أيها الحكام السفهاء كفاكم تسويفا وضحكاً على ذقون أتباعكم!

كاظم حبيب

بتاريخ 19/11/2019 اجتمعت النخب الفاسدة الحاكمة المتمثلة بالأحزاب الإسلامية السياسية وقادة الميليشيات الطائفية المسلحة في بيت واحدٍ من كبار الفاسدين والانتهازيين والطائفيين بامتياز ورئيس حزب تيار الحكمة، عمار الحكيم، ومن التابعين المخلصين لولاية الفقيه والمرشد الإيراني والدكتاتور علي خامني ووكيله في العراق الجنرال قاسم سليماني، وصدر عن هذا الاجتماع البائس قرار هزيل وسفيه يدعو إلى منح الحكومة 45 يومياً للقيام بالإصلاحات التي يريدها المجتمعون، والتي تعني بدقة متناهية استمرار بقاء النظام السياسي الطائفي والنخبة الطائفية الفاسدة في الحكم والاستفادة من الوقت لتفويت الفرصة على المتظاهرين في تحقيق التغيير الجذري المنشود وكنس النظام المشوه وممثليه والسادرين في غيهم وجورهم ضد الشعب، وهم المسؤولون عن قتل أكثر من 320 متظاهر، على وفق ما جاء في التقارير الرسمية، إضافة إلى جرح وتعويق أكثر من 16 ألف متظاهر ومتظاهرة واعتقال الآلاف واختطاف المئات منهم.

إن صدور مثل هذا القرا التافه والهزيل وعن قوى وأحزاب مسؤولة عما جرى ويجري ف البلاد من مفاسد وموبقات سياسية وأخلاقية واجتماعية، يعبر في واقع الحال عن:

1) أزمة خانقة يعيشها الدولة الهامشية والنظام السياسي الطائفي الفاسد برمته، كما تعيش معه بذات الأزمة المتفاقمة الأحزاب والقوى السياسية الحاكمة كافة، وهي التي نهبت وفرطت بأموال العراق التي قدرت خلال الفترة المنصرمة بألف مليار دولار أمريكي وعاشت على السحت الحرام وعلى خراب اقتصاده وفساد شامل في الدولة بسلطاتها الثلاث والمجتمع.

2) عجزها هذه النخب الحاكمة عن الاستمرار في الحكم موضوعياً، ورفضها التنازل عنه وعن الامتيازات التي تتمتع بها منذ 16 عاماً ذاتياً، وبالتالي فهي محشورة في زاوية ضيقة يزداد ضيقها يوماً بعد آخر.

3) ومن اجل خروجها من الزاوية الضيقة التي حشرت فيها، استخدمت منذ انطلاق الانتفاضة ولا تزال تستخدم حتى الآن أبشع أساليب العنف والقتل المباشر والمتعمد للمتظاهرين الرافضين لها ولوجودها في الحكم. وهي تنسى بأن العنف لم يعد سبيلاً لمعالجة الأزمة المتفاقمة التي تشد بخناقها على النظام، بل الاستجابة لمطالب قوى الانتفاضة.

4) وإذ هي تخشى من عواقب انتزاع السلطة دستوريا منها لما يمكن أن يحصل لها من حساب قضائي عسير وعادل، يدفعها الدخيل والمحتل الإيراني على البقاء في السلطة ويُنشط أتباعه في الميليشيات الطائفية المسلحة، ومنها ميليشيا الخراساني وبدر وعصائب أهل الباطل وغيرها لمزيد من القتل والاختطاف والتعذيب ومحاولة فرض التخلي عن الانتفاضة كما حصل مع السيدة الفاضلة مريم محمد بعد اعتقالها من قبل “جهة حكومية رسمية وغير رسمية مجهولة!”.

إن هذه الوثيقة الهزيلة، التي وقَّعت عليها الأحزاب والقوى المجتمعة، تهدف بشكل صارخ إلى التسويف وكسب الوقت والضحك على ذقون الناس، لن تمر على العراقيات والعراقيين المنتفضين المفتحين باللبن، مثل هذه الأساليب البالية كما يقول المثل الشعبي، فأعلن المتظاهرون النشامى بوعي ومسؤولية عالية عن رفضهم الكامل لهذه الوثيقة البائسة التي خطها لهم الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وطالبوا بإقالة رئيس الوزراء والحكومة كلها فوراً، دون قيد أو شرط، وتشكيل

حكومة وطنية مستقلة تبدأ مباشرة بإجراء تغييرات جذرية في واقع العراق الراهن، وعلى وفق ما ورد في أهداف المتظاهرين، وأنهم سوف لن يعودوا إلى ديارهم قبل أن يرحل هؤلاء مطايا الحكم الإيراني أو أي متدخل أخر في شؤون العراق الداخلية وسياساته الخارجية. وقد أحرق المنتفضون هذه الوثيقة البائسة التي تعتبر لطخة عار في جبين من وقع عليها!

إن الوضع العام يتبلور وينضج صوب إعلان العصيان المدني من جانب الشارع العراقي والمدارس والكليات والجامعات والمعاهد ودوائر الدولة، إنه العلاج الشافي لإسقاط الحكومة العراقية الإرهابية الخارجة عن دستور وقوانين البلاد بامتياز بعد أن تصدت لمظاهرات وإضرابات واحتجاجات سلمية بالعنف المفرط وقتلت الكثير جداً من بنات وأبناء شعبنا المستباح بها وبالدخيل الخارجي.

إن ساحة التحرير في بغداد قادرة على رؤية وتشخيص وجهة تطور الأوضاع والمزاج الثوري المتصاعد لفئات المجتمع والقدرة الفعلية على إعلان العصيان المدني الذي يشل دفعة واحدة الدولة والحكومة بالكامل، باعتباره العلاج الشافي لإسقاط هذه الحكومة الباغية ورئيسها الراكع للأجنبي.

ويبدو لي إن أبرز مكاسب هذه الانتفاضة الشعبية العملاقة تتجلى في النقاط المهمة التالية:

1. التخلص الروحي والنفسي من أدران السنوات المنصرمة التي تكرست في الدولة وفي المجتمع عبر خمسة عقود من هيمنة الدكتاتوريات القومية الشوفينية والطائفية السياسية والتمييز الديني والمذهبي والقومي والحروب والحصار والفكر الغيبي التخديري، وهي التي داست على كرامة الإنسان وقيمه الإنسانية وسرقت بدون حياء حقوقه وحرياته وحياته.

2. نشوء وحدة وطنية خلاقة ومبدعة تتجلى في صفوف المتظاهرين والمتظاهرات من أتباع مختلف الديانات والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية العقلانية المتطلعة للتغيير.

3. المشاركة الفاعلة والمنعشة للمرأة العراقية، التي خلعت بجرأة فائقة وبوعي ومسؤولية عالية عن كاهلها المثقل بالتقاليد والعادات البالية والدولة الذكورية والمدمرة لوحدة المجتمع والتقليص الحقيقي لدور المرأة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعامة، مع الرجل في مواجهة النظام السياسي الطائفي الفاسد والخانع للأجنبي ورفعت راية النضال عالياً لتحقيق التغيير الجذري المنشود في أوضاع العراق الراهنة والمطالبة باستعادة الوطن المستباح والمسلوب! إنها انتفاضة فكرية وسياسية ونفسية للمرأة العراقية مع أخيرها الرجل، وهي الظاهرة الأكثر أهمية في حركة المجتمع الجارية لإسقاط الحكومة الدموية لعادل عبد المهدي والطغمة الحاكمة.

4. حررت هذه الانتفاضة الشبابية نسبة عالية من شبيبة العراق وفئات واسعة من الشعب من الفكر الظلامي السائد لتنطلق في رحاب الفكر الحر والديمقراطي الإنساني المسؤول عن بناء الدولة العراقية الحديثة والمجتمع المدني الديمقراطي، حيث تكون السلطات الثلاث بيد الشعب وممثليه الحقيقيين الذين ينتخبون على وفق دستور ديمقراطي علماني وقانون انتخابات ديمقراطي عادل وحديث، وبناء مجتمع مدني ديمقراطي يعي أهدافه ومصالحه وينفذ إرادته الحرة ويحمي استقلال وسيادة البلاد.

5. والانتفاضة الجارية تسعى إلى إعادة النظر الكاملة لا بالقوانين المناهضة للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات وأتباع الديانات والمذاهب والعدالة الاجتماعية التي وضعت خلال العقود الخمسة المنصرمة وتسويق الفساد فحسب، بل ويعمل من أجل رفض التدخل في الشؤون الداخلية، وتعزيز الحريات الديمقراطية

وحقوق الإنسان وحقوق القوميات وتكريس النظام الفيدرالي، وإعادة النظر بأسس العلاقات الخارجية للعراق، سواء أكانت مع دول الجوار والمنطقة، أم مع المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي، والاحترام والمنفعة المتبادلتين والأمن والسلام على الصعيد العالمي.

6. إن في مقدور الانتفاضة وواجبها أن تفتح الأبواب مشرعة أمام عملية تنمية اقتصادية والاجتماعية مستدامة وعقلانية، لاسيما التوجه صوب التصنيع وتحديث الزراعية وحماية البيئة في آن واحد، والاستفادة القصوى من الثروة الوطنية في تطوير الاقتصاد والمجتمع وتوفير أقصى ما يمكن من فرص العمل في القطاعات الإنتاجية والخدمية للشبيبة وإغناء الثروة الاجتماعية وممارسة العدالة في توزيع وإعادة توزيع واستخدام الدخل القومي.

من المفيد والضروري جداً أن ينهض المنتفضون بمهمة جوهرية، بجوار التظاهر اليومي والتعبئة المستمرة لفئات المجتمع العراقي للتغيير، هي الإقدام على تشكل لجان اختصاص من الكفاءات العراقية المتوفرة في مؤسسات الدولة والجامعات والكليات ومن ذوي الخبرات المهمة في مختلف المجالات وممن هم خارج الخدمة لأي سبب كان، والمقترحات المقدمة من عدد غير قليل من الكتاب والمهتمين، لوضع مسودات لعدد من المسائل الجوهرية التي يمكن تقديمها للحكومة المؤقتة التي ستشكل قطعاً بعد إقالة هذه الحكومة الدموية، لتستفيد منها في وضع المقترحات التي تقدم لإقرارها لاحقاً، لاسيما قانون الانتخابات، وقانون المفوضية المستقلة للانتخابات، وقانون الأحزاب، وقانون منظمات المجتمع المدني، وقانون الإعلام والصحافة، وقانون مجلس الخدمة المدنية … الخ. إضافة إلى وضع تعديلات أساسية للدستور التي تزيل عنه طابع حمال أوجه أو التناقضات في مواده وفقراته ومنع تأسيس أحزاب على أساس ديني أو طائفي…الخ.

لنعمل جميعاً من أجل انتصار الانتفاضة والتحول صوب الدولة الديمقراطية والمجتمع المدني الديمقراطي، وليس إلى دولة مستبدة ودكتاتور جديد، كما يتوقع البعض ممن يشكك بهذه الانتفاضة وأهدافها والقوى الفاعلة فيها من الكتاب والمحللين السياسيين، والتي لا تخلو كل انتفاضة أو ثورة من قوى دخيلة تحاول سرقة الثورة وأهدافها من خلال ركوب الموجة. وهو ما يفترض أن ننتبه له وأن نعي التجارب التي عاشتها مصر الشقيقة أو ليبيا أو غيرها من الدول. إن الشبيبة المقدامة التي تتصدى اليوم، وبهذا الزخم الثوري الهائل للحكم البربري، قادرة بوعيها الجديد على منع صعود عناصر وقوى انتهازية على أكتافهم إلى قيادة الدولة والسلطة التنفيذية، إنهم صمام أمان لمستقبل العراق المشرق الذي يطمح له الشعب العراقي بكل قومياته واتباع دياناته واتجاهاته الفكرية والسياسية العقلانية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here