشرين في العراق وفي البلدان المجاورة، فكان ظهور اديب او مرتل مدعاة فخر واعتزاز ومصدر متعة خالصة في حياة خلت انذاك من المتع والمسرات.

وقد كان اعظم من ظهر في هذا الميدان في تاريخنا الحديث، هو الملا عثمان الموصلي الذي برز نجمه اديبا وموسيقيا وشاعرا متصوفا، وذلك في اواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. لقد استطاع هذا المعلم الرائد ان ينشر فنون الغناء والموسيقى الآلية (العزف) في ربوع العراق وتركيا التي تاثرت بالموشحات التي نقلها اليها الملا عثمان حتى ان بعض الحانه ما تزال مسجلة في الاذاعة التركية الى الوقت الحاضر.
هذا من جهة ومن جهة اخرى فقد اثر الملا عثمان كثيرا في مسار الغناء العربي عبر سفراته الى الشام ومصر حيث تهافت عليه طلاب الفن ونقلوا عنه اصول التلحين وبعض اعماله التي اثرت في رائد الغناء الحديث سيد درويش تأثيرا بالغا.

وما زالت الحان الملا عثمان الموصلي تتداول في العراق والاقطار العربية الاخرى بعد ان غيرت كلماتها الاصلية الى كلمات اخرى مع المحافظة على اللحنن فباتت اعمال هذا الرائد العراقي اغاني شعبية يتغنى بها الناس.  ومن ابرز تلك الاعاني:
( طلعت يا محله نورها — زوروني بالسنة مرة وهما في الاصل من موشحات الملا عثمان الموصلي).

لقد كان الملا عثمان علما من الاعلام الكبيرة الخالدة في عالم الفن والادب والتصوف، امتد تاثيره في التلحين في مجال الموشح والغناء الى تدريس الموسيقى في المدارس الحكومية التي نشأت في زمانه اضافة الى تعليمه عددا كبيرا من اوائل مقرئي المقام في العراق منهم محمد علي خيوكة وحسين علي الصفوي وعبد الرزاق القبانجي والحافظ ملا مهدي وجميعهم عاشوا حتى اوائل القرن العشرين.

ولقد اهتم الملا عثمان بالموشحات رغم انه كان من مقرئي المقام المجيدين فقد نشأ هذا الاهتمام جراء سفرات الملا عثمان الى تركيا ومصر والشام باعتبار ان الموشحات لون جديد في الغناء العربي ابتكره زرياب في الاندلس واستمر تأثيره فكان الملا عثمان احد رواده في العصر الحديث ساعد على انتشاره الى جانب المقامات، وكلا النوعين كانت  له خصائصه الايقاعية واللحنية وامكاناته الادائية المختلفة عن الاخرى لكن كلاهما  يعتبر من اهم الانواع الغنائية التي ظهرت في المدينة وما تزال تؤثر في جوهر التراث الغنائي عند العرب.

قبل ظهور الملا عثمان كان في الساحة الفنية في بغداد المغني شلتاغ وفي كركوك كان المغني الحاج عبد الله الكركوكلي المعروفان بمهارتهما بقراءة المقام العراقي في القرن التاسع عشر.  – – –
درس الملا عثمان الموصلي هذا الفن الذي استمر تاثيره واضحا في العراقي حتى يومنا هذا، فظهر له رواد معاصرون حملوا اصوله ومفرداته من جيل الى آخر حتى كانت المقامات سمة التراث الديني في فن الغناء الى جانب الموشحات والانواع الغنائية الاخرى التي سنتطرق اليها خلال هذا البحث.

* مقتبس من كتاب حضارة العراق للباحث عادل الهاشمي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here