مطالب المتظاهرين شلع قلع وحكومة القتل والقنص تتغنى بستالين…

مطالب المتظاهرين شلع قلع وحكومة القتل والقنص تتغنى بستالين وشاوشيسكو ونظام الفوهلرية ونسيت طار الستر !؟!

جسار صالح المفتي

لم تكن المظاهرات الأخيرة هي الأولى من نوعها ضد الفساد في العراق، فقد شهدت مدينة البصرة خلال صيف العام الماضي مظاهرات مشابهة نددت بالفساد وسوء الخدمات العامة، وطالبت بإجراء إصلاحات في جميع أجهزة الدولة وخلق فرص عمل للمواطنين. لكن المظاهرات الأخيرة غير المسبوقة في بغداد التي طالبت بمحاكمة الفاسدين، وحل مشكلة البطالة وتدني الخدمات العامة، تعتبر الأكثر دموية إذ اسفرت عن مقتل اكثر من 100 شخص واصابة اكثر من 6 آلاف آخرين بجروح وفق الإحصاءات الرسمية طبقا لتقرير مفصل اعده “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” نشر قبل أشهر، فقد قدرت إحدى الدراسات العراقية أن الفساد المالي يستنزف نحو 25% من المال العام. وقبل نحو عام اشارت وسائل الإعلام العراقية الى وجود حوالي 800 ملف متعلقبالفساد المالي والإداري قيد التحقيق. وتتفق المصادر الدولية على أن سجل الفساد في العراق قد ازداد سوءا في العقود الماضية، إذ صنفت منظمة “الشفافية الدولية” العراق في المرتبة 117 من أصل 133 دولة عام 2003م، قبل أن يتقهقر لاحقا إلى المرتبة 169 من بين 180 دولة. وغالبا ما يشير المعلقون السياسيون العراقيون إلى أن السبب الرئيسي للفساد في البلاد هو الطائفية، وتوزيع المناصب الرسمية او الحكومية بين الطوائف والجماعات السياسية بموجب ما يعرف “بالمحاصصة”التي جعلت الفساد أمرا عاديا ومقبولا في اغلب (ان لم يكن) في جميع المؤسسات العراقية، ورسخته في النظام السياسي العام، حسب تقرير “معهد واشنطن من يريد ان يعرف حجم الفساد في العراق منذ العام 2003م وحتى اليوم، عليه الذهاب الى لندن وباريس وبيروت ودبي، ليشاهد بعينيه كيف يعيش أبناء واقارب النخبة الحاكمة، وما يملكونه من الشركات والبيوت الفخمة والسيارات الفارهة ، بينما الشعب العراقي في اغلبيته يعاني من الفقر والبطالة، وشح المياه الصالحة للشرب والاستعمالات الأخرى، وانقطاع الكهرباءلفترات طويلة، والنقص الشديد في الأدوية، وارتفاع نسبة الوفيات بسبب سوء أوضاع المستشفيات. النخبة الحاكمة ومعظم رجال الدين المتنفذين لا يعرفون أوضاع المستشفيات في العراق، ولا يشعرون بمعاناة الفقراء والمسحوقين، لأنهم ببساطة يتعالجون في الخارج، ولا يركبون المواصلات العامة، ويملكون مولدات كهربائية خاصة بهم، تغنيهم عن كهرباء الدولة المقطوعة معظم الأوقات العراق الذي كان في بداية القرن الماضي ملاذ الكثير من الطلاب العرب للحصول على التعليم العالي والجامعي، تحول على أيدي الحاقدين والفاسدين والخونة إلى أرض يدمر فيها كل شيء، بدءا من الحضارة والآثار والعلم والأخلاق، إلى الهوية العربية والوطنية الجامعة للعراقيين عرب واكراد وتركمان وأيزديين. دخل العراق إلى دهاليز الخرافات والأحقاد التاريخية والدينية والمذهبية والإثنية.العراق، أرض اقدم الحضارات “بابل”، اصبح بلا هوية وطنية تجمع كل مكوناته العربية والكردية والآشورية. النظام السياسي الحالي حول العراق الى بلد تتقاسمه الانتماءات الطائفية والإثنية المتناحرة، حيث الولاء المطلق ليس للوطن بل للطائفة والعشيرة، الأمر الذي الغى كل مفاهيم السيادة والكرامة الوطنية، وفتح الباب على مصراعيه امام النفوذ الخارجي الدولي والإقليمي، خصوصا الأمريكي والإيراني فقد العراقيون الثقة في الطبقة السياسية الحالية، حيث أدركوا أن السياسيين والكثير من رجال الدين يستغلونهم أبشع استغلال. بسبب هؤلاء القادة الفاسدين تأخروا في التعليم والاقتصاد وكل ما يمت الى الحضارة بسبب، وتحولوا من دولة كانت في يوم ما على رأس قائمة الدول المتقدمة في الشرق الأوسط إلى دولة من دون سيادة، وشعب فقد الأمل في حياة كريمة. لقد أيقنوا أنهم تنازلوا عن كل ما يستحق في حياتهم لأجل اشخاص وأحزاب لا يستحقون هذه التضحية. ما يقوم به الشعب العراقي اليوم هو ثورة لاسترداد بلاده من المحتلين والفاسدين والإرهابيين والعملاء
أين أنت يا سيادة الرئيس عن ما يجري في العراق الان؟ يؤدي رئيس الجمهورية، اليمين الدستورية أمام مجلس النواب، قبل أن يباشر عمله، بالصيغة الآتية : (اُقسم بالله العلي العظيم، أن أؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية، بتفانٍ وإخلاص، وأن أحافظ على استقلال العراق وسيادته، وأرعى مصالح شعبه، وأسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه الديمقراطي الاتحادي، وأن أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة، واستقلال القضاء، والتزم بتطبيق التشريعات بأمانةٍ وحياد، والله على ما أقول شهيد وهنا نسأل : اين انت يا سيادة الرئيس عن ما يجري في العراق الان؟هل مشكلة العراق في الدستور ام في الفساد والسرقات والمحاصصة والنهب وفقدان القانون؟ والى متى يبقى( المجهول ـ المعروف ) حراً طليقاً يمارس الاختطاف والاختفاء القسري والاعتقال والقتل والعنف ضد المتظاهرين العزل الذين يتظاهرون من اجل حياة حرة كريمة ويدافعون عن حقوقهم الانسانية التي تتعرض للانتهاك بسبب الانفلات الامني والفوضى التي تغذيها المليشيات المسلحة، حيث تتفاقم الاوضاع سوءاً يوماً بعد يومِ من دون اجراءات حاسمة ؟هل يُعقل ان فاسد يستجوب فاسد ؟ يشهد العراق، منذ مطلع شهر تشرين الأول الماضي، احتجاجات جماهيرية واسعة طالبت بتحسين الخدمات العامة، وتوفير فرص عمل، ومحاربة الفساد، ورفض كل الحلول الترقيعية التي وعدت بها حكومة الفساد والمحاصصة للالتفاف على المطالب العامة , في محاولة لإحتواء وإجهاض الاحتجاجات الشعبية وامتصاص غضب المواطنين الذين يطالبون اليوم بإسقاط الحكومة ورحيل السلطة الفاسدة وعقب جلسة حكومية أسبوعية، قالت الحكومة، في بيان قبل اسبوع، إن قراراتها تشمل تشكيل لجنة برئاسة رئيس الوزراء لتوزيع أراضٍ سكنية على المستحقين…! في وقت الذي يطالب الشعب بالكشف عن الجناة الحقيقيين الذين تسببوا بسفك دماء المتظاهرين السلميين ومحاسبة سراق المال العام من عام 2003 ولحد الان لقد اثبتت احداث اكتوبر بان كبار المسؤولين الحكوميين اثبتوا بانهم ( يمثلون )على الشعب ولا (يمثلون الشعب ) بعد ان جعلو العراق بلا سيادة وجعلو الفقر في دولة تغمر بالبترول , فمنذ انطلاق شرارة الثورة في الاول من اكتوبرالماضي يقف رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان المقيم حاليا في عمان يقفون في المنطقة الرمادية وهم يرون أبناء العراق العزل (يسقطون جرحى وشهداء بفعل رصاصات القناص الملثم وعلى أيدي قوات الأمن بالغازات المسيلة للدموع في الراس والصدر, كما تتساقط اوراق الاشجار في فصل الخريف ,لا لشيء إلا لانهم يطالبون بحقوقهم المشروعة وبمستقبل زاهر للعراق (راجع تقريرمنظمة العفو الدولية )) …

صدق المثل لما قال.. السمكة خايسة من راسها يستخدم هذا المثل الشعبي كتعبير مجازي وليس المقصود به المعنى الحرفي ، فرأس الدولة او النخبة السياسية الفاسدة في العراق هي أساس انتشارافة الفساد والمحاصصة المقيتة في العراق بعد ان أساءت كل الإساءة إلى الوطن والشعب فعندما يكون هدف المسؤول سلب ونهب أكبر قدر ممكن من مال الدولة , يتحول هذا المخلوق تدريجيا إلى فاسد ومتعفن يعمل من اجل مصلحته ومصلحة حزبه وعشيرته وقوميته بالضبط كما يحدث الان في العراق فمن المضحك جداً ان نرى معظم المسؤولين العراقيين اليوم يعلنون علناً ودون خجل تضامنهم مع المحتجين في شوارع العراق ومع اهالي الشهداء ويطالبون بتنحي كل الذين أوصلوا العراق الى الهاوية فعلا عجيب امرهؤلاء الذين يمثلون على الشعب , فهل يُعقل أن فاسد يحاسب ويعاقب فاسد؟وهل يُعقل أن يدافع القاتل عن الضحية؟ مشاهد مضحكة مبكية- في مشهد مضحك ومبكي في الآن نفسه أعلن رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي : (بان صبر العراقيين نفذ وهناك حاجة الى ثورة حقيقية لمحاربة من أسماهم “حيتان الفساد”، مطالبا بمحاسبة المفسدين ) ولكن نسى او تناسى السيد الحلبوسي بان الشعب خرج إلى الشارع بسبب فساده وفساد المسؤولين العراقيين بدون استثناء, حيث اظهرت وثائق رسمية لوزارة الدفاع، بأن (الحلبوسي ) عين اقاربه وابناء عمومته في فوج الحماية الخاص به, وبحسب الوثائق التي اطلعت عليها شخصيا والصادرة من معاونية الادارة في رئاسة اركان الجيش، فإن (معظم )المتطوعين المرشحين للتعيين في فوج حمايته، ينتمون لعشيرة الحلابسة التي ينتمي اليها رئيس البرلمان الموقر وفي مشهد مضحك اخر وبتوجيه من رئيس الوزراء و وزير النفط ـ قررت وزارة النفظ ـ شركة توزيع المنتجات النفطية ـ بتجهيز دراجات ( التك تك )(2 ) التي تقوم بنقل المتظاهرين واسعاف المصابين برصاص (الأمن ) بمنتوج مادة البنزين (مجاناً ) , تصوّروا رئيس الوزراء يأمر بتجهيز دراجات ( التك تك ) بمنتوج مادة البنزين (مجاناً )…!

تخيلوا وتمعنوا معي ايها القراء الكرام ,كم هي سخية ووطنية حكومتنا الرشيدة , انها تقتل القتيل وتتباكى عليه اما رئيس الجمهورية الذي يجب ان يرعى مصالح شعبه، ويسهر على سلامة أرضه وسمائه ومياهه وثرواته ونظامه (الديمقراطي الاتحادي)صرح وقال بصوت حزين …
(أن الدستور كفل حق التظاهر، واجبنا الحفاظ على السلم الأهلي وسلامة المتظاهرين، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، مما يتوجب على الدولة معاقبة المتورطين بالعنف وإطلاقهم النار على التظاهرات وتقديمهم للعدالة. واجبنا ضبط النفس والتهدئة والإصرار على الإصلاح وعدم التغاضي عن مشاكل العراقيين واستطرد قائلا : سنرعى حواراً وطنيا لمراجعة الدستور ومعالجة الاختلالات الكامنة فيه والتي تمنع التأسيس لحكم رشيد يلبي للعراقيين حقوقهم , نعمل على تعديل قانون الإنتخابات وإصلاح منظومتها وبما يؤمن حماية أصوات العراقيين وإرادتهم في تقرير مصير بلدهم بدون إنتقاص أو تلاعب واضاف : في أربعين ثورة الحسين (ع) نشد على أيدي الشباب المطالبين بحقوقهم وهم يرفعون الاعلام العراقية، ونشد على أيدي القوات الأمنية التي تحميهم وتدافع عن الممتلكات العامة والخاصة. ونرفض كل أنواع القتل وتكميم الأفواه. العراقيون يستحقون الأفضل، فلننتصر للمحرومين و المظلومين وهنا اقول من الذي يصدق بخطاب (رئيس الجمهورية )او خطاب ( عبدالمهدي ) او ( حلبوسي ) او مسؤولين عراقيين أخرين .. لا اتخيل ان في ساحة التحرير مجانين.؟!

لقد كان المحتجون محقين حين طالبوا برحيل النظام وهم لا يقصدون الحكومة كما جرت عليه العادة. فالنظام السياسي لا ينحصر في الحكومة بل هو يمتد ويتسع ليشمل جميع الأحزاب التي تقاسمت ثروات العراق منذ احتلاله عام 2003 وحتى الآن! الرهان على القتل هو رهان خاسر؟؟؟يخطئ السياسيون العراقيون حين يرفضون الإصغاء إلى صوت المحتجين. فهم عن طريق ذلك الرفض إنما ينتحرون,الجنون وحده هو ما يغري أولئك السياسيين بأن حلولهم الأمنية ستؤدي إلى نتائج إيجابية من شأنها أن تعيد الأمور في العراق إلى الوضع الذي كانت عليه قبل انتفاضة تشرين الثاني/أكتوبر.لقد أثبتت الوقائع ما كان متوقعا منذ البدء. فالقتل لم يؤدّ إلى وأد الاحتجاجات بل كان سببا في اتساعها. وهو ما يشير إلى حقيقة أن الأسباب التي تقف وراء الاحتجاجات لا يمكن أن تنتهي بالقتل ولو كان العراقيون قد خرجوا إلى الشوارع محتجين لمجرد اختلاف في رأي سياسي لكان القتل قد دفع بهم إلى العودة إلى منازلهم مهزومين غير أن المحتجين ليسوا سياسيين ولا ينتمون إلى حزب وليست لديهم منطلقات عقائدية ولا يتحركون وفق أجندات مسبقة. ما لديهم من الأسباب لا يمكن فهمه إلا من جهة الواقع الاجتماعي الذي يعيشونه. وهو واقع لن يغيره القتل. لن يكون القتل فيه إلا سببا مضافا للاحتجاج الرهان على القتل هو رهان خاسر. ذلك ما كان يجب على السياسيين العراقيين أن ينظروا إليه بعيون مفتوحة فالشباب خرجوا محتجين بعد أن صاروا على يقين من أنهم لن يخسروا شيئا وكان شعارهم “نريد وطنا” هو التجسيد الأمثل لما هم فيه من حالة يأس. ذلك لأن الإنسان حين يشعر أنه فقد وطنه وهو مقيم على أرضه لا يمكن أن يكون لديه شيء آخر يفقده ما فعله سياسيو العراق إنما يكشف عن غبائهم السياسي. وهو ما كان متوقعا بعد أن أغرقوا أنفسهم في مستنقع فساد غير مسبوق، سيكون الخروج منه بمثابة معجزة ومن مظاهر غبائهم أنهم اعتقدوا أن إيران ستنقذهم وتمد لهم حبل نجاة لا ينقطع. ولأن إيران لا تملك حلا آخر غير استعمال ميليشياتها في مواجهة المحتجين فقد كانت نصيحتها الضربة القاضية، التي لن يعود بعدها النظام السياسي قادرا على استعادة شيء من قدرته على إدارة الأزمة كل شيء بات متأخرا- الحكومة فقدت شرعيتها في ظل استفتاء شعبي كانت الاحتجاجات عنوانه، أما النظام السياسي فقد تم استهدافه من قبل المحتجين، كونه عقبة في طريق أية محاولة لبناء دولة حديثة واستعادة الشعب العراقي لوطنه وإذا ما كان السياسيون العراقيون قد أدركوا منذ البدء أن المحتجين ما خرجوا إلى الشارع إلا بعد أن يئسوا من إمكانية النظام على التحرر من فساده، الذي يستند إلى محاصصة حزبية وطائفية، فإنهم لم يعلنوا عن الرغبة في التراجع عن آليات وضوابط وبرامج ذلك النظام كانت الصورة لدى أولئك السياسيين قائمة على أساس الفصل بين ما تفعله الحكومة وبين النظام، الذي تستمد قوتها منه. لذلك فإنهم لجأوا إلى إطلاق الوعود بإجراء تغييرات وزارية غير أنهم سرعان ما تراجعوا عنها، ليس بسبب ضغوط إيرانية، بل لأنهم أدركوا أن ذلك الإجراء لن يكون نافعا في الحد من التظاهرات بل قد يسبب صدعا في النظام لن يكون من اليسير إصلاحه الحكومة خائفة على النظام والنظام خائف على الحكومة. فالحكومة التي هي نتاج نظام المحاصصة، لن يكون في إمكانها التفاوض مع المحتجين في ما يتعلق بمصير النظام. في المقابل فإن النظام قد اتخذ من الحكومة واجهة زجاجية تتلقى الحجارة ظنا منه أن وجود تلك الواجهة سيعيق وصول تلك الحجارة إليه تلك حقيقة كان المحتجون على بينة منها حين طالبوا بطي صفحة النظام الطائفي ومحو كل أثر له قافزين على الحكومة، التي هي بالنسبة لهم مجرد نتاج لذلك النظام ما هو مؤكد أن الحكومة تتحمل المسؤولية المباشرة عن عمليات القتل، التي مورست بحق المتظاهرين، غير أن كل ذلك القتل ما كان له أن يكون بذلك الحجم الاجرامي لولا سعي النظام مذعورا للدفاع عن نفسه.

أمران صار الحديث فيهما يبعث على الضحك، هما المؤامرة التي تقف وراءها قوى ودول أجنبية والمندسون. وإذا ما كان الأمر الثاني مستحدثا فإن الأمر الأول يعود إلى بدايات نشوء الأنظمة الشمولية في عدد من الدول العربية لقد كان شبح المؤامرة حاضرا في فكر وسلوك قادة تلك الأنظمة فحولوه إلى واقع من أجل أن يكون مسوغا لفرض شتى صنوف الاستبداد في نواحي الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية وصولا إلى الحياة الشخصية ما من أحد قال كلمة لا تتسق مع ما يفكر فيه النظام الحاكم، إلا وكان متآمرا يستحق أن توقع به العقوبة القصوى وهي القتل. ولأن روح المؤامرة قد تمكنت من ثقافة الشعوب فقد صار شعور المرء بالخوف من أن يكون متآمرا من غير أن يدري، أمرا طبيعيا غير أن ذلك الشعور لم يقف حائلا دون أن تفكر الشعوب في مصيرها، الذي كان يصنع معلبا كما لو أنه بضاعة جاهزة. فكانت الثورات الشعبية الجماعية، التي حاول من خلالها الناشطون الذين غلب عليهم الهاجس الاجتماعي، محاولة لوضع حدّ لنظرية المؤامرة وبسبب قوة العصف الشعبي الذي نجح أولئك الناشطون في تأجيجه، اختارت الأنظمة الشمولية في التصدي لهم، أن تضيف إلى نظرية التآمر مدفوع الثمن من قبل قوى خارجية، طابع انخراط مجهولين في تنفيذ إملاءات تلك القوى الخارجية، وهم المندسون.
كان حق التظاهر والاحتجاج مكفولا ديمقراطيا، لولا وجود أولئك المندسين الذين استغلوا ذلك الحق ليفرضوا من خلاله أجندات أجنبية. لسان الأنظمة يقول. وهو أمر لم يجر على نحو معقول. ذلك لأن المندسين ظلوا عبارة عن أشباح ولم تستطع وسائل دعاية تلك الأنظمة أن تعلن عن القبض على مندس واحد، لكي يتم من خلاله التعرف على صورة المندس.
كان المندس عبارة عن شبح، حاولت الأنظمة من خلاله أن تطارد حشود المحتجين، لكي يشعر كل فرد منهم بالخشية من أن يكون مندسا. وهي لعبة سمجة مثلما كانت لعبة المؤامرة التي سبقتها.
لقد كثر عدد المتآمرين والمندسين عبر الزمن، بحيث صار الشعب يتوزع بين فئتين. فإما أن يكون مندسا وإمّا أن يكون متآمرا. لذلك سقط حاجز الخوف القديم. وهو ما ساعد على تطوير تقنيات الاحتجاج الشعبي بحيث صارت الشعوب تحرص على أن تكون حربها ضد الأنظمة سلمية وصار المحتجون يدهشون النظام في حفاظهم على الممتلكات العامة والخاصة.
لقد أسقط المحتجون الشباب نظريات الأنظمة، التي لا تملك وسيلة لتسويغ لجوئها إلى العنف سوى تلك النظريات، التي لم يتم تطويرها وكان الزمن كفيلا في فضح ضعفها وخبث قصدها. هذا ما ينطبق اليوم تماما على النظام الإيراني فبعد أن كان ذلك النظام يضع الخطط للتصدي للمتآمرين والمندسين في العراق ولبنان الذين يقفون وراء الاحتجاجات في البلدين ها هو يرى شوارع المدن الإيرانية تغص بهم.
فهل كانت المفاجأة مقصودة من قبل القوى، التي تقف وراء المتآمرين والمندسين، لتذهب بعقل النظام الذي اعتبر نفسه مسؤولا عن حماية نظام الفساد في العراق واستيلاء حزب الله على لبنان؟
ستذهب الوضاعة والغرور بالنظام الإيراني إلى تفسير ما يجري داخل عرينه إلى حد الاستهانة بإنسانية الإيرانيين، الذين صارت سبل الحياة تضيق أمامهم في ظل هيمنته وسياساته، التي دفعت بإيران إلى العزلة والانهيار الاقتصادي قد يكون الإيرانيون قد شعروا بأنهم ليسوا أقل شأنا من العراقيين واللبنانيين. لذلك انتفضوا مطالبين بحقهم في حياة حرة كريمة. ذلك ما لا يمكن أن يضعه النظام ضمن جدول اهتماماته ولكن صار من الصعب عليه أن يعيد الشعب إلى دائرة الخوف. فإذا كان الشعب كله متآمرا ومندسا فما على النظام سوى أن يرحل باحثا عن شعب يكون بمنأى عن المتآمرين والمندسين

إذا رأيت الظالم مستمرآ في ظلمه فاعرف أن نهايته محتومه ,وإذا رأيت المظلوم مستمراً في مقاومته فاعرف أن انتصاره محتوم..

التظاهرات كممارسة جماهيرية، يمكن لها أن تغير ظاهرة سيئة أو تصحح حالـة خاطئة في بلد طبيعي لديه تراكم وعي ديمقراطي ومؤسساتي على مستوى الشعب ونخبه، أي في بلد كاليابان أو السويد مثلاً. أما في العراق، فمع كل الحب والاعتزاز لمن يتظاهرون بين الحين والآخر ويبذلون أرواحهم بنيّة التغيير الصافية، إلا أن فعالياتهم تبقى قطرة غير مؤثرة من سيل فعل جارف أشبه بالمعجزة يحتاجه العراق اليوم لقلب موازين أرضيته السياسية الفاسدة والإجتماعية المريضة والدينيةالمتعفنة، وهو حتى الآن بعيد عنه وعن أجواءه بُعد السماء عن الأرض حتى اليوم لم تتبلور مطالب أي من التظاهرات التي خرجت في أي مدينة من مدن العراق بشكل واضح، وبضمنها التظاهرات الأخيرة التي خرجت في العديد من المدن العراقية وتركزت في العاصمة بغداد، والتي قُمِعَت للأسف بإستخدام خراطيم المياه والرصاص الحي بشكل يندى له الجبين. فمطالب هذه التظاهرات كانت دائماً قلقة ومتأرجحة بين توفير الماء وإسقاط الحكومة، حسب طبيعة وخلفية المتظاهرين! ومختلفة بين محافظة وأخرى وأحياناً مدينة وأخرى على مستوى نفس المحافظة! وعلى فرض أنها ستتبلور يوماً، سَيَلي ذلك جملة تساؤلات أهمها: ما هو العمر الزمني لإنجازها! ومتى ستتمخض عن التظاهرات قيادة ناضجة تسير بها الى بَر الأمان! هذه الأسئلة وغيرها هي التي ستحدّد مصير التظاهرات وتقرّر نجاحها مِن فشلها، هذا إذا أريد لها أن تحقق فعلاً حقيقياً، لـذا فالطموح هو أن لا يقع فعل التظاهر بنفس الخطأالذي وقع فيه فعل مقاطعة الانتخابات، الذي وإن نجح في تحقيق جزء من أهدافه، وأحّدها، بل وأهمّها، أنه كان شرارة حَرّكَت وايقظت رماد جماهير التظاهرات، إلا أنه فشل في التحول لمشروع ناضج يحظى بإجماعمحلي وصدى دولي يسعى لإصلاح وتغيير العملية السياسية جذرياً.بالتالي ينبغي أن تتحول حالة التظاهر في العراق مِن فعل عفوي الىمشروع ناضج ذو برنامج سياسي اقتصادي واضح متكامل، يبدأ مِن توفير متطلبات العيش الكريم للعراقيين، وصولاً لإحداث تغيير جذري بمجمل المناخ السياسي، يطيح بالطبقة السياسية الحالية رموزاًوأحزاب ودستور ومرجعيات دين، ويُمَهِّد لفترة إنتقالية بإشراف دولي،تنتهي ببناء عملية سياسية سليمة لها دستور وقانون أحزاب سليم خاليمن العُقَد والقنابل الموقوتة، يمنع تسلل الأحزاب والرموز الفاسدة اليها التظاهرات كفكرة وممارسة هي حتى الآن بعيدة عن هذا الطموح، فهيما زالت عفوية وغير منظمة، تخرج مَرّة بفِعل الشباب وأخرى بفِعلالأحزاب والمرجعيات الدينية كالتيار الصدري، مَرّة تطالب بالخدماتوثانية بتوفير فرص العمل وثالثة بإسقاط العملية السياسية ومحاسبة رموزها، مَرّة يخرج فيها الناس بالمئات وثانية بالآلاف وثالثة بعشرات الآلاف، وفي كل مرة تنجح السلطة باحتوائها سواء بالترغيب والوعود الكاذبة والخُطَب الدينية، أو بالترهيب والتسقيط باتهامات العمالة وتبعية الخارج، وما الى ذلك مِن الأساليب الملتوية التي يتقنها النظام الحالي وجيوشه الإلكترونية، والتي تعلمها من أسياده في طهران. أما تعامل العراقيين معها ورد فعلهم تجاهها كمجموع وشعب، فهو كالعادة غير عقلاني، لا ينم عن وعي وتعَلّم من الدروس والعِبَر، بل يتّسِم بالتطرف سلباً أو إيجاباً. فهم بين سلبي بتَطَرف مُتقاعس عن دعمها فَضّل أن يجلس في البيت ويتابعها عبر شاشات التلفاز من منطلق النظرية العراقية القائلة ” يمعود إحنا آني شعلينا” أو ” يمعود ما يفيد”. أو ايجابي بتَطَرف مندفع في دعمها بعاطفة لا عقلانية مفرطة، يتفنن بإطلاق التوصيفات التي تُتَرجم أوهامه على التظاهرات والمتظاهرين فيصفها بالثورات ويصفهم بالثوار! ويدعوهم لمهاجمة المنطقة الخضراء! متناسياً في لحظة إنتشاء أن الثورات هي التي دمرت بلاده وأذلت شعبها، وأن المتظاهرين لا يمتلكون مقومات الثورة أصلاً مقارنة بجيوش القتلة الجرارة التي تمتلكها الأحزاب والمليشيات والعشائر والمرجعيات التي تسيطر على البلاد، وبالتالي هم يطالبون المتظاهرين بما يفوق طاقتهم لمجرد أنهم يحلمون به، ويضعونهم في موقف خطر إنتحاري بمواجهة نظام سياسي وديني ومجتمعي مجرم وفاسد، فيما يجلسون هم خلف شاشات وكيبوردات الحاسوب والموبايل لكن بالنهاية يُسَجّل لبعض تظاهرات ما بعد 2003 قصَب السَبق ويحسب لها بأنها ربما أول احتجاجات شعبية عفوية في تأريخ العراق الحديث بلا منازع. فقد تعود العراقيون على أن يكونوا مُسَيّرين لامُخَيّرين في قراراتهم وشؤون حياتهم، فكانوا يخرجون إما في مسيرات تنظمها وتدعوا لها السلطة الحاكمة للترويج لأجنداتها السلطوية كما في أزمنة الجمهوريات الدكتاتورية القاسمية والعارفية والصدامية والمالكية،أو في تظاهرات كانت تنظمها وتدعوا لها أحزابهم الشمولية الثورجية الشيوعية منها والقومية والإسلامية بحجة معارضة الأنظمة المتعاقبة ولكن بهدف تحقيق أهدافها الحزبية الفئوية الضيقة، أو في احتجاجات تدعوالها مرجعياتهم الدينية لحماية مصالحها الرجعية بمواجهة أي تغيير قد يُسهِم بتحريرهم من قيد سطوتها على عقولهم ومقدراتهم كما في ثورة العشرين. ففي هذه المَرّة خرج متظاهرون عراقيون بوعي عقولهم التي أعادوا تشغيلها، وبدفع إرادتهم الحرة بلا إملاء من أحد، بعد أن كانت عقولهم مغيّبة مُسَيّرة وارادتهم مَسلوبة مقيّدة. وهو أمر قد لا يؤتي ثمارهعلى المدى القريب لأنه ما زال في بداياته، لكنه بكل الأحوال يُبَشّر بصَحوة مجتمعية (قد) و (ربما) تقطف الأجيال البعيدة القادمة ثمارها كحياة حرة كريمة و وطناً آمِن مُستقر

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here