من مظاهرات مطلبية الى ثورة تحررية

من مظاهرات مطلبية الى ثورة تحررية

اثبتت التظاهرات و الأحتجاجات ان الشعب لم يعد بأستطاعته ان يتحمل كل هذا الفساد الواسع الأنتشار و الذي يعم كل اركان المؤسسات الحكومية وكل هذا الأهمال المتعمد او الناتج عن قلة خبرة و دراية في تقديم الخدمات و الأحتياجات الضرورية للمواطنيين و لم يعد يتحمل هذا الشعب ان يرى بلدآ تقدر ميزانيته السنوية بعشرات المليارات من الدولارات و قسم كبير من ابنائه يعيش عند خط الفقر و هم يبحثون في اكوام القمامة عن ما يمكن بيعه و الأنتفاع بثمنه في مواصلة العيش و لم يمكن للمواطنيين الصبر اكثر على هذه الطغمة الحاكمة و هي تعبث بمقدرات الدولة و تجعلها رهينة وفق رغبات و مغامرات النظام الأيراني .

خرجت الجماهير المغلوبة على امرها في مظاهرات عارمة تعبر عن ما يجول في خاطرها من المطالبة بالحقوق المكفولة دستوريآ في مجال العمل و العناية الصحية و التعليم المرموق و السكن اللأئق و غير ذلك الكثير من تلك الحقوق المهضومة و التي لم تستطع حكومات الأحزاب الدينية التي تعاقبت على الحكم من تحقيق ولو الجزء اليسير منها فأنتشرت البطالة و لم يجد الشباب و هم الفئة الأوسع في المجتمع العراقي فرصة للعمل و انحدر المستوى الصحي و شحت الأدوية و اصبحت المستشفيات العراقية خرائب متداعية و هي التي كانت في يوم ما من ارقى المنشاءآت الصحية في المنطقة و تدهور مستوى التعليم و اصبح التلاميذ و في الكثير من المدارس لا يجدون مقاعد يجلسون عليها فأفترشوا الأرض في منظر يذكر بتلك المدارس في البلدان الأفريقية الفقيرة و لم يجد المواطن العراقي مأوى ملائم للعيش و السكن فأنتشرت العشوائيات و التي هي و بحكم القانون سوف تحرم من الخدمات البلدية و الأجتماعية .

لقد ادركت الغالبية العظمى من ابناء الشعب العراقي ان تلك المصائب و الأزمات و النكبات انما كانت بسبب المليشيات المسلحة الحاكمة و زعمائها و التي تحتل ( العراق ) بالمعنى الحرفي لكلمة احتلال و تهيمن على مصدر القرار السياسي و السيادي فيه و هي تلك الميليشيات و بحكم تبعيتها للنظام الأيراني اصبحت صدى يردد ما يصدرعن القيادة الأيرانية من آراء و افكار و مواقف حتى اصبح اعداء ايران و خصومها هم ايضآ اعداء العراق و خصومه و كذلك صار حلفاء ايران و اصدقائها و على قلتهم فهم يجب ان يكونوا ايضآ اصدقاء للعراق و حلفاء و هكذا اصبح العراق بتأريخه الحضاري المجيد مجرد تابع صغير يدور في الفلك الأيراني و يسير في الأتجاه الذي تؤشره القيادة الأيرانية .

الأنتفاضة الشعبية السلمية التي ارعبت الأحزاب الدينية و ميليشياتها و كشفت عن حجمها الحقيقي الصغير و عن مدى وهن و ضعف تلك الميليشيات لكن ذلك لا يمنع تلك الأحزاب و ميليشياتها من التصدي العنيف للمتظاهرين و البطش بهم وفق الأوامر التي تصدر اليهم من ( خامنئي و سليماني ) الذين يعتبرون العراق جزءآ من املاك الأمبراطورية الأيرانية مع عدد من الدول الأخرى و لا يمكن التنازل عنه بسهولة و يسر فهذه الدولة ( العراق ) و بما يملكه من ثروات هائلة تكون ( ايران ) في حاجة ماسة لتلك الثروات اضافة الى الموقع الجغرافي المهم للعراق و هو يتوسط الموقع بين ايران و سوريا و من ثم الى لبنان حيث الحلفاء و الأصدقاء في تلك الدول .

حالة من الهلع و الفزع انتابت الأحزاب الدينية المهيمنة على المشهد العراقي فقد احست هذه الأحزاب و زعمائها ان الشعارات البراقة التي رفعتها سابقآ في خداع الجماهير قد ولى عهدها و لم تعد تنفع مع الجماهير و لم تعد تلك الحيل و اللأعيب لتنطلي على المواطنيين العراقيين الذين ذاقوا الأمرين من تصرفات هذه الأحزاب العميلة و هذه المرة كانت الخطورة الكبرى حين انبثقت هذه المظاهرات المناهضة للأحزاب و الحكومة من الجماهير ذاتها التي تعتبر القاعدة الأساسية في محافظات الوسط و الجنوب و هي من اوصل هذه الأحزاب الى سدة الحكم و هاهي الجماهير تنقلب على تلك الأحزاب و لم يعد أي من زعمائها او رموزها موضع احترام او تقديس كما كان عليه الأمر قبل اندلاع هذه الأنتفاضة و اصبح الجميع في موضع انتقاد و تقريع بما في ذلك المرجعية الدينية في النجف .

الثورة التحررية التي انطلقت في الأول من تشرين الأول و مازالت مستمرة في المطالبة في جلاء الأحزاب الدينية الحاكمة و ميليشياتها و تحرير العراق من سيطرة و هيمنة الحكومة الأيرانية من خلال و كلائها من الأحزاب الدينية العميلة لكن الأمر لن يكون بتلك السهولة و سوف تستميت تلك الأحزاب و هي المدججة بالسلاح في الدفاع عن حكمها و الأمتيازات التي حصلت عليها و لن تتنازل بشكل طوعي عن تلك المكاسب و المغانم التي استحوذت عليها في غفلة من الناس و الزمن و سوف توجه فوهات اسلحتها صوب صدور المتظاهرين السلميين العزل و هنا يجب على قادة الجيش من الضباط الوطنيين التدخل و الوقوف الى جانب الثورة و حماية الثوار و المؤسسة العسكرية العراقية هي الجهة المؤهلة الوحيدة التي يعول عليها في حماية مصالح البلاد و الدفاع عن المواطنيين و هذه المسؤولية الكبرى هي من ضمن واجبات و مهام الجيش العراقي و قادته المخلصين و في الأوقات العصيبة غالبآ ما يتصدى الرجال الأفذاذ للمهام الصعبة و هذا ما كان عليه دومآ الضباط و الجنود البواسل في الجيش العراقي فهلموا الى مشاجب السلاح ايها الشجعان .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here