البعث وراء الأكمة وبين السطور

الخليل علاء الطائي

في البداية أقول ؛ ساذجٌ من يعتقد إن ما يجري في العراق , الآن , بعيدٌ عن التدخلات الخارجيه ؛ وذات التوجه المُنظَّم بأبعاده المستقبليه الراميه إلى إعادة العراق إلى ما يُسمى زوراً وبهتاناً ب( حاضنته العربيه ) ، والمقصود بها السعوديه والإمارات وإسرائيل والمشروع الأمريكي المُسمى ( صفقة القرن ) ومن أولوياتهِ مٌحاربة إيران وعزلها دولياً وتجويع شعبها .

أقول ساذجٌ من لا يرى علاقة تطورات الأحداث بعيداً عن المخطط العالمي الإمبريالي الكبير ؛ والحراك الذي تطوَّر بشكل دموي لم يكن بريئاً , مهما كثُرت التسميات الرومانسيه والنعوت الثوريه الرائجه في الوقت الحاضر .

في البدء كان مطلبياً مشروعاً , كما حصل في الإحتجاجات السابقه , ولكنه إنحرف عن قصد كما إنحرفت شعارات الإحتجاجات السابقه وتم إيقاف توجهاتها كما سنرى .

ونقول فقط الأعمى في السياسةِ من لا يرى حزب البعث في هذه الأحداث وجميع الأحداث السابقه والقادمه بشهادة ونشاط الدوائر المخابراتيه العالميه .

من عاش سنوات السياسةِ في العراق منذ تموز – 1958 – لا يشك بأساليب هذا الحزب ؛ في التسلل والإندساس في الأوساط المُطالبه بالحقوق وحرفها وبوسائل التشويه والكذب والتلفيق الإعلامي بالصورةِ والصوت , خصوصاً مع تطوّر هذه التقنيات لخدمة الأغراض البعثيه ومع التمويل والدعم من دول همُّها تدمير العراق .

ولإعتبارات المُخططات الدوليه الكبرى للهيمنة على منابع النفط في الشرق الأوسط وتنظيم نهج السياسات في بلدانه لتكون تابعةً ومُنفذةً لتلك المُخططات ؛ فقد أوكل دور خاص لحزب البعث ؛ إستلام السلطه أو الإنتظار للعودةِ لها بعدما يفقد شرعيته في الحكم . وكان للحزب دور القوة الإحتياطيه , أو البندقيه للإيجار . لقد نفَّذ المطوب منه في إنقلاب شباط 63 وأُزيح عنها ببيان رسمي من الإذاعه , وتفرَّق إلى شراذم وأفراد بشهادة بعض من إستذكر وقائع تلك الفتره ؛ ولكنه بقي يحلم بالعودة وينتظر التحريك من الخارج , وهكذا عاد عام 1968 لأن أوضاع العراق بعد هزيمة 1967 إستوجبت إحتواء الأوضاع وتغيير الوجوه . فأُعيد تجميع الشراذم وتسليمهم مقدرات العراق شعباً وأرضاً وحصل ما حصل . يؤمن البعثيون بالأساليب الإنقابيه في إستلام الحكم ؛ لكن ذلك يتم بجميع الوسائل ومنها الدمويه كالعمل مع داعش أو بديلاً عنها وتنفيذ المُخططات السعوديه وإسرائيل والمُهيمن الأكبر أمريكا .

كان دور البعث مع داعش مُباشراً وفي كل جزء وفاصلة كما أشار إلى ذلك عبد الباقي السعدون بعد إلقاء القبض علية وإعترافاته.

وبالأساليب الناعمه (المُنسجمة حالياً مع طبيعة تكنولوجيا العصر) وهي الأخطر في عصر النت حيث تتغلغل في الأوساط الشبابيه التي تفتقر إلى التجارب المعرفيه بأساليب البعثيين وأهدافهم . ومن تلك الأساليب خطة التدرّج في تصعيد المطالب ؛ من حقوق معيشيه وخدميه وما يتعلق بمراقبة السياسات الإقتصاديه , إلى شعارات سياسيه تستهدف المُحافظ ومجلس المُحافظه ومن ثم شمول القوات الأمنيه ومقرات الأحزاب والتوجه إلى القنصليات الإيرانيه وحرقها . سيناريو الإحتجاجات بدأ منذ عام 2011 في ساحة التحرير بدوافع مدنيه ديمقراطيه وبأعداد قليله عملت كامرات الفضائيات على تضخيمها بدون جدوى حتى حانت فرصة ( السيد ) للمشاركه بسيناريو مستوحى من سيناريوهات القذافي وإنتهى الأمر .

نرى إن الدور البعثي كان محدوداً في البدء لكنها فرصة البعثيين في خلط الأوراق وبث السموم في الشعارات والمطالب والإستفادة القصوى من فضاء الديمقراطيه وعلى النحو التالي :

– في الجمعة الأولى مطالبات بتوفير الكهرباء لأعداد محدوده من الشباب مع مشاهد إستعراضيه مثل حمل توابيت تحمل كلمة كهرباء .

– في الجمعة الثانيه حرق دوائر رسميه وتغيير الشعارات لتكون ضد إيران وضد الحشد الشعبي .

– الجمعة الثالثه توجه إلى القنصليه الإيرانيه وحرقها .

لماذا الحشد ولماذا إيران ؟ .

لأن الحشد الشعبي هو الذراع الحقيقيه لبقاء العراق وينبغي تدميره من قِبل السعوديه وإسرائيل وأمريكا .

يُذكرنا مطلب حل الحشد الشعبي بمطلب القوى المُتحالفه ضد حكومة ثورة تموز عام 1958 بحل المُقاومه الشعبيه ، وقد نجحوا في ذلك بعد الضغط على عبد الكريم قاسم وإستجاب لمطلبهم ودفع الشعب العراقي الثمن بمجازر دمويه لن ينساها التأريخ .

ولماذا إيران ؟

لأن إيران دولة شيعية ويحكمها الشيعه بدون وصايةٍ خارجيةٍ ، ولها مواقف ضد إسرائيل ومشاريعها التوسعيه وما يُسمى صفقة القرن .

العداء ضد إيران إضافةً إلى أصله الطائفي ؛ إنما هو أمر أمريكي للسعودية ودول الخليج لمُحاصره إيران وإضعاف قوتها , ولو تحسنت العلاقات بين أمريكا وإيران , كما كان الحال عليه سابقاً في زمن الشاه فالعداء السعودي يتوقف بأمر من البيت الأبيض . (في السياسة لا شيء دائم غير المصالح) .

في هذا التطوّر يظهر دور حزب البعث ؛ ويتجلى ذلك في التصعيد التدريجي :

– من الحراك السلمي إلى العنف .

– من خطاب الحقوق المشروعه إلى تغيير الشعارات وإسقاط العمليه السياسيه برمتها والعودة إلى النظام الدكتاتوري بتوصيفات وأشكال جديده .

– حرف الشعارات بإتجاه عدو جديد هو إيران ؛ لا إسرائيل العدو القومي ولا السعوديه العدو الإرهابي الطائفي ولا حتى مسعود البرزاني الذي يحكم فوق القوانين والدستور .

– توسيع دائرة الإحتجاجات إلى عصيان مدني وتوسيعها إلى مناطق جديده في بغداد كشارع الرشيد وساحة الخلاّني وغيرها وإتسامها بمواجهات ضد القوات الأمنيه .

– إنتقال الإحتجاجات مع التصعيد الدموي إلى المناطق الشيعيه المحوريه كالنجف وكربلاء . وفي الأُفق علامات تُنذر بحرب أهلية تُذكرنا بتهديدات شيوخ داعش بأن معركتهم القادمة ستكون في بغداد وكربلاء والنجف .

وهنا تستوقفنا المقالات التي تُشيد ( بالروح العابره للطائفيه ) ومعنى ذلك إصطفاف الجميع ضد إيران الدوله الشيعيه .

مع تناسي دور الإعلام الذي يصب الزيت على النار ، ومقالات اليساريين

( الثوريين سابقاً ) والذين يدعون إلى تشكيل حكومة مؤقتة في ساحة التحرير ، أو تشكيل وفود من ( الشبيبه ) للتفاوض مع ( قيادات ) المحافظات الغربيه ؛ ولست أعلم مع من يتفاوضون في الأنبار وصلاح الدين والموصل . والمفارقه أن كاتباً آخراً طمأنه ضمناً إن دور ( ثوار ) المناطق الغربيه قادم لامحالةَ .

– يتبع –

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here