في الحياة والادب ـ قصة قديمة ذات مغزى ! *

د. رضا العطار

حدث في احد الازمان عندما كانت الالهة جديدة لم تعرف لها اسماء بعد، وقف الانسان وتصدى للالهة وادعى انه هو ايضا إله.
ففحصت اللاهة ما قدمه الانسان من بينات وزنتها فوجدت ان دعواه صادقة. ولكن هذه الالهة بعد ان سلمت بدعوى الانسان، تسللت اليه في الخفاء واختلست منه هذه الالوهية. وهي تنوي ان تخفيها عنه حتى لا يهتدي بها ابدا لكنها خشيت ان يصعد الانسان اليها في السماء ويفتنصها منها.
وبينما كانت الالهة جميعها في حيرة إذ تقدم اليها اعقلها وقال: اتركوا هذه المسألة لي، فانا احلها، ثم قبض بيده على هذه الشعاعة الصغيرة المضطربة التي تحتوي على الوهية الانسان، فلما صارت في قبضة بسط كفه واذا بها قد طارت منه. وعندئذ قال : هذا حسن، لقد اخفيتها حيث لا بستطيع الانسان ان يحلم بمكانها. أجل اني اخفيتها في الانسان نفسه.

ومغزى هذه الاسطورة يدركه كل من قرأ تاريخ الصوفية من قدماء العرب، بل ايضا من شيخ الفلاسفة الجدد من امثال جيمس و برغستون.
ففي نفس كل منا شعاعة صغيرة تضطرب، هي هذه البصيرة التي ترفعنا فوق عقولنا، فنعرف منها من المواقف والمآزق الحرجة، اننا اشرف مما كنا نظن، وان فينا من السمو والعظمة ما لم يكن يخطر لنا به بال.

فهذا العقل الذي يسوقنا الى الانانية البشرية ويحضنا على التنافس والتحاسد ومغالبة الغير على ما في ايديهم، والاستزادة من العقار والتخلص من ثنايا الشح والتقتير بالمال والجاه، ينهزم احيانا امام هذه البصيرة، فترانى نضحي بانفسنا في سبيل البر والاحسان يتمتع بهما غيرنا. حين نكون نحن اشلاء او رماد. فالعقل مادي وهو يطلب الاثرة، ولكن هذه البصيرة التي اخفتها الالهة في انفسنا، كما تقول الاسطورة، تغرينا بالايثار وتدفعنا اليه، فتجيب وترتفع فوق انفسنا، فنحقق بالدفاع عن الوطن او الحرية ما نترك ثمرته لغيرنا بينما نحن لا نجني منه سوى التضحية بانفسنا، فلو كنا انانيين نقنع من الدنيا بمصلحتنا الذاتية، لما رضي واحد منا بان يضحي بنفسه.

كذلك عندما ندعو الى مذهب نبغي تحقيقه كمثل اعلى ننشده، فنشعر بعدئذ ان بصيرتنا بالحياة تتغلب على عقولنا وتسوقنا لاغراضها السامية ونحن راضون بما نلقاه من خسف ومشقة في سبيلها، وربما كانت نبرة الاديب ان بصيرته تملك عقله.
وخلاصة القول : ان في نفوسنا شعاعة صغيرة من النورعلينا ان نثبتها، لانها هي الصلة التي تربطنا بالكون وتصلنا بعنصر الحياة الشاملة لجميع الاحياء وهي البصيرة التي ترفعنا فوق العقل ىالانانية والمادية.

* مقتبس من كتاب في الحياة والادب للعلامة سلامة موسى.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here