حماية الأرواح لها الأولوية

مرتضى عبد الحميد

ثلاث نقاط جوهرية، بل مصيرية، اكدت عليها رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق جنين هينيس بلاسخارت في كل لقاءاتها مع الرئاسات الثلاث، وقادة الكتل السياسية المتشبثين بالسلطة تشبث الضباع بالفريسة، واولها ان حماية الارواح لها الأولوية، الى جانب الحق في التعبير عن الرأي والمطالب المشروعة عبر التظاهر السلمي وتجنيب البلاد الوقوع في المخاطر. ودعت أيضا الى الغاء اللجان والمكاتب الاقتصادية للأحزاب لانها بؤرة الفساد، والعنوان الأبرز في مسيرة النهب المنظم للمال العام، وترسيخ الدولة العميقة.

كما أعربت عن قلقها العميق إزاء محاولة كيانات مسلحة عرقلة استقرار العراق ووحدته والنيل من حق الناس في التجمع السلمي ومطالبهم المشروعة، مؤكدة مرة أخرى ان أرواح البشر يجب ان تحتل المقام الأول دائماً، ولا يمكن التسامح مع الكيانات المسلحة التي تخرب التظاهرات السلمية وتقوض مصداقية الحكومة وقدرتها على التصرف.

عندما تقارن هذا الموقف النبيل والمسؤول بما قامت به الحكومة وأجهزتها القمعية خاصة القناصين المعروفين جيداً لها، واستخدام الرصاص الحي والقنابل الغازية التي اكدت منظمة العفو الدولية انها تزن عشرة اضعاف القنابل المسيلة للدموع التقليدية، وهي تخترق الجماجم لتقتل المتظاهرين بدلا من ان تفرقهم، يأخذك العجب من هؤلاء الحكام الذين رفعوا كما يبدو شعار (حماية الكراسي لها الأولوية). الذي يعكس الحقد الاعمى المتكلس في النفوس والعقول والاستعداد للتضحية بشعب كامل للحفاظ على مصالحهم الانانية وامتيازاتهم الخرافية.

ان الانتفاضة الباسلة للشعب العراقي ضد الفساد واللصوصية وعدم الكفاءة والخسة في التعامل مع المنتفضين وسقوط هذا العدد الهائل من الشهداء والجرحى، لن ينقذ الاقطاعيات السياسية من المصير المحتوم، حتى ان استطاعت الالتفاف على مطالبهم،

وابطاء حركة التاريخ لفترة قصيرة. فالمارد العراقي انطلق بكل جبروته، رافعا لواء الوطنية مطالبا باستعادة الوطن الذي سرقوه، ووجه ضربة قاصمة للطائفية السياسية والمحاصصة التي استغلها المتنفذون ردحا طويلا من الزمن، دون ان يدركوا التغيير الجذري الذي حصل في الوعي الاجتماعي للعراقيين وضرورة تغيير المعادلة السياسية البائسة والقائمة الآن، التي يحرصون على تأييدها.

اما الافتراء بانها اعمال شغب ومؤامرة تقف وراءها أمريكا وإسرائيل والسعودية، رغم علمهم بأن جًل القائمين بهذه الانتفاضة البطلة هم من جيل ما بعد صدام حسين، فهو لا يعكس سوى الخوف من قانون الدومينو وسقوط احجارها بالتالي، لأن نجاح الانتفاضة في العراق سيحفز ثورية الشعوب المجاورة وغير المجاورة للحدود وحذو الشباب العراقي واسقاط كل الأنظمة الرجعية والطوطمية في المنطقة وخارجها، وها ان ارهاصاتها قد انعكست وبشكل سريع في لبنان وغيره من البلدان.

في اللقاء الذي جمع صدام حسين مع القائم باعمال السفارة الامريكية في بغداد قبل غزو الكويت، قال متباهياً (هل تستطيع الولايات المتحدة تقديم عشرة آلاف شهيد في معركة واحدة؟ نحن قدمنا خمسين الف شهيد في معركة تحرير الفاو)!

فهل تريدون منافسة صدام في هذا السجل الاجرامي، بحيث استشهد اكثر من 250 شاباً وجرح اكثر من 11 الف آخرين في حصيلة لم تنته بعد؟

ثوبوا الى رشدكم، ان كان ثمة رشد لديكم، وقدموا التنازلات لشعبكم، واولها رحيل هذه الحكومة الفاشلة واستبدالها بحكومة لا ينقصها الشرف ولا الكرامة، وقادرة على إرضاء المتظاهرين، لا بإجراءات ترقيعية كما يحاول البعض هذه الأيام، وانما بإنجازات حقيقية ملموسة، تعيد الحق الى نصابه، والوطن الى أبنائه!

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here