الدين والدولة، ح 5 *

د. رضا العطار

الفكر العربي الليبرالي المعاصر بمطالبته فصل الدين عن الدولة، يريد الابقاء على الانسان. واما اشكالية فصل او وصل الدين بالدولة لم تكن مشكلة متأصلة في الفكر العربي الكلاسيكي بقدر تأصلها في الفكر العربي المعاصر. ولعل هذا يعود الى ارتباط هذه المشكلة بالمشروع النهضوي الذي بدأ في القرن التاسع عشر – عندما اصطدم العرب بغيرهم نتيجة الغزوات المتتالية من المغول والتتار والصليبيين وانتهاء بالعصر الاوربي الحديث – – فوجدنا انفسنا نُغزى من قبل حملة نابليون، من قبل قوة متقدمة علينا – فرجعنا الى ذواتنا نستبطن تاريخنا ونستقرئ حاضرنا كما نفعل اليوم.

يعتقد بعض العرب المعاصرين ان هناك زيفا في ثنائية الدين والدولة في الفكر العربي المعاصر وهذا الزيف يكمن في تمسك كل طرف بما تعطيه مرجعيته، معتبرا اياه الحقيقة الوحيد الخالدة في حين ان شروط النهضة ليست واحدة بل هي متعددة ومتشابكة وتتغير بحسب الظروف والعصور – – ويرى هؤلاء المفكرون ان التخلص من هذا الزيف في الفصل بين مشكل العلاقة بين الدين والدولة ومشكل النهضة والتقدم. – وان مسألة العلاقة بين الدين والدولة ليست قومية وانما قطرية. وانها يجب ان تعالج على ضوء المعطيات الواقعية الخاصة في كل قطر عربي على حدة.

ومن جهة اخرى فان معظم الذين نادوا بفصل او وصل الدين بالدولة لم يكونوا مدركين الفرق بين طبيعة السلطة في الدولة الدينية وطبيعة السلطة في الدولة المدنية – وكان معظم الذين نادوا بوصل الدين بالدوالة انما يفعلون ذلك من اجل احلال الدين وبيان قدسيته وتعظيم شأنه. وان من نادوا بفصل الدين عن الدولة كانوا في معظمهم من الذين عظموا من شأن الدولة وآمنوا بقدرتها على سن القوانين والشرائع اللازمة لتسيير الحياة اللائقة للمجتمعات الانسانية.

ولا بد لنا هنا ان نعلم ما هي طبيعة السلطة في الدولة الدينية وطبيعة السلطة في الدولة المدنية عبر النقاط التالية :
1 – المشرع الاول في السلطة الدينية هو الله. بينما المشرع الاول في السلطة المدنية هو الانسان.
2 – الحاكمية هنا لله بينما تكون الحاكمية هناك للجمهور.
3 – الحاكم هنا هو امام الدين ورجل السياسة (كما في ايران اليوم) بينما هناك الحاكم هو رجل الدولة ولا دخل له بالدين.
4 – ميزة الحاكم هنا مدى تعلقه بالدين وتطبيقه لاحكامه، بينما ميزة الحاكم هناك مدى علمه وقدرته وتجاربه على ادارة شؤون الدولة.
5 – لعلماء الدين وحدهم سلطة عزل الحاكم، (كما كان يحدث في الدولة العثمانية) بينما في السلطة المدنية يكون الحق في عزل الحاكم ممثلي الشعب في البرلمان.
6 – يمثل القرآن التشريع الاساسي الذي يجب على السلطة الدينية اتباعه دون تغيير. بينما تستقي السلطة المدنية قوانينها من القرآن والدساتير العالمية الحديثة.
7 – هنا من المحبب ان تقوم السلطة الدينية برضا الله بينما هناك من الواجب على السلطة الدنيوية ارضاء الشعب.
8 – السلطة الدينية دائمة بينما الدنيوية متغيرة ومتداولة.
9 – لا يسمح بوجود معارضة الى جانب السلطة الدينية بينما في السلطة المدنية تكون المعارضة بمثابة ظل السلطة.
10 – يسمح بسن التشريعات شريطة عدم مخالفتها للدين وقواعده الثابتة. بينما في الثانية يسمح بسن التشريعات وتغيير الدستور حسب حاجة الشعب.

كانت هناك علاقة ومناجاة ابدية بين الدين والدولة او بين ثوابت الدين وثوابت السياسة او بين المقدس والمدنس – – تارة تكون هذه العلاقة تضادية وتارة تكون توافقية – تارة تكون مساندة وتارة مغايرة – وذلك حسب ظروف السياسة والدين وحاجة كل من المتغير والثابت لبعضهما بعضا.

ان السياسة لا تفيد الدين بقدر ما تعود بالخير العميم على رجال الدين انفسهم. ومن هنا فقد قال الشيخ شلتوت، شيخ الازهر بعد ان تم دفع اربعين مليون دولار امريكي للازهر من الملك فيصل آل سعود في العام 1971 لمحاربة الشيوعية والمبادئ الهدامة، وعلى اثرها صرح الازهر :
( من يقول بفصل الدين عن السياسة، لا يفهم في الدين ولا يفهم في السياسة ).

ان الاسلام دين ودنيا – فقد اخضع الدولة للشريعة والشريعة بحد ذاتها تنظيم للمجتمع والدولة. وهدف الاسلام انشاء مجتمع امثل، فالمدينة الفاضلة مطلب الاسلام كما كانت مآرب الفلاسفة في القدم. وانا مؤيد لانشاء دولة اسلامية تقوم على القيم التي تحلّى بها نبينا الكريم (ص) – انا اذن مع دولة اسلامية اتخذت الرحمة والصفح والقيم الابية طريقا منيرا يهتدي بها الانسان باتجاه الحياة الفاضلة.

* مقتبس من كتاب الفكر العربي في القرن العشرين، ج 3 ، لمؤلفه د. شاكر النابلسي.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here