المصارف الأهلية الناكلة وحملات الإصلاح

أن تتم سرقتك وأنت تمر وسط الفوضى والازدحام في شوارع علاوي الحلة أو الباب الشرقي أو في أي سوق فالقضية متوقعة لان ( النكرية ) ينتشرون بغض النظر عن المكان ، أما أن تسرق من قيل مصرف أهلي أجازه البنك المركزي العراقي فالقضية تحتاج إلى أكثر من سؤال ، و مصرف الوركاء للاستثمار والتمويل تأسس عام 1999 وحين التأسيس تمت صياغة أهدافه للمساهمة الفاعلة في مجال التنمية الاقتصادية للبلد على وفق أحكام قانون البنك المركزي العراقي وتعليماته وقانون الشركات و القوانين المرعية الأخرى ، وكان لهذا المصرف شهرته وسمعته ولديه عدد كبير من الفروع في بغداد و المحافظات فضلا عن المكاتب المتخصصة ألأخرى، منها مكاتب الوساطة لبيع وشراء الأسهم المالية ومكتب الصيرفة للعملات الأجنبية ، كما كان للمصرف تعاملا كبيرا مع جميع القطاعات ( الحكومي ، المختلط ، الخاص ) ، وقد بلغت موجودات المصرف 694 مليار دينار ورأسماله 105 مليار دينار في عام 2010 ، وفي الوقت الذي توقع البعض إن يتحول مصرف الوركاء لمنافسة المصارف الحكومية داخل العراق أو أن يكون بمستوى المصارف الأهلية الإقليمية والدولية ويعول عليه في إحداث التطور المنشود في القطاع المصرفي ، فقد شهد المصرف سقوطا اقل ما يقال عنه بأنه سقوط دراماتيكي وغير متوقع ويخالف كل الآراء ومؤشرات التنمية والارتفاع المتزايد في مستويات أداءه ، فبين ليلة وضحاها أصبح المصرف معسرا وغير قادر على تلبية مسحوبات العملاء ولا يقدم الخدمات والتسهيلات المصرفية لهم تحت ذريعة انه يعاني من أزمة إدارية ، وبدلا من اتخاذ إدارة المصرف إجراءات لضمان حقوق المودعين والمستثمرين من خلال الاقتراض أو الاندماج أو غيرها من المعالجات ، فإنها خذلت العدد الكبير من المتعاملين مع فروع المصارف في بغداد والمحافظات وخارج العراق عند اختفاء الإدارة وعدم الظهور أو التصريح وطمأنة المودعين على سلامة إيداعاتهم ، بل إنها راحت تغلق أو تعلق عمل معظم الفروع والاكتفاء بتشغيل مقر المصرف في عرصات الهندية الذي تحول إلى مكان للوعود الكاذبة والتهرب من الجمهور ولا يسمح لعملاء المصرف بدخوله قط حيث يتم إبلاغهم بوجوب مراجعة فرعه الوحيد في منطقة ( الغدير ) ويعمل فيه عاملين لا يمتلكون أية إجابات او صلاحيات .

ومنذ سنة 2010 ولغاية اليوم لم يقبض المودعون سوى وعودا غير صحيحة لان أموالهم لم تعاد لهم وكل ما تم الهاء البعض فيه هو توزيع دفعات نقدية بكميات ( مهينة ) للإيداعات التي تقل عن 10 ملايين دينار وبطريقة انتقائية وبيروقراطية ، وكان من المفروض إدانتها ومحاسبة المقصرين من قبل الجهة المشرفة على القطاع المصرفي الأهلي في البلاد ، لان تعطيل إرجاع المبالغ المودعة بالدينار أو الدولار من قبل مصرف يخضع لسلطة البنك المركزي العراقي هو خرق ظاهر وواضح للدستور الذي نص في مواد عديدة على وجوب المحافظة على الملكية الخاصة للمواطن كما انه تصرف يناقض معايير الصدق والشفافية ، ولم تخلو تلك السنوات المملة من عمر التعامل مع المصرف من ترويج أخبار وردية أو بألوان أخرى ليس للمودعين علاقة بها كوضع الوصايا ورفعها والخضوع للتحكيم المحلي ثم اجتياز التحكيم الدولي ، فما فائدة تلك الأخبار وأموال المودعين تتبخر خلال هذه السنوات بسبب ارتفاع معدلات التضخم في الأسعار وانخفاض معدلات الفائدة بعد أن وضع المصرف في التصنيف D ثم تحول إلى التصنيف Cبخصوص الفوائد والتعامل المصرفي ، قد يقول البعض إن الوركاء ليس هو المصرف الأهلي الوحيد الذي خذل العملاء إذ إن هناك مصارف أهلية أخرى فعلت الشيء نفسه مع الجمهور ولم يحرك البنك المركزي ساكنا بشأنهم ، ولهم نقول إن المصرف يتبادل الاتهام مع المركزي العراقي بخصوص إطلاق الأموال لجمهور المصرف مما يجعلهم في حالة عسر رغم أنهم يمتلكون الأموال الغائبة بين الوركاء والمركزي ، وهو ليس فسادا وإنما عين الفساد لان الفساد يتعلق بأموال من الصعوبة الكشف عن مصادرها وسراقها في حين إن أموال الوركاء موجودة وغير منكرة وموثقة رسميا وكل ما تحتاج إليه هو قرار بإعادتها ، ، ونضيف إلى ذلك إلى إن مصرف الوركاء ( المدلل ) حكوميا لأسباب لا نعرفها بعد قد خضع إلى رعاية وحنان البنك المركزي العراقي إذ تم السماح له بدخول مزاد الدولار يوميا منذ أكثر من عام ، وله تعاملات مصرفية مع مزاد بيع العملة يوميا حسب مما تشير إليه النشرات اليومية للبنك المركزي العراقي ، كما أجاز له تمديد عمل مجلس الإدارة وتحويل إيداعات الجمهور إلى أسهم وبشكل يثير العديد من علامات التعجب والاستغراب .

السؤال الذي يحتاج إلى إجابة واضحة والتي لم تفهم إسرارها بعد والذي يجب أن يجيب عنه البنك المركزي العراقي واللجان المختصة في مجلس النواب وهيئة النزاهة وغيرها من الجهات المعنية بالموضوع ، لمن تذهب ملايين أو مليارات الدولارات التي يتعامل بها مصرف الوركاء عندما يشتري الدولار يوميا من المركزي وهو ليست له تعاملات مع المودعين والساحبين ، كما إن القضاء مطالب بان يساءل الجهات المعنية لماذا لا تعاد أموال المودعين في مصرف الوركاء وهم من المواطنين العراقيين ، مادامت للوركاء الملاءة المالية للتعامل اليومي مع البنك المركزي، ويحق للمودعين أن يسالوا من هي الجهة التي يمكن أن يلجأوا إليها لإعادة حقوقهم المشروعة بعد أن طرقوا كل الأبواب ومنها التظاهرات دون تحقيق مطلبهم وهو إعادة أموالهم فحسب ، وفي ذلك لا نريد تبريرات بل أفعال تعيد الأموال التي مضى على حجزها العديد من السنوات فالمصرف هو المسؤول المباشر عن حل مشاكله وإعادة أموال المودعين من خلال تصفيته أو بيع موجوداته أو الاقتراض أو الاندماج أو قسمة الغرماء أو بأية طريقة تعيد الحقوق دون مماطلة وإطالة للانتظار ، فالمودعون ليسوا شركاء في المصرف لكي ينتظروا كل هذه السنوات ، وإنما أصحاب أموال مودعة ومن واجب المصرف والجهات الحكومية المعنية إرغامه على إعادة أموالهم على الفور وإلا ستبقى هذه الأسئلة تطرح كل يوم فمن المؤكد إن المصرف ناكل من الناحية القانونية في إعادة أموال العراقيين ، ومعالجة هكذا موضوع مهم ومن متطلبات حملات الإصلاح التي باشرت بها الحكومة ومجلس النواب ، لأن المتضرر هو المواطن الذي ينتظر الحلول منذ عشر سنوات والمستفيد هي إدارة المصرف الطليقة حاليا دون حساب او عتاب .

باسل عباس خضير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here