إستغلال ولد الملحة

سلام محمد العامري

[email protected]

ألملحة كلمة تُطلق على أرض جنوب العراق؛ التي ساد الملح على أغلب مساحاتها, بعد أن كانت أراضٍ زراعية غناء, تتخلل بعضها أهوارٌ, تستقطب أنواع فريدة من الطيور المهاجرة, وأسماكا بحرية تختلط بالنهرية, مشكلة خليطاً رائعاً من الثروة المائية, إضافة لما ينبت بتلك الأهوار, من القصب والبردي.

عُرف أبناء الجنوب, بطيبة قلوبهم وكرمهم الفريد, وشجاعتهم المتوارثة, فهم من القبائل العربية الأصيلة, بكل ما يحمله مصطلح الأصالة من الشرف وطيب المنبت, من تلك المدن الناصرية, التي عُرفت إبان الاحتلال البريطاني, وتحديدا بعد ثورة حزيران 1920, بالشجرة الخبيثة؛ لتصدي الثوار لقطار المؤن البريطاني, وأرتال العجلات المحتلين, من خلف أشجارٍ تُسيطر على الطريق, يفتخر شعب الناصرية, بما أُطلق عليهم لمعرفتهم, بتأريخ ذلك الاسم و سبب تلك التسمية.

عند تأسيس الجيش العراقي ك2 عام 1921, كان أغلب المنتسبين من تلك المحافظة, فكان البريطانيون يُرَسِخون تلك الكلمة, ليلغوا تأريخ المدينة الجهادي, ويجعلوا من صفة الخباثة, ملتصقة بأهلها ليلتقطها بعض العراقيون, دون الرجوع لتأريخها وسبب إطلاقها, فالببغاوات تردد ما تسمعه, ومع ذلك فقد حافظت تلك المحافظة, على أصالتها وتأريخها لتقدم من التضحيات, ما لا يحصى عدده لكثرته, غير مبالين بالتشويه, فتلك قبور بعض أبطالهم في فلسطين, ولا يزال إنقاذ دمشق عام 1973, داخل طيات التأريخ الذي لا يُنسى.

أساء نظام البعث استخدام الجيش العراقي, فجعل من منتسبي المحافظات الجنوبية, حطباً لكل معاركه, داخلية كانت أو إقليمية, لينتفض أهالي الجنوب, ضد النظام الصدامي, في شعبان بانتفاضه شعبية, ليدفع أبناء الملحة آلاف الضحايا, بعد أن شعر حكام الخليج, أن وجودهم قد يزول بأي لحظة, فسكنة الجنوب يعتنقون المذهب الشيعي, وجمهورية إيران الإسلامية, من ذات المذهب, فأجهضت الانتفاضة الشعبانية.

سقط الصنم في عام 2003, وفي ظل حكم الأغلبية البرلمانية, فاز من يمثل الشيعة برلمانياً بالأغلبية؛ إلا أنهم لم يقدموا ما يرفع من مكانة العراق, فشوه بعض الساسة, ممن تسنم الحكم ذلك النظام, الذي كان مظلومي الجنوب العراقي خصوصاً, يأملون به الخير وصلاح حالهم, والعيش بكرامة بعد كل الحيف والتهميش, الذي عانوا منه.

ستة عشر عاماً من نقص الخدمات والبطالة؛ بالرغم من توجهات المرجعية العليا, بتصحيح المسار وخدمة الشعب, دخلت الأجندة الإرهابية, بدعم خليجي ومباركة غربية, فدخل تنظيم داعش المجرم, بعد إجهاض عمل منظمة القاعدة, فحزم أغلب الساسة حقائبهم استعداداً للهرب, فهب أبناء الجنوب العراقي, بفتوىً من المرجعية العليا, فصنعوا أكبر ملحمة بالتأريخ, بتحرير المناطق التي سيطر عليها تنظيم داعش.

لم يقدر ساسة الفساد, تلك التضحيات مستخفين بالدماء الزكية, ليستغلوا اسم الحشد الشعبي, في دعاياتهم الانتخابية, في حين وصل الفساد لحدٍ لا يطاق, فإهمال الشركات والمصانع, والكفاءات البشرية من الشهادات العليا, بدت طافية على السطح, لتخنق كل من يطلع عليها, لتدخل أجندات الصراع الدولي, مستغلة تلك الإخفاقات السياسية, عن طريق تظاهرات مطالبة, بالحقوق المسلوبة بظاهرها, وفي داخلها حرب أمريكية إيرانية على أرض العراق.

شبابٌ تجمعوا بيوم وتوقيتٍ معلوم, بعد تحشيدٍ فيسبوكي دام أكثر من شهرين, في حين كانت الأغلبية السياسية, تتصارع على المناصب ومغانمها, تاركين الأيادي الخفية, تتلاعب بمشاعر الشعب المظلوم, لتتفاجأ الحكومة بفقدانها السيطرة, وما زاد الطين بلة, تلك التصريحات, التي تراوحت ما بين متهجم على المتظاهرين, الذين بدت تظاهراتهم سلمية, وما بين متنصلٍ من المسؤولية!

اتسعت رقعة التظاهر, ليدخل جنوب العراق ضمن المخطط, وسط تأييد المرجعية للتظاهر السلمي, والحفاظ على الأموال العامة والخاصة, لتظهر مجاميع من المندسين, فقامت بقتل بعض المتظاهرين تارة, وسط تبريرات حكومية مربكة, ما سمح للأجندات الخارجية, إختراق خط التظاهرات الحقيقية فتحرف مسارها, لتعمل من الجنوب, بعمليات حرق بعض الدوائر الحكومية, ومقرات بعض الأحزاب وترك أخرى, للعمل على حرب أهلية( شيعية شيعية.)

قامت الحكومة والبرلمان, بقرارات وتعديل قوانين, تحت الضغط المتصاعد, من أجل تحجيم تلك التظاهرات, لتتحول المطالب من المطالبة بالتعيين والخدمات, إلى المطالبة بتغيير النظام, استقالات وتبديل وزاري, لم يفضي لتهدئة الوضع الملتهب, خلطت الأوراق وسالت دماءٌ زكية, ولم يبق مجالٌ للتنبؤ, بما سيؤول له مستقبل العراق.

هل تستطيع الأحزاب التي فقد مصداقيتها, على تهدئة المواطنين, بعد كل الفشل والفساد؟ من الذي يستطيع السيطرة, على شعب هاج بسبب الفشل لستة عشر عام, ليخرج دون قيادة واضحة المعالم؟ تجاهلت التظاهرات دولاً إقليمية, دعمت الإرهاب منذ الوهلة الأولى, لتستهدف دولة ساهمت بردع الإرهاب, لتحترق القنصليات الإيرانية فقط.

جعلوا من أبناء الملحة, رأس الحربة كونهم هم من حرروا الأرض؛ وصانوا العِرض ولم ينالوا حقوقهم, فلا زالوا هم الحطب, لكل من يريد إحراق العراق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here