رؤية سريعة لحلم الدولة العراقية الحديثة

د خليل الزبيدي

كثيرة هي التحديات التي واجهت الدولة العراقية منذ تأسيسها ولحد الان ،ولايختلف احد معي في خطورة تلك التحديات وتداعياتها وافرازاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية على الشعب العراقي والتي أثرت سلباً على سير عجلة التنمية والتطوير والمواكبة مع الامم الاخرى . ولتحديد معوقات النهوض بالدولة العراقية أعتقد جازماً في ان اخطر تحدٍ قد واجه العراق يتمثل في الفترة التي أعقبت سقوط نظام البعث وقيام الجمهورية العراقية الرابعة ، بسبب ما شهدتهٰ هذه الفترة من انهيار تام للنظام المؤسساتي والذي تسبب بإنفلات امني كبير قاد الى غياب هيبة الدولة وضياع سلطة القانون مما أشاع الفساد حتى اصبح ثقافة متأصلة في المجتمع ، واطلق العنان للاحزاب الاسلامية في أن تهيمن وتسيطر على كل مقدرات البلد وخيراته وان تستعبد الشعب المغلوب على أمره من خلال اجنحتها المسلحة وفصائلها العسكرية وادواتها المزروعة في كل مؤسسات الدولة واستحواذها على المناصب الرفيعة في كل الوزارات والمحافظات

. وادراكاً من الجيل الجديد بخطورة هذه المرحلة العصيبة من عمر الدولة العراقية وبهدف استعادة الوطن المغيب الذي أضاعته الاحزاب الاسلامية بفشلها الذريع والمخزي في ادارة امور البلاد ، كان نداء الشباب صادقًا وواعيًا ومدركًا لحتمية النهوض ومواجهة التحديات التي يمر بها الشعب العراقي منذ ستة عشر عاما ً خلت . فاليوم على الطبقة السياسية المتنفذة برمتها أن تعي بأن الجماهير بارادتها القوية قد ألزمتهم بجملة من المطالب الشرعية الغير قابلة للتفاوض ، وما مطلوب هو السير وفق خارطة طريق واضحة المعالم لتنفيذ تلك المطالب وتلبية رغبتها في وضع الدولة على المسار الصحيح والنهوض من جديد .

ماهو المطلوب لبناء الدولة التي ننشدها ؟؟؟

أن أية حلول ترقيعية اليوم لا تلامس هموم المواطن ولا تتماشى مع بناء الدولة سوف تكون حلولا ً آنية لا تبني دولة ولا تحقق الإستقرار والتنمية وستظل الدولة رهينةً للأطماع والتدخلات الاقليمية .

ان اطلاق مشروع الدولة الحديثة يجب ان يحظى بتفاعل كل المخلصين من ابناء هذا الوطن الواحد على اختلاف مكوناتهم واتجاهاتهم، فهو الاساس في حماية وبناء الدولة لتكون الحصن الضامن للوحدة الوطنية التي ترسخ معها قيم المواطنة ومقومات وثوابت أمنه واستقراره وتنميته وتطوره ولتحافظ على عزته وكرامته، وهذا لن يتأتى إلا من خلال إيجاد دولة قوية عادلة أثبتت الأيام والحقائق التاريخية أن لا سبيل لتحقيق ذلك في ظل دولة ضعيفة مسلوبة القرار تقوم على التبعية وتقاسم السلطة.

لذا فإننا اليوم بأمس الحاجة الى رؤية وطنية للتعبير عن بناء الدولة بما يحمله معنى البناء من مبادئ وقيم وطنية خالصة تتضمن الإصلاح والتطوير في كل مفاصلها ، ومن خلال هذه الرؤية ننشد ونتطلع إلى بناء الدولة العراقية الموحدة والقوية ذات المؤسسات الكفؤة العادلة، والقادرة على تأدية وظائفها الأساسية وتقديم الخدمات للمواطنين بما يكفل كرامتهم وحقوقهم، تكون السيادة فيها للقانون فقط ، من واجباتها إدارة وتنسيق الجهود والموارد، وتذليل كل الصعاب من أجل تحقيق أقصى حد ممكن من العيش الكريم لمواطنيها.

سيادة القانون هو عنوان الدولة العراقية الحديثة، ومفردات هذا القانون هو مضمونها وهي مفردات تقاس بمدى صيانتها لحقوق الإنسان وحرياته، وفي هذا السياق اود ان أركز على أن منهج الدولة الحديثة سيكون تطبيق العدالة بين الناس، وتوفير أعلى سقف ممكن من الحريات وحمايتها بما لا يستخدم ضد الوطن والمصلحة الوطنية العليا أو يخدم الأعداء المتربصين شراً بالعراق .

إنَّ دولة المؤسسات ستحقق العدل والأمن، وتوفر الاستقرار السياسي والتنمية من خلال تشريعاتها وقوانينها وصدق التوجه والإيمان به، وستكون بيئة حاضنة وضامنة لتحقيق شروط النهضة من خلال مؤسسات وتشريعات لا تتأثر وظيفتها بتداول السلطة ولا بتغير الحكام، وما نصبو إليه هو مؤسسات قوية شفافة ، مع ضمان تكاملها وتأمين وظائفها بما يحقق التناغم والانسجام في الأداء.

كما إن من أولويات مهام الدولة الحديثة الحفاظ على استقلالية العراق وسيادته ووحدته من أي هيمنة أو وصاية أو تبعية أو احتلال، وبناء علاقات متكافئة مع الدول العربية والإسلامية وكل دول العالم دون استثناء على أساس المصالح والمنافع المشتركة، ملتزمين بكل الواجبات تجاه المحافل الدولية ،

فنجاح الرؤية الوطنية لبناء الدولة الحديثة هو تحدٍ كبير وخطير وله أثمان باهضة على المستويين المحلي والأقليمي ، وهذا يتطلب منا جميعًا استنهاض طاقاتنا و قوانا الذاتية بآفاقها العظيمة لخوض معركة التحدي دفاعًا عن بناء الدولة العراقية الحديثة وسيادتها.

كما لا يمكن للدولة أن تستقر وللتنمية أن تزدهر ما لم تكن محاربة الفساد على رأس أولوياتها، فمواجهة آفة الفساد تتطلب وعيًا كبيرًا بخطورة الفساد والمفسدين الذين جعلوا وزارات الدولة ومؤسساتها مسرحًا لثقافة الفساد المالي والإداري .

لقد ظلت الدعوة لبناء الدولة التي نحلم بها لعقود من الزمن مجرد شعارات ترفع دون أن تتحول إلى أهداف وواقع نعيشه ونلمسه أما اليوم فالإرادة الشبابية تقف بكل قوة خلف هذا المشروع الذي ينبغي أن يتحول إلى واقع ، ليكون نقطة تحول مضيئة نحو المستقبل تستقطب كل الوطنيين والاحرار .

إن العمل وفق هذه الرؤية الوطنية بإرادة وعزم يضع العراق على الطريق القويم نحو المستقبل المشرق، وذلك كفيل بإيجاد موطئ قدم ثابت وراسخ للعراق في المنطقة والعالم فلتتكاتف كل الجهود المخلصة لهذا الوطن للبدء في التأسيس الصحيح لبناء دولتنا الجديدة .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here