البحث عن الأنتماء و عن الهوية الوطنية

لم تكن تلك الدبابة الأمريكية التي عبرت الجسر في بغداد و اسقطت النظام السابق هو المنظر المخزي الوحيد في تلك الأيام بل كان منظر الذين ( نهبوا ) مؤسسات الدولة و مرافقها و استولوا على المعدات و الأموال لا يقل ذلك المشهد خزيآ و خجلآ من تلك الدبابة لكن الأنظمة الشمولية و منها النظام السابق الذي جرد الوطن و الدولة من الأستقلال و عرض سيادة البلاد للخطر بتلك السياسات المغامرة الى ان فقدت الدولة سيادتها و استقلالها و خضعت للأحتلال الأمريكي الذي كانت جيوشه و قواته المسلحة تسرح في كل ارجاء العراق و ترتكب ما تشاء من الأنتهاكات دون حسيب او مساءلة .

لم يكن اؤلئك السلابة و النهابة ( في اغلبهم ) الذين استولوا على ممتلكات الدولة عقب سقوط النظام السابق من اللصوص و الحرامية الذين اتيحت امامهم الفرصة بعد الفلتان الأمني في سرقة الأملاك الحكومية لكن اؤلئك الأشخاص كانوا من المواطنيين العراقيين الذين حولت الأنظمة السابقة ولائهم من الوطن و الشعب الى الزعيم او الرئيس و الحزب و حين سقط الزعيم او اطيح بالرئيس و انتهى حكم الحزب وجدوا انفسهم بدون ولاء او انتماء حين هاجموا المؤسسات الحكومية و نهبوها ( بأعتبار ان الممتلكات الحكومية هي ملك للشعب ) لكن الشعب الفاقد الولاء في هذا البلد لم يراوده الشعور بالوطنية المفقودة .

لم يكن سقوط النظام السابق هو نهاية للحقبة و الأحزاب الشمولية و التي تحتكر الحق و الحقيقة و التي سادت في العراق و لمدة طويلة حتى استولت على الحكم الأحزاب الدينية و هي ايضآ احزاب شمولية لا تؤمن بالدولة الوطنية او القومية و هي تعتقد بالأمة الأسلامية و البلدان الأسلامية فقط و ان الأنتماء يجب ان يكون لتلك الدول و هو من صميم العقيدة الدينية الأسلامية و التي تعتبر كل البلاد الأسلامية هي وطن المسلمين بغض النظر عن انتمائهم القومي او العرقي و من هنا كان ( للأخوان المسلمين ) و هم من اشهر الحركات السياسية الأسلامية ( مرشدآ ) عامآ واحدآ يشرف على كافة الفروع المنتشرة في البلدان المختلفة و كذلك كان ( المرشد ) الأعلى في ايران هو ولي امر المسلمين ( الشيعة ) في كل مكان من العالم .

لم يأتي ذلك الشعار الممزوج بالمرارة و الألم ( نريد وطن ) الذي صدحت به حناجر المحتجين في ساحات التظاهر و الأعتصام في بغداد و باقي المحافظات الوسطى و الجنوبية لم يأتي من فراغ انما كان هناك احساس عارم بعدم الأنتماء الوطني حيث كانت حكومات الأحزاب الدينية الحاكمة ( خير ) مثال على اللانتماء و اللا وطنية حين كان الولاء ( للولي الفقيه ) في ايران أي بمعنى آخر لم يكن الولاء و الأنتماء للعراق و حين كان ( السفير ) الأيراني هو ( المندوب السامي ) الذي يتدخل في تشكيل الوزارات العراقية و ان عجز فأن الجنرال ( سليماني ) في اتم الجاهزية للحضور و الأشراف و حين نهبت و سرقت تلك الأحزاب ( بلدها ) و رهنت مقدرات و ثروات البلاد في خدمة المصالح الأيرانية على حساب المصالح العراقية .

الصرخة المدوية و التي ترددت اصدائها في كل محافظات العراق و مدنه ( نريد وطن ) هو التعبير الحقيقي في تشكيل الشخصية الوطنية العراقية و التي سوف يكون انتماءها الوطني العراقي هو الأول بعد ان غابت تلك الشخصية عن المشهد السياسي للعراق حيث تربت الأجيال العراقية المتعاقبة على الولاء للجميع للزعيم و للرئيس و للفكر و للحزب الا الوطن فلم يكن في اولويات الحكومات و الأحزاب حتى كانت انتفاظة ( التحرير ) حيث تبلورت مطالبها الواعية من تلك التي تدعو الى تلبية الأحتياجات المعيشية للجماهير الى المطالبة بتكوين الشخصية الوطنية للفرد العراقي فكان مطلب ازاحة الأحزاب الجاثمة و التي تنفذ اجندات اجنبية الخطوة الأولى في تكوين برنامج عراقي بحت بعيدآ عن السفارات و الأيدولوجيات .

الهوية الوطنية العراقية سوف تنبثق من ساحات التظاهر و الأعتصام تلك التي شهدت استفاقة الجماهير المغيبة بالأديان و المذاهب و الأفكار على الشعور الوطني فكان ( العراق ) من اقدم الدول التي تشكلت في العصر الحديث و حين تكونت بعده بعشرات من السنيين عديد من الدول و التي صار مواطنوها يفخرون بأنتماءهم الى دولهم تلك و يتباهون بها حينها كان المواطن العراقي مشتتآ و موزعآ بين عدة من الأنتماءآت حتى تاه في وسطها فكانت تتنازعه ولاءآت و انتماءآت متعددة غاب عنها الولاء و الأنتماء للوطن .

اكثر ما يخيف تلك الدول من تبلور الشخصية الوطنية هو الأعتزاز و الفخربالهوية الوطنية ما يعني ان احلام الدول المجاورة في الهيمنة على العراق بدأت تتبدد و تتلاشى و التي لطالما راهنت على الأنتماء الديني و المذهبي للعراقيين في جعل العراق و شعبه و ثرواته تابعآ لتلك الدول لكن ثورة التحرر و الأستقلال و التي انبثقت من تلك الساحات المقدسة قد رسمت ملامح الدولة الوطنية المستقلة و مثل كل الثورات و الأنتفاضات التحررية التي لا تنتصر الا بالدماء و الضحايا و هاهم ثوار ساحات الأحتجاج يقدمون الالاف من الشهداء و الجرحى على طريق الظفر و الأنتصار و الأستقلال الناجز .

حيدر الصراف

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here