الثورة “العفوية”..!!..

د. اكرم هواس

هل يمكن ان تكون هناك ثورة عفوية … أو بشكل ادق… هل يمكن ان تلتقي “الثورة” و ” العفوية” في تركيبة فاعلة تهدف الى تغيير عقلاني..؟؟..

لا اريد ان اعود الى مجموعة مقالات (اكثر من 5) كتبتها عن الثورات العربية في بداية 2012… كما لا اريد العودة الى انتقادات لينين لمفهوم”الثورة العفوية” و لكن يبدو انه بعيدا عن المصطلحات الشعبوية مثل المؤامرة و الخطط الأجنبية و التدخلات الإمبريالية و المندسين و الخططالجهنمية و غيرها… فاننا نواجه مشكلة معرفية في الجمع بين قيمتي ” الثورة” و “العفوية”.. لان “الثورة العفوية” ستبدو كأنها رد فعل غيرإرادي و سلوك غير عقلاني و فعل غير حضاري و لا يمت الى المدنية بشيء .. لانه وفق نظريات التطور الاجتماعي و الدراسات الانثروبولوجيةفانه من المفروض ان البشرية تكون قد تجاوزت مراحل العقلانية البدائية التي كانت تحدد نوع رد الفعل لدى الأفراد و المجتمعات حينما تفاجأبأحداث غير “متوقعة”… اما ان يتفاعل مع تراكم تاريخي طويل للظلم و الاضطهاد فلابد ان يكون عقلانيا و يتمتع بحس إرادي يعبر عن قيمةحضارية و مستوى كبير من الوعي بالواقع و ضرورات الحفاظ على البنى المجتمعية ..

ربما يمكننا ان نفترض ان مرد هيمنة فكرة “الثورة العفوية” في الإعلام و في تأويل اغلب المثقفين و السياسيين لظاهرة الانتفاضات الكبرىفي العالم الثالث و خاصة في الشرق الأوسط لا تخرج كثيرا عن الفعل الببغائي عن ترديد ما تنتجه الثقافة الغربية دون دراسة اللحظةالتاريخية و التجربة التاريخية في توظيف هذه المصطلحات في الواقع الغربي و خاصة الاوروبي…

بعد انتقادات لينين في أوائل القرن الماضي عاد مفهوم “الثورة العفوية” لتظهر في ادبيات اليسار الاوروبي فيما يتعلق بالحركة الطلابية فيأواخر الستينات من القرن الماضي و كذلك في ادبيات القوى الليبرالية في وصف الاحتجاجات و الانتفاضات التي شهدتها اوروبا الشرقيةفي چيكوسلوڤاكيا و پولندا في خمسينات القرن الماضي و غيرها قبل ان تنتقل الى ألمانيا الشرقية فيما في السبعينات و انتهاء بالتسعيناتحيث سقطت اخر قلاع حقبة الأنظمة الاشتراكية أو رأسمالية الدولة بقيادة الاتحاد السوفيتي ..

بالنسبة الى الحركة الطلابية فان هدف اليسار في اعادة انتاج مفهوم “لثورة العفوية” كان يرتكز الى محاولة حماية الحركة الطلابية من قمعالنظم السياسية و بالتالي توفير فرص النجاح لها في احداث تغييرات جوهرية في البنى الاجتماعية-السياسية بعيدا عن هيمنة الأفكارالماركسية الكلاسيكية و دكتاتورية الرأي الواحد و التجربة الستالينية… فالقوى اليسارية و الشيوعية الأوروبية قد تأثرت بافكار جرامتشي وغيره من المفكرين و بدأت التوجه نحو منظومة فكرية اجتماعية-سياسية مبنية على أساس حرية الفرد و مسؤولية الدولة في مجتمع تعددييوفر الرفاه للجميع…

و على هذا الأساس ايضا فان مفهوم “الثورة العفوية” عند الليبراليين كان ايضا الى يهدف ابعاد الحركات الاحتجاجية في اوروبا الشرقيةعن كلاسيكيات الصراع الامريكي/السوفيتي او الراسمالي/الاشتراكي …

و يبدو ان كلا المحاولتين قد نجحتا الى حد كبير لكن باختلافات واضحة في مستوى التغيير في الواقع السياسي- الاجتماعي..

بينما حققت الحركة الطلابية في تغيير المعادلة التاريخية في العلاقة بين الدولة و المجتمع في اوروبا الغربية … فان الثورات الليبرالية لم تحققالكثير في اغلب مجتمعات اوروبا الشرقية حيث ظلت حبيسة الفقر و الفوضى الاجتماعية و عودة الدكتاتورية تحت مسميات اخرى ..

لكن الملاحظة المهمة في اطار دراسة مفهوم “الثورة العفوية” هي انه رغم ان التاثير السوفيتي و الكلاسيكية الماركسية كان محدودا فيالحركة الطلابية في اوروبا الغربية … فان عملية إسقاط النظم الاشتراكية كانت هدفا واضحا للقوى الغربية خاصة الولايات المتحدة عنطريق اليات خلق التشظي الاجتماعي و صناعة البؤر الغاضبة في المجتمعات الاشتراكية…

و ربما … ضمن أسباب بنيوية اخرى… فان محدودية تأثير الفكر الاحادي في الحركة الطلابية و توسع التاثير الغربي (خاصة الامريكي) في الاحتجاجات في اوروبا الشرقية قد أديا الى محصلتين مختلفتين في مدى التغيير في غرب أوربا و شرقها كما ذكرنا آنفًا ..

كيف يمكن وضع معادلة لفهم الثورات في الشرق الأوسط و هل هي عفوية فعلًا ان ماذا سنناقشها في المقالة التالية… حبي للجميع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here