رحيل الغزيين ” خلاص أم بطانة لنكبة”..هل نرحل لأننا مضطرون أم مخيرون؟؟

على قصر السؤال، إلا أنه يحمل بين دفتيه أبعد من تفسير الرحيل بفعل يقوم به فرد أو جماعة. في قصة رحيل الفلسطينين كانت هجرة أولى أٌرخت بعام 1948م . القوة العسكرية كانت عاملا مساعدا جنبا إلى جنب مع التكيتك النفسي استنادا على ما رواه المؤرخ عارف العارف في مجلداته النكبة، وحسب ما جاء في الموسوعة الفلسطينية1. أُخرج الفلسطيني من دياره جزعا مم سمع من تنكيل ،إعدام جمعي ومذابح في القرى المجاورة. هاجروا، قطاع غزة كان وجهة المهاجرين أنذاك من القضاءات القريبة.

اليوم الفلسطيني في غزة لاجئا كان أم مواطنا يواجه ما هو أعتى من الحرب النفسية والعسكرية، ما يدفعه إلى محاولة مجابهة التاريخ. السؤال الذي يطرح في هذا الصدد، هي يستطيع المواطن في غزة الذي يحاول أن ينجو بمقاومة كل عوامل الموت التي يتصدرها الاحتلال من جانب، وتعجز الأحزاب عن صدها، بإعادة صياغة التاريخ بخروجه من المدينة ؟ أو هو ” إخراج آخر” يُدبره ذات الأول تحت عباءات تتماهي مع الصراع الفلسطيني الداخلي؟

الكاتبة الصُحفية أسماء الغول في مقال2 عن غربتها ورحيلها إلى فرنسا برغم اعترافها أن غزة “أعطتني سعادة التأثير وسبب الحياة”. تشير في مقدمة مقالها” أردت أن أنجو بذاتي عبر الخلاص الفرديّ، بعد أن عشت على أرضها عمرًا من أجل خلاص جماعيّ”. على ذات الغرار الإعلامية إسراء المدلل والناطق باسم حكومة غزة سابقا ” رحلت لأني أريد أن أنجو بنفسي، رحلت لأني أبحث عن خلاص فكري”. لكن الغزيون يرحلون جمعا وليس فرادى. وهذا ما نشرته صحيفة هاريتس3 الاسرائيلية في تقرير لها منوهة ما يقارب 35 ألف فسلطينيا غادر غزة بلا نية للعودة عام 2018. أشار التقرير أن غالبية المغادرين من النخبة الشابة المتعلمة ، ورصد أن قرابة 150 طبيبا غادروا القطاع. منهم الدكتور بهاء عطالله على الرغم من تأكيده الخروج طواعية مُرجعا السبب وراء الرحيل الدراسة. على الوجه الآخر يقول” لن أعود إليها، ربما قد أفكر بزيارات متقطعة” .

تفريغ المجتمع من المحتوى الفكري، يودي إلى جماعات يَسهُل تَعبِئتُها ، ربما قد يكون الاحتلال وضع حماس في خانة اليك. المحاضر والحقوقي في جماعة الأزهر محمد أبو هاشم ” حكومة حماس تريد جماعات مغيبة تقودها”. بعد أن كانت غزة الوجهة،هل يواجه الفلسطيني وخاصة الغزي نكبة مَخفية ببطانة العجز الوطني؟

المدلل التي قالت ” أنا أقبل العيش بنصفين، نصف هناك في غزة ونصف هنا في اسطنبول”، هذا بعد أن وصفت غزة بأنها الرجل الذي لا تريد أن تستظل به”. مضيفة ” أنا لم أقبل أن أرتدي عباءة أبي دكتور العلوم السياسة، ولا حكومة ظلمتني بتركي وحيدة أحمل لواء يفوق عُمر أعوامي التي كُنتها عندما تقلدتُه”. ليس بعيدا عنها أبو سلامة الذي اعُتقل لدى ذات الحركة عدة مرات يصف تجربته مع الحكومة” لقد مررت على كل غرف المُعتقل عند حركة حماس، حتى أني مازحتهم مرة بطلبي إِدخالي غرفة جديدة لأًشغل الوقت بقراءة الجدران.

أبو هاشم يصف هذا بالغباء السياسي الذي يُسهم في إخراج الشباب من حجور ديارهم، إلى غربة قد تكون أحن حتى لو كانت نبوءة موت لبعض المهاجرين. واصفا أن الفصائل السياسية المتصدرة المشهد بسياساتها غير الواعية تدعم باتجاه تصريحات ورغبة حكومة الاحتلال الإسرئيلي بدعم هجرة الغزيين، ودعوتها لفتح مطاراتها لتسهيل هجرتهم.

مما يمكن تسليط الضوء عليه أن بعد الانسحاب الاسرائيلي من الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة عام 2005، بدأ تصاعديا يتأزم الوضع كافة إلا أن وصل الشأن إلى الانسحاب الفلسطيني بمصطلحات الهجرة واللجوء، فهل هي ردة عكسية ممنهجة ، تدفع العقل الباطن اللاوعي لمغادرة مربع تشير كل الاحصاءيات لانعدام الحياة الحيوية فيه؟ أم هو تكتيك لهجرة ثانية ؟

أبو هاشم يُصنف الهجرة والعودة إلى مرحلتين. المرحلة الأولى مع عودة السلطة الفلسطينة عام 1994 وحتى عام 2000، حيث كان يدفع الفلسطيني المال للعودة إلى الوطن. يؤكد شغف الفلسطيني أنذاك بحلم العودة كفلسطيني من العائدين. أما المرحلة الثانية ما بعد 2000 التي تزامت مع اندلاع الانتفاضة الثانية حيث بدأت تطفو على السطح هذه الفكرة باتجاه عكسي، ووُجهت بعدم القبول نسبيا وخاصة أن الوضع الاقتصادي لم يكن مترحنا على حد الهاوية كما هو الآن عدم. يُضيف أن التصاعد المستطرد في قبول الفلسطيني من غزة لهذه الفكرة بل وتمويلها ابتدأ مع تولي حركة حماس الحكم في غزة.

في الوقت الذي تشير المدلل أنها تريد الانسلاخ عن فكرة المدينة والمكان ” ابنتي مريم في غزة، لكنني لا أريد التحدث عنها، غزة لم تريني أي وجه آخر كان يدفعني للبقاء”. الغول حبذت أن تعطي طفلها حياة لا ترصد الخوف بكل نفس يستنشقه. أما الناشط السياسي و الحقوقي ماجد أبو سلامة فهو يوافق اسراء الرأي ” لم يعد هناك ما أعيشه في غزة، أخذت مني كل ما يمكن أن يعطى. هذه الجمل الأكثر الرومانسية في تبرير الرحيل، لكن الجانب غير الرومانسي يكمن في قصص خدشت أرواحهم، فكلهم ناجون من الحرب ” العدوان”

الحقوقي أبو هاشم له رأي خاص من وحي تجربته والانخراط في مع كافة الشرائح المجتمعية من خلال المنظمات الحقوقية. يشدد أن الشباب يهاجر بسبب وصول الوضع الاقتصادي إلى الحلقوم. هو المحرك الأول لتدافع الشباب للرحيل غير الآمن. أما على مستوى العائلات فيجتمع سببان: أولهما انعدام الأفق، وثانيهما البحث عن الأمن. الوضع الاقتصادي عاملا لا يمكن تجاهله، خاصة بعد تدمير البنى التحتية وأساسيات أدنى مستوى العيش بعد العدوانات والتصعيد العسكري المتكرر على غزة، واستمرارالحصار .إضافة إلى إعلان قطع المساعدات الأمريكية، وما تلاه من شح في المساعدات مع الحقيقة التي تشير أن غالبية المجتمع الغزي يعتمد على هذه المساعدات. على جانب آخر أبوسلامة يخالف الباحث أبو هاشم الرأي في أن الوضع الاقتصادي المبرر الذي يدفع الشباب للمغادرة قائلا” نريد أن نكون أحرارا”.

تتعدد الأسباب، وقد يُختلف عن جهورها. لكن المؤكد أن ثلة من الشباب قد نفض عنه أعقاب المدينة ورحل أيا كان اللفظ الأكثر دقة الذي قد يستخدم للوصف. على الرغم من أن غزة وَلادَة، لكن يبقى السؤال هل هي نكبة غير معلنة ، تدفع ما بقي من الفلسطينين إلى حمل أثقال ” لاجئ” بعيدا عن مرمى عين موطن أًذاب فيهم صورة مفتاح العودة المعلق على شرفات الحنين؟
مراد سامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here