العداء التركي الطوراني السافر ضد الشعب الكوردي و وطنه كوردستان

محمد مندلاوي

مَن منا لم يسمع بالملحمة الإيرانية الشهيرة “شاهنامەی فردوسي” التي تحتوي على أكثر من ستين ألف بيت شعر، واستغرق تأليفها على يد الشاعر “أبو القاسم الفردوسي” ثلاثة عقود، وتضم بين دفتيها تاريخ إيران القديم وفنها وعلمها وثقافتها والحروب الدفاعية التي خاضتها ضد الغزاة والطامعين بها. وفي مقدمة هؤلاء الطامعين الغزاة بلا أدنى شك يقف الأتراك الطورانيون في مقدمتهم، فلذا لم يأتي اعتباطاً حين عنون “الفردوسي” تلك الحقبة الزمنية الحرجة في ملحمته بـ” حروب إيران وطوران” وهذه الأخيرة هي تلك الأرض البور التي وجدت عليه القبائل التركية، وتسمى اليوم آسيا الوسطى، أو تركستان بشرقها وغربها وتقع بين صين وروسيا وإيران. وتسمية “توران = طوران” تعني أرض الـ”تور” أي أرض قوم بور غير متحضر، لذا لا منطق لهم، وقراراتهم وليدة اللحظة، ولا تخضع للدراسة ولحكم العقل، فعليه عرفت هذه المجاميع البشرية بهذا الاسم.. من قبل الكورد. من المرجح، أن اسم “توران” مر بمراحل عديدة خلال القرون الماضية، وتيمناً به صارت تُعرف تلك المجموعات البشرية البدائية التي عاشت على أرض “تور” باسم “تورك”. للعلم، أن اسم “تور= توران = طوران” ومرادفاته لا زال الكورد يتداولونه في لهجات لغتهم الكوردية إلى يومنا هذا للدلالة على الحيوان الهائج، غير المروض، وإنسان حانق، ساخط، غاضب الخ، على سبيل المثال وليس الحصر، يقولون للبغل الجامح، غير مروض: “قاتر تۆر= Qatr tor” وللإنسان الغاضب الذي لا يحكم عقله في حل المشاكل: “تۆرە = Tore” وهكذا يقولون لشخص زعلان، غضبان، ساخط، حاد المزاج: “تووڕە= Tuwrre” الخ.
كما أسلفنا، منذ أزمنة قديمة طمع هؤلاء الطورانيون.. بأرض إيران، التي كانت أرض الآريين فقط في تلك الحقبة الزمنية، وكانت مترامية الأطراف، من ضمنها ما يسمى اليوم العراق، وأجزاء كبيرة من الكيان التركي الذي يسمى جمهورية تركيا، وأرمينيا، وطاجيكستان، وآذربايجان الخ. عزيزي القارئ، بما أن الكورد أناس أشاوس ومقاتلين لا تلين لهم عزيمة، لذا قام شاه إيران بنقل أعداداً كبيرة من القبائل الكوردية من كوردستان التي تقع في غرب إيران إلى شرقها في “خراسان”المتاخمة لـ”توران = طوران” وذلك من أجل صد هجمات الطورانيين.. وأبلى الكورد في المعارك الشرسة التي دارت رحاها بينهما بلاءاً حسنا، حتى أن نبيهم (زرادشت) (ع) قتل في تلك المعارك الضارية التي وقف فيها الكورد سداً منيعاً في وجه الغزاة الـ”تور= تورك” ولم يدعوهم أن يتقدموا في أرض الآريين شبراً واحدا، فأرغموهم أن يعودوا من حيث جاؤوا. لمن لا يعلم، أن الصين هي الأخرى تعرضت باستمرار لهجمات هؤلاء الأوباش.. لذلك قامت قبل الميلاد ببناء سورها العظيم لكي تصد به الهجمات التركية والمغولية المستمرة عليها؟؟.
وفي العصر الإسلامي كانت الإمارات الكوردية تحمي الثغور الإسلامية في منطقة القوقاز والمناطق المتاخمة لها وقبيلة الروادي الكوردية التي ينتمي لها (صلاح الدين الأيوبي) كانت مضاربها في هذه المنطقة تحمي البلاد الإسلامية من هجمات البلدان المسيحية آنذاك. عزيزي القارئ، نضع أمامك رسماً من ذلك التاريخ يوضح لك دور الكورد في سالف الأيام للذود على ديار المسلمين. أدناه رسم لوحة تاريخه يعود لعام 1000م، الواقف على قدميه ويمسك بيده الأيمن الرمح هو الإمبراطور “باسيليوس الثاني” 958-1025م إمبراطور بيزنطة، والراكعون أمامه الأمير المرواني الكوردي وحاشيته. كانت آنذاك ترسم اللوحات وتنحت التماثيل للأمراء والملوك وإظهارهم كأنهم وكلاء الله على الأرض. لكن هذه الأعمال الفنية ليس إلا أعمالاً دعائية في تلك الحقبة التاريخية، التي لم يكن فيها الإعلام كما هو عليه اليوم، فلذا كل أمير أو ملك كان يصور أعدائه كيفما يشاء، يركعون أمامه، أو تجده يضع قدمه على صدر عدوه، أو يصور عدوه قزماً ورافعاً يديه يتذرع إليه كي لا يقتله الخ، إن هذا العمل الفني أدناه يصور الأمير المرواني الكوردي ومرافقيه بطريقة ما من تلك الطرق كما تراه:

عزيزي القارئ الكريم،إن رحى الأيام دارت بخلاف ما يريدها الكورد، وفي غفلة من الزمن وجد قوم الـ”تور- تورك” قبل مئات السنين موضع قدم لهم في المنطقة الكوردية وتحديداً في آذربايجان حيث تم احتلالها وإتباع سياسة تتريك شعبها الكوردي. كي لا يقال أسطر الكلم من رأسي دعني أضع بين يديك ما قاله بعض المختصون في هذا المضمار. لقد كتب المستشرق الألماني (اشبولر) ما يلي: إن احتلال الأتراك لآذربايجان نتج عنه أن (الآريين) بمرور الزمن هجروا لغتهم واتخذوا من (التركية) لغة لهم، أن الآذريين في الأصل هم من الكورد والآريين.
كذلك يقول الپروفيسور (پيتر گلدن) (Peter B. Golden) في كتابه: (An introduction to the history of the Turkic peoples ) وهو يتحدث في صفحة (386) عن تتريك (آذربايجان) حيث قسمه على ثلاثة مراحل، المرحلة الأولى استيطان (السلاجقة والأوغوز) – أنهم من نفس العنصر التركي- حيث انتشروا في (آذربايجان) و(حران) و(أناضول)، المرحلة الثانية الهجوم (المغولي) الذي كان غالبية جنودهم من القبائل (التركية) والمرحلة الثالثة في العصر (الصفوي) حيث توجه الكثير من قبائل أوغوز و التركمان وقزلباش من (الأناضول) إلى (إيران).
ويشاركه في الرأي العلامة الروسي (فلاديمير مينورسكي) (V.F.Minorsky) : (1966 -1877) في الموسوعة الإسلامية عن آذربايجان ( .Azarbaijan Encyclopaedia of Islam) حول تغيير لغة الشعب الآذربايجاني يقول: في القرن (السادس) الهجري وتحت راية (السلجوقيين) رويداً رويد احتل الأوغوز كامل التراب الآذربايجاني، نتيجة هذا الاحتلال أجبر الشعب الآذربايجاني الذي كان يتكلم اللغة الإيرانية في آذربايجان وأطراف قفقاز على تغيير لغته إلى اللغة التركية.
وأدلى أيضاً الدكتور جمال رشيد أحمد بدلوه في هذا الموضوع في كتابه (لقاء الاسلاف) صفحة (55) مايلي: لقد استترك أهل (ران) شيئاً فشيئاً منذ عهد السلاجقة شأنهم في ذلك شأن أهل (أذربايجان) و(شروان) و (دربند – باب).
وهكذا لم يبخل علينا أ.د. جمال نبز في كتابه (المستضعفون الكورد وأخونهم المسلمون) يقول في صفحة (109): بعد حملات جنگيز خان المغولي (1203-1226م) وهولاكو التتري (1258م) الذي قضى على الخلافة الإسلامية، فأخذت الدماء تجري انهاراً في كوردستان وبغداد وإيران. ومنذ ذلك الحين أخذ التركمان يسكنون بعض مناطق أذربايجان الكوردية ويعملون على تتريكها.
بعد هذه الغزوات والاحتلالات التي تمت بحد السيف قام الـ”تور” القادمون من طوران بتثبيت وجودهم السياسي في المنطقة وما حولها، وذلك بامتشاق سيف الإسلام في العلن، إلا أن مكنوناتهم الداخلية كانت شيء آخر غير الإسلام، وظهر هذا جلياً لشعوب المنطقة فيما بعد، فلذا قالوا عنهم: إن الأتراك آخر من دخلوا الإسلام وأول من خرجوا منه. لكنهم باسم الدفاع عن العقيدة الإسلامية ومقارعة الغرب (الكافر) استمر وجودهم غير الشرعي على أرض الكورد، فمنذ ذلك اليوم المشئوم، الذي وطئت فيه حوافر خيولهم أرض الكورد قاموا ولا زال أحفادهم يقومون باضطهاد الكورد بطريقة عنصرية ممنهجة، حتى وصل الأمر بالشعب الكوردي الجريح إلى هذا اليوم المؤلم الذي يعاني فيه ما يعاني من مآسي ودمار على أيدي هؤلاء “التور= الأتراك” الأراذل، الذين يفتقدون لكل القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية. حقيقة لا أريد أن أكرر ما قلناه في مقالات سابقة عن هؤلاء الـ”تور” قساة القلوب، وعمليات تطهيرهم العرقي في بداية القرن العشرين ضد الكورد وذلك بتهجيرهم من سواحل بحر الأبيض المتوسط إلى شمال الكيان التركي، ومن ثم قاموا باستيطان الأتراك الذين جاؤوا بهم من أفغانستان ومنطقة البلقان الخ في مدن وقرى الكورد المهجرين قسراً. عزيزي المتابع، وفي هذه الأيام العجاف نرى أن الطورانيين أقاموا أكثر من خمسة عشر ثكنة عسكرية ومخابراتية “للميت” التركي في جنوب كوردستان، وفي الآونة الأخيرة كما شاهد العالم غزت جحافل هؤلاء الـ”تور” ومرتزقتهم من الأعراب غرب كوردستان. كالعادة أنها سياسة طورانية مرسومة لا تقف عند حد معين، ستستمر صعوداً ونزولاً مع بقاء هؤلاء.. على قيد الحياة. عزيزي القارئ، أدعوك أن تنظر إلى خارطة العالم لترى بأم عينك أين ليبيا وأين تركيا، التي لا توجد بينهما لا حدود أرضية ولا مائية مشتركة، إلا أن هناك جيش وطائرات تركية تقتل الليبيين بدم بارد!! بل وأبعد من ليبيا، هناك قواعد تركية عسكرية في صومال وجيبوتي، يا ترى ماذا تفعل تركيا هناك إذا ليست لديها نية عدائية ضد شعوب ودول تلك المنطقة البائسة؟؟؟. وهكذا بنت قاعدة عسكرية في دويلة قطر وتتمركز فيها آلافاً من الجنود الأتراك..، يا ترى لماذا؟؟ هل أن سعودية أو أي بلد خليجي آخر يهدد تركيا؟؟ حتى أنها لا توجد حدود مشتركة لتركيا مع بلدان الخليج، لكن كما أسلفت، أن الروح العدائية الشريرة المغروسة في رأس هؤلاء الأشرار، الذين ابتليت بهم منطقتنا هي التي تدفعهم إلى القيام بهذه الأعمال الإجرامية. عزيزي القارئ اللبيب، بما أن شبيه الشيء منجذب إليه، لذا التقى رجب فسفور مع أمير دويلة قطر، ذلك الغلام الذي تآمر على والده وأزاحه من رأس قيادة الدويلة. هنا نتساءل، لو لم يكن الغلام القطري شبيهاً بهؤلاء الطورانيون الأوباش؟؟، كيف يسمح لنفسه أن يتحمل نفقات بناء مستوطنات عربية بأيادي تركية في غربي كوردستان لتغيير ديموغرافيتها الكوردية الكوردستانية؟؟ إلا يعلم هذا الغلام الأمرد، أنه بفعلته المشينة هذه يدخل دويلة قطر في عداد الكيانات العدوة للشعب الكوردي وهذه العملية الجبانة أكبر من حجمها المجهري؟؟.
01 12 2019

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here