في صراع الهوية

في صراع الهوية يواصل الشعب العراقي صراعه من أجل الحرية والكرامة والإستقلال ، مدفوعاً برغبة عارمة على تصحيح كافة المسارات التي خلقت هذه الضائقة للشعب وللدولة منذ 2003 ، ويعلم العالم كم كان شعب العراق سخياً ومطواعاً في كل الساحات التي كان يُنادى فيها إليه ، بدءا من عمليات الإنتخابات المتكررة الشكلية والتافهه ، ومرورا بحربه ضد زمر الإرهاب والتمرد التي صنعها المحتل وأعوانه ، ولم يبخل هذا الشعب في هذا الطريق وقدم كل غال وعزيز من تضحيات ودماء كثيرة . وكان في ذلك كله يظن ظناً قوياً بأن هذه الحكومات التي خدمها سيكون لديها من الشرف والمسؤولية في تقدير وإحترام تضحياته ومواقفه ، ولم يكن يعلم إن هذه الزُمر المتأمرة هي أسوء خلق الله وأكثرهم دناءة وقباحة ووقاحة وشر ، هؤلاء الموتورين تعاقدوا و تنافسوا جميعا على سرقة مال الشعب ونهب ثرواته و كلا من موقعه ، ولهذا لم يسلم من خيانتهم للأمانة كل مرفق من مرافق العراق صغيرا كان أو كبيرا ، ومع هذا لم يكن الشعب يرغب في المواجهة بل أتبع كل سبل السلام ، ليساعد من يريد الإصلاح والتغيير بحق ومن يرغب من غير تزييف وخداع ، لكن جهود الشعب الطيبة هذه لم تستطع الوقوف أو إيقاف هذا الهدر والفساد والسرقات والخيانة للأمانة والوطن ، وقد عجز البعض من المخلصين في أداء دور الناصح الأمين وضاعت

جهودهم هباءا في ظل هذا الإصرار والمماطلة والخداع المكشوف ، وهكذا عجزت بل خسرت رهانات الإصلاح من داخل مؤوسسات الحكم أو من القريبين منه . وهنا كان لا بد من وثبة شعبية عارمة تعمل على تغير هذه الأحوال وإن أدى ذلك إلى صراع و تعطيل في حركة الحياة ، وكان الشعب هذه المرة في الموعد ، فكانت ثورة تشرين الجبارة التي كشفت عن المعدن الحقيقي للإنسان العراقي المحب لوطنه ولشعبه ، مجسدة كل معاني البطولة والشجاعة والثقة بالنفس والإعتماد على القدرات الذاتية ، وكانت محافظات الجنوب أساس الثورة وعمادها على كل هذه الأحزاب والتجمعات التي أحدثت تلك الشروخ في عقل وجسد الوطن الواحد ، هي ثورة ضد الطائفية وضد العنصرية وضد التبعية هي ثورة الوحدة ، ولأنها كذلك فقد عجزت كل الأبواق المعادية في الحد منها ومن تقدمها ، وهي ليست ثورة الشيعة على بعضها كما يتوهم متوهم ، بل هي ثورة الحرية والعدالة والسلام وفي هذا الصدد ، يلزمنا توجيه اللوم لأبناء محافظات الغربية والشمال ، وموقفهم المتفرج واللامبالي إذ لا يصح أبدا الوقوف في قضية الوطن على الحياد ، وإنتظار ما تؤول إليه الثورة من نتائج ثم الركوب على الموجات . وأنتم ونحن جميعاً قد تبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود في هذه الثورة التي تختلف في الشكل والمضمون عن كل ما سبقها من إعتصامات وتظاهرات ، فالذي مضى كان شيئا وهذا شيء أخر ، الذي مضى كان مجرد ردات فعل ليس أكثر ، وكان في الغالب العام مدفوعاً بالتنافس السلبي الطائفي البغيض ، أما اليوم فلا مجال للحديث عن هذا كله ، الكلام اليوم عن الوطن الجامع الموحد الذي يجب أن تُسترد له كرامته وعزته ، الوطن الذي كان والذي يجب أن يكون ، والذي فيه تتجلى الهوية الوطنية بكل معانيها ، من غير أحقيات أو تسويف أو تقسيم قادم من وراء الحدود . إن الفتح المبين قادم لا محالة ، طالما تجاوز الظالمون المدى وتعدوا على

الشعب قتلاً وتدميراً ، وأما الرجوع إلى الوراء أو القبول بأنصاف الحلول فهذا من المستحيل لأنه قد أنتهى أوانه ، والشعب لا يقبل إلاَّ بحقه كاملاً غير منقوص ، وهذا أصبح معلوماً وقد أثبت الشعب ذلك وفي قدرته على أخذ حقه ، وإن تهشمت الكثير من الجماجم وتحطمت الكثير من عناوين هذه الدنيا الزائفة ، فقدر العراق وشعبه الصبر والصمود والإنتصار ( وبشر الصابرين ) .. راغب الركابي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here