التحولات الجارية في المجتمع العراقي ومطالب المنتفضين

كاظم حبيب

على مدى 16 عاماً شهد المجتمع العراقي تحولات كبيرة لم تبدو واضحة للبعض من السياسيين والمتابعين لتطور واقع المجتمع العراقي. فقد نشأت خلال هذه الفترة، وبدعم خارجي ملموس من الدول المجاورة، لاسيما إيران وتركيا ودول الخليج، إضافة إلى ما كرسه ممثل قوى الاحتلال الأمريكية باول بريمر، طبقة رأسمالية طفيلية جديدة اعتمدت منذ البدء وحتى الآن على نهب موارد الدولة الأولية والمالية واستنزافها ووضعها في البنوك الخارجية، إضافة إلى نهب عقارات الدولة ودورها والأراضي الزراعية من جهة، وعلى مرحلة التبادل، (التبادل والتوزيع والاستهلاك) التجارة الخارجية والداخلية مع الدول الإقليمية على نحو خاص، لاسيما إيران وتركيا، لتأمين أقصى الأرباح على حساب الاقتصاد الوطني، على حساب الصناعة والزراعة والخدمات الإنتاجية والعامة من جهة أخرى، وتوسيع وتنشيط نظام متكامل من الفساد المالي والإداري على شكل مافيات منظمة محلية وإقليمية، في الدولة والمجتمع من جهة ثالثة، وعلى طبقة عاملة جديدة مكونة من جمهرة غفيرة من العاطلين قسراً عن العمل ومهمشة عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، طبقة مغدورة من القوى الحاكمة الطائفية الفاسدة، والبعيدة كل البعد عن عملية تنمية اقتصادية وبشرية تسمح بتوفير فرص عمل وتنشيط مرحلة الإنتاج في عملية إعادة الإنتاج. وبالتالي فهو، كما يشير السيد الدكتور مظهر محمد صالح في مقال له منشور على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، إلى صراع طبقي جديد مميز بين المهيمنين على السلطات الثلاث وعلى المال والنفوذ، وعلى مجمل الحياة الاقتصادية والمالية من جهة، وبين الطبقة العاملة الجديدة العاطلة عن العمل من شبيبة البلاد القادرة على العمل والمهمشة والعابرة للأديان والطوائف أو المذاهب والقوميات. (راجع: شبكة الاقتصاديين العراقيين content/uploads/sites/2/2019/10-http://iraqieconomists.net/ar/wp)

وهذا الصراع قد وصل إلى مستوى لا يمكن الفكاك منه إلا بحصول تغيير جذري في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي القائم، تغيير في النظام السياسي الرأسمالي الطفيلي الرث القائم والمعبر عن مصالح الفئات الرثة الحاكمة في البلاد وتلك القوى التي تهيمن عليها في الخارج.

إن الشبيبة العراقية السلمية المغدورة طيلة السنوات المنصرمة والمنتفضة بوجه النظام السياسي الطائفي الفاسد، وهي مصرة على إسقاطه، وليس إجراء إصلاحات شكلية بوعود كاذبة، تتعرض اليوم في انتفاضتها المقدامة إلى مؤامرة كبيرة وتدخل سافر في الشؤون الداخلية لشعب العراق. جاء هذا التدخل

الفظ وبشكل صارخ على لسان ولي الفقيه الإيراني علي خامنئي، حين تحدث يوم الأربعاء الفائت عن مؤامرة أمريكية إسرائيلية تجري في العراق ولبنان ومنفذها هم المنتفضون!! لله يسامح يا رجل، كم أنت بغيض زمانه وشعبه وشعبنا!!! لقد أعطى هذا التصريح التشويهي والعدواني القائل بأن: “الاحتجاجات الشعبية المستمرة في العراق ولبنان، بحسب وكالة “فارس” الإيرانية للأنباء. أعمال شغب تديرها أميركا وإسرائيل وبعض دول المنطقة”، وأن مطالب الشعب يمكن أن “تتحقق ضمن الأطر القانونية لبلادهم حصراً”! وهنا يردد رئيس جمهورية العراق دون أن يتعثر لسانه أو يستحي كلام علي خامنئي الإيراني السيء بحق الشعب العراق وانتفاضته ولما يجب أن يكون عليه العراق!! (راجع: الكثير من الصحف والمواقع العراقية والعربية: خامنئي يهاجم المظاهرات في لبنان والعراق ويصفها بـ”الشغب”!!!).

لقد أعطت هذه التصريحات الإيرانية، المناهضة لانتفاضة الشبيبة العراقية العابرة للأديان والطوائف، الضوء الأخضر للنخب السياسية الطائفية الفاسدة والحاكمة التابعة للمستعمر الإيراني للتشبث بالحكم، وأوعزت لقاسم سليماني في أن يتحرك بسرعة وتصميم للتأثير المباشر، وبعيداً عن أية دبلوماسية أو احترام لسيادة العراق واستقلاله، على كل المسؤولين في العراق ابتداءً من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب، وانتهاءً ببقية الأتباع والمريدين السيئين الآخرين لرفض استقالة حكومة عادل عبد المهدي وإلى حين يتم طبخ البديل المنشود في مطبخ الأحزاب الإسلامية السياسية الطائفية الفاسدة والميليشيات المسلحة وبالتنسيق الكامل مع قاسم سليماني واستجابة لإرادة خامنئي!

إن هذه الحقيقة المرة شاخصة تماماً أمام أنظار الشبيبة المنتفضة في ساحة التحرير وفي شوارع المدن والساحات العامة في أنحاء كثيرة ومتزايدة من العراق ولن تمر، كما كانت تمر سابقاً. وقد قرأ المنتفضون بإمعان وتدقيق فائقين توجيهات خامنئي وسليماني في خطاب رئيس الجمهورية حيث بذل كل ما في جعبته من إمكانيات للضحك على ذقون المنتفضين وكسب الوقت إلى حين يتم لهم ما يريدون ويراهنون على تعب المنتفضين أو التهيئة لتوجيه ضربة قاسية للمنتفضين عبر القوات الإيرانية التي بدأت تتدفق إلى العراق. لم يكن أي منتفض يريد أن يرى رئيساً لجمهورية العراق يخضع لإرادة خامنئي وسليماني والعامري والخزعلي والمهندس وفياض ومن لف لفهم البغيض ويلقي تلك الخطبة المليئة بوعود غير

صادقة معبرة عن إرادة المتدخل الفظ في الشأن العراقي علي خامنئي ومن لف له في العراق، فهي ليست إرادة العراق ولا شبيبته أو شعبه، إنها إرادة الأجنبي الدخيل والحاقد!

كما أن خطبة المرجعية التي أكدت حق العراقيين والعراقيات على التظاهر، ولكنها لم تحدد، لمن منحتهم الثقة دوماً، سقفاً زميناً لاستمرار جرجرة الحكام وعدم استعدادهم الفعلي لأي تغيير في واقع العراق الطائفي الفاسد. أي أن المرجعية تراهن هي الأخرى على تعب المتظاهرين من خلال كرم الوعود الفارغة التي قدمها وما زال يقدمها جميع كبار المسؤولين دون أن ينفذوا ولو 1% من تلك الوعود التي لم يعد يثق بها الشعب أو يصدقها اساساً، ليست هناك ثقة بهذه الطغمة الفاسدة والطائفية!

لقد حصلت تغيرات كبيرة في المجتمع العراقي، لقد غاص الحكام في مستنقع الطائفية والفساد وتدمير الاقتصاد الوطني والإساءة الكاملة لقضيته العادلة إلى حد خيانتها، وهو ما يفترض تشخيصه والعمل على تنشيط التظاهرات الجارية وتعميم الحركة باتخاذ الإجراءات الضرورية لإعلان العصيان المدني في البلاد والذي سيسقط الطغمة الحاكمة. إنها الفرصة السانحة والوقت المناسب، فهناك تحول ملموس في موقف الكثير ممن التحق، بسبب وطنيته ودفاعه عن العراق ضد الدواعش، بالحشد الشعبي، إلى الانخراط حالياً بالانتفاضة الشبابية، وقد أدركوا النوايا الشريرة لقادة الحشد الشعبي من التشكيلات الطائفية المسلحة المرتبطة هوية وولاءً لإيران الخامنئي.

إن قوى التيار الديمقراطي العراقي، ومنها شبيبة الحزب الشيوعي العراقي، المنخرطة حالياً في الانتفاضة الشبابية والشعبية، تتحمل وأكثر من أي وقت مضى مسؤولية المساهمة الفعالة إلى جانب الشبيبة العراقية العابرة للديانات والمذاهب والمتطلعة لعراق وطني ديمقراطي مستقل وحر ومزدهر بكل ما تملك من إمكانيات تعبوية وتنظيمية لصالح الانتصار الفعلي لأهداف الانتفاضة الباسلة. إنها الفرصة السانحة لتغيير ميزان القوى لصالح الطبقات الكادحة والمغدورة والمهمشة وضد الفئات الحاكمة الفاسدة والغادرة لكل طموحات وآمال الشعب العراقي في حياة حرة وكريمة ومستقبل أفضل، إنها الكتلة التاريخية الفعلية. فلنعمل يداً بيد ومع الجميع لصالح انتصار كامل للانتفاضة الشبابية المقدامة. لنشد على أيدي المنتفضين ونهنف معاً وسوية: النصر لنا نحن الشباب وليس للفاسدين والقتلة الطغاة!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here