لتنتصر إرادة شبيبة العراق المنتفضة

كاظم حبيب

لتنتصر إرادة الشبيبة المنتفضة والمقدامة، لتنتصر على النخب الحاكمة الفاسدة، على الطائفيين الذين أذلوا البلاد بمحاصصاتهم الخائبة، بنهبهم أموال الشعب وموارد البلاد ولقمة عيش الكادحين والعاطلين عن العمل والفقراء والمعوزين، لتنتصر إرادة الشعب على الذين أصدروا أوامر قمع المظاهرات، فُقتل المئات وجُرح وعُوق الآلاف واعُتقل وعُذب واختطف المزيد من الشبيبة المدنية والديمقراطية المقدامة. الكثير من المعتقلين مازال مغيباً. لن يمروا حكام العراق الجدد ولن يمرروا مشاريعهم غير الوطنية على الشعب، ولن يستطيعوا قمع إرادة الشعب في المحصلة النهائية. وكان الشاعر العراقي كاظم السماوي على حق حين هتف:

وإذا تكاتفت الأكف فأي كف يقطعون!

وإذا تعانقت الشبيبة فأي درب يسلكون!

السؤال العادل والمشروع الذي يطرح يومياً مع تصاعد مدَّ الشبيبة الثورية والمعبرة عن إرادة الشعب وطموحاته ومصالحه الحيوية وعيشه الكريم والآمن هو: ماذا يريد الشبيبة وعموم الشعب، وماذا تريد النخب الحاكمة والمتحكمة بالسلطة والمال والنفوذ؟

ستة عشر عاماً وشعب العراق، وشبيبته في المقدمة، يعاني الأمرين على أيدي الطغمة الحاكمة التي تقاسمت السلطة والمال والنفوذ وتركت الشعب يعاني من البطالة والفقر والحرمان وتحت وطأة قوى الإرهاب الدولي وإرهاب الميليشيات الطائفية المسلحة المحلية، إضافة إلى توفير كل المستلزمات الضرورية المساعدة على اجتياح عصابات داعش الإرهابية العراق من بوابة الموصل ونينوى واجتياح مناطق واسعة من غرب بغداد وأجزاء من كركوك وديالى.

لقد كانت الطغمة مشغولة بسرقة المال العام وفرض أسس نظام طائفي محاصصي وقح ومقيت وممارسة التمييز ضد أتباع الديانات والمذاهب المختلفة وامتهان كرامة أهل الموصل ونينوى وغرب بغداد، ونشر الفساد ليس في صفوف السلطة التنفيذية المدنية فحسب، بل وفي الأجهزة العسكرية، وفي مجلس النواب والقضاء العراقي، مما سهل مهمة قوى الإرهاب الإسلامية السياسية التكفيرية والمتطرفة والمستفيدة من أوضاع العراق المزرية اجتياحه وممارسة الإبادة الجماعية بحق أخوتنا وأخواتنا الإيزيديات والإيزيديين والمسيحيين والتركمان والشبك، وأهل الموصل الذين رفضوا الخضوع لهم والتعامل معهم .

ستة عشر عاماً وشبيبة العراق تعاني من هجرة واسعة تحرياً عن لقمة عيش كريمة، والخلاص من فراغ مميت واضطهاد شرس، ولكن جمهرة كبيرة واجهت الموت في لجج أمواج البحر الأبيض المتوسط أو في

شاحنات مبردة. شبيبة العراق مقهورة تعاني من التمييز والخذلان وامتهان الكرامة، تعاني من البطالة المريعة والحرمان، حتى اتجهت جماعات من الشبيبة صوب المخدرات أو حتى الانتحار … نتيجة الإحباط واليأس من تحسن أوضاعهم. لقد امتُهنت كرامة المرأة وصودرت حقوقها العادلة والمشروعة، حقوق الإنسان، ونشأت مكاتب لمعممين أوباش يمارسون العهر جهارا نهارا وبعلم الطغمة الحاكمة والمراجع الدينية! لقد أحرق النظام السياسي الطائفي القائم الأخضر واليابس في العراق الغني بموارده وإمكانيات شعبه وقدراته الكبيرة، لقد اختفت مئات المليارات تحت عمائم وجيوب الحكام ومن ساندهم في الحكم. وكم كان محمد صالح بحر العلوم محقاً حين قال في قصيدته “أين حقي”

يا ذئاباً فتكت بالناس آلاف القرون

اتركيني أنا والدين فما أنت وديني

أمن الله قد استحصلت صكاً في شؤوني

وكتاب الله في الجامع يشكو

أين حقي

وفتاة ما لها غير غبار الريح سترا

تخدم الحي ولا تملك من دنياها شبرا

وتود الموت كي تملك بعد الموت قبرا

وإذا الحفار فوق القبر يدعو

أين حقي

لقد فاض كأس الألم والقهر والحرمان وامتهان الكرامة والتمييز الديني والطائفي والاجتماعي، ولم يعد يحتمل فانتفضت الشبيبة المقدامة وماتزال مستمرة في انتفاضتها الرائعة، إذ ستنطلق صباح هذا اليوم الجمعة المصادف في 25/10/2019، فماذا يريد الشعب وشبيبته؟ إن الهتاف المدوي يقول: الشعب يريد إسقاط النظام، يريد التغيير الجذري، يريد إزاحة الطغمة الطائفية الفاسدة الحاكمة، يريد دولة ديمقراطية، يريد مجتمع مدني ديمقراطي، يريد دستور ديمقراطي حديث، يريد قانون انتخابات سليم وعقلاني، يريد مفوضية انتخابات مستقلة ونزيهة ومراقبة من الشعب، يريد مجلس نيابي وطني وليس فاسد في غالبيته وطائفي في سلوكه وعقيم في إجراءاته وضد الغالبية العظمى من الشعب. الشعب يريد حريته وحياته الحرة والمستقلة عن الإيديولوجيات المتخلفة والعقيمة والمذلة لكرامة الإنسان، يريد التنمية الاقتصادية والبشرية والتصنيع وتحديث الزراعة، يريد فرص عمل جديدة للشبيبة العراقية من إناث وذكور،

يريد خدمات فعلية لكل المجتمع وليس لحفنة قليلة من الحكام والمغتنين بنهب أموال الشعب، يريد دولة مستقلة وليست تابعة أو شبه مستعمرة لإيران، يريد وضع النفط وموارده في خدمة الاقتصاد والمجتمع وليس لخدمة النخب الحاكمة وأحزاب الإسلام السياسي الفاسدة. وما يريده الشعب يرفضه الحكام ويريدون بوضوح إبقاء العراق تحت هيمنتهم وحكمهم والأموال تحت تصرفهم، وأن يبقى نفوذهم الطائفي هو المؤثر في احداث البلاد. إنهم يريدون وطناً رثاً وحياة رثة للشعب ومستقبل حزين للشبيبة لا غير، يريدون شعباً خانعاً مستكيناً لإرادتهم الشريرة، تساعدهم في ذلك القوى الدينية، الشيعية منها والسنية. إنهم يريدون للعراق أن يعيش عصر القرون الوسطى، يعيش الحزن واللطم والبكاء والقبول بما بـ”قسمة الله!” له من فقر وذل واستكانة!!! ولهم كل الثروة واسعاد والهناء!! هذا ما يريده حكام خارجون على الدستور العراقي وحقوق الإنسان والشرعية الدولية، حكام يعيشون في وحل الانتهازية، ومن يخرج على ذلك، يكون الرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع والموت نصيبه!! وهذا ما فعلوه في الأسابيع الأولى من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وربما سيفعلون ذلك أيضاً في انطلاقة الانتفاضة ثانية هذا اليوم. ولكنهم خسئوا فصوت الشاعر التونسي ما زال مدوياً:

إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر

ولا بـــد لليـــل أن ينجـلي ولا بـد للقيــد أن ينــكسر

وستكسر شبيبة العراق كل القيود وكل الحواجز التي توضع في طريق حريتها وكرامتها والحياة الديمقراطية في العراق الحبيب.

لتتظافر الجهود ولتلتحم أفواج الشعب مع شبيبة العراق دفاعاً عن حريتها وكرامتها وحرية الوطن واستقلال البلاد وسيادته.

عاشت الانتفاضة وعاش المنتفضون الأحرار، ولتنتصر إرادة الشعب الحرة والديمقراطية.

في 25/10/2019

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here