بين عدالة المنتفضين وطغيان السلطة الطائفية الفاسدة!

يتصارع في العراق معسكران متناقضان، معسكر الشبيبة، ومعه الشعب بغالبيته العظمى، ومعسكر السلطة التنفيذية وأحزابها الحاكمة والمليشيات الطائفية المسلحة بمختلف مسمياتها، معسكر المطالب العادلة والمشروعة، ومعسكر الطائفية والفساد والطغيان والنهب والسلب لأموال الشعب وخزينة الدولة، معسكر النضال من أجل الحرية والديمقراطية والوطن الآمن والسلام، ومعسكر الجنوح المطلق للعنف والتصفيات الجسدية وفرض الأمر الطائفي الفاسد الواقع على الشعب. صراع بين الشعب كله، وأعداء الشعب ومن يساند الحكام الذين أصدروا الأوامر والتعليمات لقتل المنتفضين. كل هذا يتجلى في معركة اليوم، إنها معركة وطنية بين النضال العادل والحرب غير العادلة ضد الشعب وشبيبته.

بعد ستة عشر عاماً من الظلم والطغيان لقوى الإسلام السياسي الطائفية الفاسدة تفجرت في الشبيبة العراقية روح الرفض والانتفاضة الثورية على كل ما لحق بها من ظلم وقهر ودوس على الكرامة والحرمان من الحقوق، من إهانة هوية المواطنة والركض وراء الهويات الفرعية القاتلة، من سرقة الوطن والمواطن والمال العام وتجويع نسبة عالية من فئات الشعب، من رثاثة الدولة والمجتمع والمدن العراقية والسياسة والاقتصاد والبيئة. إنها الروح العراقية الحية المتوثبة والنقدية التي اشتكى منها كل المستبدين على أرض الرافدين وفي كل العصور وكل المستعمرين الأوباش الذين صادروا حرية وكرامة وقوت الشعب ومرغوا كرامته بالتراب. فثورة القرامطة وثورة الزنج والنضال ضد المستعمر العثماني والفارسي والإنجليزي لا تزال تذكرنا بأمجاد هذا الشعب الصابر والمنتفض، ثم هبَّاته ووثباته وانتفاضاته ضد الحكم الملكي وتحالفاته العسكرية، ثم نضاله المديد ضد الحكم البعثي الاستبدادي الجبان، فهل يمكن أن يسكت الآن تحت هذا الإجحاف المرعب الذي يعاني منه الشعب وتحت الحكم الطائفي الفاسد والتابع لإيران جملة وتفصيلا؟ لا يمكن أن يحصل ذلك على المدى الطويل، فستة عشر عاماً كانت مرهقة ومدمرة، وبالتالي كان الشعب مصيباً حين هتف ومن عاصمة العراق، بغداد: [الشعب يريد إسقاط النظام] و[بغداد حرة حرة، إيران برة برة]،! إنها شعارات وطنية ديمقراطية تريد استعادة الوطن المسلوب والمستباح من قوى الإسلام السياسي وميليشياتها الطائفية المسلحة المناهضة لمصالح الشعب الوطن.

لقد اتخذ الصراع الدائر في العراق نوعية جديدة: إصرار الشبيبة على التظاهر وتوسيع قاعدة المشاركين فيها بالطلبة والمعلمات والمعلمين وأساتذة الجماعات والكليات والمعاهد والمثقفات والمثقفين والعمال ووصولاً إلى الفلاحين والكثير من فئات الشعب الأخرى من جهة، وتحول السلطة من الوعود إلى التهديد والوعيد باستخدام العنف وإرهاب الدولة وميليشيات الأحزاب الحاكمة الطائفية المسلحة، والذي يمارس اليوم فعلاً، من جهة أخرى. فبعد جولة المظاهرات الأولى التي انطلقت في الأول من تشرين الأول/اكتوبر 2019، حيث سقط فيها وفق الأرقام الحكومية 149 شهيداً وستة آلاف من الجرحى والمعوقين، أطلق رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة بخطاب متلفز الوعود والعهود بتحسين الأوضاع واتخاذ الإجراءات العاجلة وتطمين المتظاهرين مبينا بأن الدولة اخطأت بحقهم ورمى بثقل المسؤولية على الحكومات السابقة، ولم يجانب الحقيقة، ولكنه نسى نفسه طبعاً!! وخلال الفترة بين الجولة الأولى من المظاهرات والجولة الثانية التي بدأت بـ 25 تشرين الأول/اكتوبر2019 لم تتخذ الحكومة أية إجراءات إصلاحية مما وعدت وتعهدت به، بل سعت الى تعزيز قواتها وإعادة من فسخ عقده من العسكريين لغرض زجهم في مواجهة التظاهرات المطالبة بالحقوق العادلة التي اعترف بعدالتها رئيس الوزراء نفسه والمرجعية الشيعية، التي يدعي الاستماع لها وتنفيذ إرادتها! وحين بدأت الجولة الثانية فقد تغيرت ثلاثة أمور صارخة، بعد أن كشف الحكم كله عن أنيابه، أنياب الذئاب المتوحشة والمفترسة، هي:

أولاً: زج المزيد من القوى المندسة لتشويه طابع المظاهرات السلمي والعادل من جانب المليشيات الطائفية المسلحة وقوى في الحشد الشعبي ومن قوى جاءت من وراء حدودنا الشرقية، حيث يستخدم العنف بأقسى صوره وإشعال الحرائق، بالرغم من معرفة الحكم بطبيعة التظاهرات السلمية والتي يجري تأكيدها باستمرار من جانب المنتفضين السلميين.

ثانياً: حصول تغير جذري في خطاب ووجهة عمل رئيس الوزراء، اذ بدأ بالتهديد والوعيد وإصدار قرارات منع التجول والقبول بسقوط المزيد من الشهداء والجرحى وعدم تنفيذ أي إجراء إصلاحي مما وعد به بعد الجولة الأولى، حتى زاد عدد الشهداء عن المئة وآلاف الجرحى والمعوقين خلال الأيام الخمسة المنصرمة.

ثالثا: القيام بتوزيع المهمات بين السلطات الثلاث والإعلام والمرجعية في مواجهة انتفاضة الشبيبة المقدامة، ومعها الشعب كله، بين الرئاسات الثلاث لامتصاص الضغط بإجراءات هامشية من جانب مجلس النواب ومطلب وحيد وأوحد من رئيس الجمهورية، تغيير قانون الانتخابات لا غير، وتصاعد التهديد من قبل فالح الفياض، مستشار الأمن الوطني العراقي ورئيس هيئة الحشد الشعبي، ورؤساء المليشيات الطائفية المسلحة من أمثال قيس الخزعلي وهادي العامري وأبو مهدي المهندس ومن لف لفهم٠ إضافة إلى بروز ملموس للقضاء على الساحة السياسية في صراع هامشي مع حيدر العبادي وليس مع الحكومة القائمة التي توجه نيرانها ضد الشعب. ألا تؤكد هذه التكتيكات السياسية المفضوحة، والسكوت الجديد للمرجعية الشيعية، ان السلطات الثلاث غير جادة بمواجهة مطالب المنتفضين العادلة وأنهم يسعون الى المماطلة والتخلي عن “كرم الوعود!” لـ “عبور الأزمة!” و”تعطيل وإنهاء الانتفاضة”، وإنها مصرة على استخدام الإرهاب في مواجهة مطالب الشعب بهدف الاستمرار في ممارسة الاستبداد والعنف في حكم البلاد وتقاسم الثروة بين أركان الحكم والأحزاب الحاكمة؟ ولكن لا بد من تأكيدنا إن الفشل سيكون نصيب هذه السياسات البائسة والبالية، وأن الشعب وشبيبته مصممان على خوض النضال حتى تحقيق التغيير الجذري المنشود للواقع المنحط الفاسد والطائفي القائم في العراق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here