الكرسي حزبنا!!

مجتمعاتنا أصابها الخسران على مدى قرن تشامخت فيه الأوطان , وتسامقت بعطاءاتها وإبداعاتها وأنظمتها المحفزة لطاقات الإنسان, فأنجزت مشاريعها الحضارية , وجسدت غاياتها الإقتدارية , في مجالات الحياة الإبداعية.

وعلة إنكسارنا وتخبطنا , أننا لاننتمي لحزب أو عقيدة أو مذهب أو فكرة , ولا نملك غاية أو هدفا , وإنما إختصرنا كل ذلك وأكثر بكلمة واحدة , وما أدراك ما هي , إنها مفردة “الكرسي” البغيضة , مفتاح الويلات والتداعيات , وإنفراط عقد الألفة الوطنية والمحبة والأخوة والرحمة والتفاعلات الآدمية.

الكرسي حزبنا , وهويتنا , وذاتنا , وعقلنا , وشخصيتنا , ورغباتنا , وشراع مسيرة أمّارة الأسوء التي تتحكم فينا.

فالذي يتصور بأن في مجتمعاتنا أحزاب وسياسات , فأنه واهم وسكران!!

فلا يوجد عندنا إلا حزب الكرسي , وأي حزب يدّعي ما يدّعيه من الشعارات والمنطلقات والأهداف والنظريات , لكنه في جوهره , لا يعرف شيئا سوى التعبير عن إرادة الكرسي , ولهذا فأن جميع الأحزاب قد تآكلت وانهزمت وتحطمت , لأنها إتخذت من الكرسي إماما لها , فاستعبدها وأذاقها سوء المصير , ولا تزال دائرة الكرسي تدور , ولا مَن يتعلم ويتفهم ويرتقي برؤيته إلى آفاق الوطن والمجتمع والحاضر والمستقبل , ويعي العوامل التأريخية والحضارية اللازمة لصناعة الحياة الأفضل , وإرساء دعائم الإنطلاق الإنساني الواضح الواثق المتفاعل بإيجابية مع عناصر المكان والزمان.

فالكرسي هو الحزب وهو القائد والمرشد وجميع المدعين بالسياسة عبيد للكرسي , فإرادتهم مصادرة وكل ما يقومون به هو تنفيذ أوامر سيادة الكرسي , حتى تجدهم في كراسيهم يحترقون.

لا جديد في التذكير بالموضوع , ولا يمكن للمأسور بالكرسي أن يعي هذا القول , لأنه يحسبه عدوانا عليه , فالكرسي يتسبب بعماء البصر والبصيرة , ويجعل الجالس عليه يعيش في عالم الأوهام منقطعا عن واقعه , فهو لا يتحسس الأرضية التي تستند عليها قوائم الكرسي , لأن ما في الكرسي يحلق فيه فوق غيوم دكناء تحجبه عن رؤية ما تحته , وتأمره بالنظر التوحدي نحو بقعة سوداء في أفق النهايات المريرة.

فتحية لأحزاب الكراسي التي جنت وتجني على نفسها وأهلها , وتخرب وطنها وترمي بمصيرها في مهاوي الإتلاف والضياع.

وكلٌّ بكراسيهم فرحون , ولكن إلى حين , وهكذا هي تدور , بلا عظة وترشد وتفهم وحضور!!

ومالك الشيئ لا يعطيه , وبينه وبين فقدانه أنهار دمٍ , وتدمير وطن وشعب , ويبقى الحبل على الجرار , وناعور الويلات والمآسي يدور , فلا فرق عندهم ما بين النار والنور!!

د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here