حتى صدام لم يفعلها أوائل حكمه يا ”عادل“!

ساهر عريبي
[email protected]

أعلم بان النفوس المريضة ومرتزقة العصابة الحاكمة في بغداد وإعلاميوا السلطة سيكيلون لي التهم, ولكن بداية ليخسأ كل من يدّعي بأني بعثي أو أروج لنظام البعث, ولكنها الحقيقة أقولها للتاريخ. وقبل أن أسرد تلك الحقيقة لابد من التذكير من أن نظام البعث لم يرتكب مجازر اوائل حكمه, ففي عقد السبعينات, كل ما يذكر انه أعدم ما يعرف بقبضة الهدى وهو أربعة من قادة حزب الدعوة وبعض اليهود الذين اتهمهم بالعمالة, لكنه لم يتركب مجازر ضد الشعب أوائل حكمه, بل إنصبت سياساته على تصفية خصومه السياسيين داخل منظومة الحكم والحزب, وعلى تحسين الأوضاع الإقتصادية للمواطن العراقي, التي شهدت قفزة ملحوظة في تلك الفترة.

توّج النظام تصفية خصومه في واقعة قاعة الخلد الشهيرة عندما صفّى صدام حسين حال استلامه سدة الحكم من سلفه البكر, رفاق دربه ممن كان يشك في ولائهم له وومن كان لهم ثقل في الحزب والدولة امقال الحمداني ومحجوب وعايش وغيرهم. لكنه لم يرتكب مجازر ضد الشعب حينها, وحتى الذين تظاهروا ضده وعصوا اوامره في منع مسيرة الأربعين, وكما حصل أبان انتفاضة صفر في العام 1977 , فقد حاولت السلطة ثني الزوار عن اتمام مسيرهم الى كربلاء, لكنها فشلت, فلجأت الى إطلاق النار وقتل شخص واحد هو السيد محمد الميالي. وبعد انتهاء المسيرة اعتقلت العشرات وأصدرت أحكاما متفاوتة عليهم بالسجن, وأحكاما باعدام تسعة ممن وصفتهم بقادة الإنتفاضة ومنهم الشهداء أبو كلل وعجينة والبلاغي وآخرين.

كانت سياسة البعث اوائل حكمه عدم التصادم مع الجماهير, لكنه رويدا رويدا وبعد أن تلطخت أيديه بالدماء, دخل في نفق المجازر المعروفة ومنها حلبجة وقمع الإنتفاضة والإعدامات وغيرها. وبعد اعتقال الشهيد محمد باقر الصدر ووضعه تحت الإقامة الجبرية في منزله عام 1979وحتى اعدامه في نيسان من العام الذي تلاه, خرجت مسيرات يوم العاشر المعروفة بركضة طويريج ومسيرة الأربعين مشيا من النجف الى كربلاء, شارك فيها الآلاف من طلبة الجامعات من مختلف أنحاء العراق, وكنت أحدهم مع مجموعة من الزملاء من كلية الهندسة في البصرة.

انطلقت مسيرة العاشر لتجوب شوارع كربلاء مرددة هتافات ”ماكو ولي الا علي ونريد حاكم جعفري“ وكانت كربلاء مليئة برجال الأمن لكنهم لم يطلقوا النار علينا حتى دخلنا الى منطقة المخيم وهي منطقة محصورة, فكان الهتاف الخالد“عاش عاش عاش الصدر والدين لازم ينتصر“, تولى رجال الأمن إخراجنا بالقوة من المخيم ولم يقتل أي شخص, لكن رجال الأمن تولوا اعتقال كل من شخصوه فيما بعد كل في محافظته.

واما في مسيرة الأربعين فترددت ذات الهتافات حتى دخلنا حرم الإمام الحسين ومن ثم ضريح العباس , واستمرينا بترديد الشعارات المناهضة للسلطة, ولكن لم تطلق رصاصة واحدة علينا, وحينها قام أحد ضباط الأمن بسحب أحد الشباب عشوائيا من بين المتظاهرين داخل الحرم وأدخله في احد غرف التعذيب داخل الصحن, ولازلت أذكر رجل امن وجّه رشاشته نحو المتظاهرين لتخويفهم, لكنه لم يطلق النار. وبعدها اعتلى المرحوم الرادود وطن المنبر وقرأ قصيدة مطلعها“ من عگبك يا مظلوم دار الدهر بينه….چنه بدين الأكرام صرنه بسبي الظلام…دار الدهر بينه“. ثم خرجنا من الحرم مسرعين وقد عدت ليلتها الى البصرة لأعود الى الجامعة في الصباح الباكر لأحضر درس الرسم الهندس وكأن شيئا لم يكن.

هذه السياسة الصدامية في السنة الأولى من حكم صدام, تعكس حنكة في كيفية التعاطي مع الحشود وتحاشي ارتكاب مجازر علنية, فنظام البعث لم يكن يريد في ذلك الوقت تشويه سمعته داخليا ودوليا, حتى شعر بانه في خطر وحينها دخل في نفق الإجرام الذي اوصله الى مارتكبه من جرائم قل نظيرها في التاريخ.

وأما ما يحصل اليوم وفي السنة الأولى من حكم ”عادل“ عبدالمهدي, فلايصدقه عقل, ولم يتوقعه أحد من إسلامي أو من طبقة حاكمة تدعي أنها اسلامية! حتى وصل الأمر انها فاقت صدام في جريمتها في التعاطي مع المتظاهرين , مما ينذر بدخولها ذات النفق الذي دخل فيه صدام متذرعة بنظرية المؤامرة, وبانها القوى الوطنية والإسلامية وكما كان يدعي صدام ويتهم معارضيه. فعدد القتلى من المتظاهرين السلميين الذي تجاوز المئتين في اسبوع واحد, يعكس عقلية إجرامية متجردة من الإنسانية تدافع عن مصالح طبقة فاسدة من قمة رأسها وحتى أخمص قدميها.

ففي العراق هناك ألف سبب وسبب للتظاهر, بدأ من فساد الطغمة الحاكمة واستئثارها بثروات البلاد وبمناصب الدولة والمواقع الحساسة ومصادرتها لعقارات الدولة وملأ المؤسسات والسفارات بأبناءها الجهلة, وحرمانها لأصحاب الشهادات العليا من فرص العمل, وأخيرا عمالتها لهذه الدولة أو تلك. وفي ظل هذه الأسباب الموضوعية كان على الطغمة الحاكمة أن تتعاطى بحكمة مع المتظاهرين, ولكن أنى لها ذلك, وهي التي لم تدرب منتسبي الأمن على التعاطي مع الحشود, وهي التي لا سلطة لها على السلاح المنفلت وهي التي لاتملك مشروعا لإدارة البلد سوى مشروع نهب الدولة وتقاسم مقدراتها. فماكان منها إلا ان تصاب بهستيريا لتطلق النار على متظاهرين عزل بدم بارد, في اول تحد جماهيري تواجهه, بحجة الدفاع عن مكاتب الأحزاب او بعض بنايات الدولة! مسوقة لنظرية المؤامرة البائسة, وهل الأحجار أقدس من دماء البشر!

لقد تلطخت أيدي هذه الزمرة الحاكمة بدماء المواطنين في مجتمع عشائري منقسم تسوده ثقافة الثأر, وهو ما سيعمق الأزمة ويؤدي الى مزيد من سفك الدماء, والكرة اليوم بيد عقلاء السلطة إن كان فيهم رجل رشيد, بان يبادروا الى طرح حلول جدية وقبل فوات الأوان, ومنها تقديم رؤوس الفساد الى المحاكمة ممن تراكمت ملفاتهم في هيئة النزاهة وفي القضاء, تصفية مؤسسات الدولة من الفضائيين, ابعاد ابناء المسؤولين والفاسدين من الإدارات والسفارات, وإعادة العقارات المنهوبة, وتفعيل قانون من أين لك هذا, ودفع دية لذوي الشهداء وتقديم القتلة ومن اصدر الأوامر الى العدالة, وتعيين الكفاءات في المناصب الخاصة بعيدا عن المحاصصة المقيته, وأخيرا على عادل عبدالمهدي ووزيري الداخلية والدفاع ومستشار الأمن الوطني تقديم استقالاتهم.

وبغير ذلك فإن الأوضاع لن تهدأ ولن يكون أمام عبدالمهدي الذي أضاع تاريخه النضالي سوى السير على خطى صدام حسين وذلك ليس ببعيد على من أثبت أن جينات البعث لاتزال تسري في دمه!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here