التربية على الحرية في الأزمنة الحديثة

د زهير الخويلدي

استهلال:

” كل عبد له في يديه القدرة على كسر سلاسله” – وليام شكسبير-

لو لم تكن فكرة الحرية في المركز، فهي على الأقل واحدة من النقاط الجوهرية التي تدور عليها الفلسفة منذ القديم ولقد زاد ذلك كثيرا في الأزمنة الحديثة وعصر الأنوار ووقت الثورة العلمية والصناعية. أما اليوم فهي تعبر عن عدة طموحات مختلطة وتلخص الكثير من أحلام اليقظة والتطلعات الشبابية الواعدة.

قد يرفض أحدهم تمتع الآخرين بها ويؤثر بقائهم في العبودية لكي يحتكرها لذاته ويتمتع بفضائلها لنفسه ولكنها ترفض ذلك وبدل أن يمتلكها تقوم هي بامتلاكه وتنتقل عدواها إلى غيره وتفيض على العالم بأسره. إذا كانت فكرة الحرية تتضمن كفايتها الذاتية وتملك القدرة على التحديد الذاتي فإن العبودية لو قلبناها كما هي في المسار التاريخي والحالة الاجتماعية يمكن الوعي بها والانقلاب عليها ونفيها وتحويلها إلى حرية.

بيد أن المشكل الفلسفي الذي يطرح لا يتعلق بمسألة الحرية بقدر ما يثار ضمن الدروب التي تكتسب فيها وبالتالي يجدر الابتعاد عن الخلط بين الحرية وغياب الإكراه وانتفاء الضغوطات وزوال الموانع والعقبات وتحريك الوعي حول معنى الحرية في الوجود الإنساني والغوص في العمق الذي ترتكز عليه وتتبع تحول الجدلية التي تتشكل بمقتضاها ووصف الظهور المرئي للأحرار في الأشكال الكبرى والصور اللامعة.

هكذا تظل الحرية تتأرجح بين غياب الإكراه الخارجي والتحديد الباطني من جهة واختراق الحد المسموح به وتخطي العتبات المرسومة وفق قدرات الملكات البشرية واستعمال الحرية لكي يتم التخلي عن الحرية.

لو أردنا اختزال الموضوع بوضوح أكبر حول القسمة السهلة بين التصورات المتعارضة حول الحرية فإنه يمكننا أن نعارض بين اتجاهين كبيرين: الاتجاه الأول يقر بوجود تطابق بين الوعي الحر والطبيعة العليا، والاتجاه الثاني يقوم بالانقطاع والتعالي الذي يميز الحرية عن كل طبيعة واقعية أو ممكنة. فماهي العلاقة بين الطبيعة والحرية؟ وهل يتناقض القول بطبيعة الكائن والكائن الطبيعي مع مطلب الحرية؟

لعل التفكير في شيء معين على أنه موضوع يعني تحديده بصورة طبيعية وبالتالي تمثل الطبيعة بالأساس نظاما من التحديدات للأشياء والمواضيع ويتعلق الأمر بالتسجيل القبلي لنظام الأشياء في نظام الفكر الإلهي ضمن جبرية لاهوتية ولكن يمكن أن يتعلق من جهة أخرى بالضرورة المنطقية وبالسببية الطبيعية.

لكي نفهم العالم يجب أن نفترض مبدءا تحديديا، فإذا كان العالم مفهوما ألا تصبح الحرية غير مفهومة؟

لو كان العالم مفهوما لكانت الحرية مشكلا ولو رفضنا القول بالحتمية الكونية فإن الحرية نفسها تفقد معناها: ليس من خلال افتراض أن الإرادة هي سبب وجود ما نريده ونختاره وإنما أيضا لأننا دون افتراض سلسلة من الأسباب الضرورية في الطبيعة فإنه يتعذر علينا رؤية تتابع الأشياء من بعضها البعض ولزوم شيء معين من شيء آخر نريده. فما يجعلنا أحرار بهذا المعنى هو معرفة السلسلة السببية الطبيعية لكن إذا كانت هناك سلسلة سببية طبيعية فإن ما يقع يترتب منها ويصدر عنها ، أما معرفة كيف تكون الحرية ممكنا فإنه يعود إلى معرفة كيف ننزل الإرادة ضمنها وبالمقارنة مع الأسباب المولدة لها.

هناك عدة حلول قدمها الفلاسفة حول هذه المشكلة:

– القبول بأن نظام الطبيعة ليس هو نفسه ضروريا بل حادثا وجائزا ويمكن للأشياء أن تحدث من ذاتها دون علة ضرورية ويمكن أن تحدث من شيء آخر .

– القبول بأن نظام العالم ضروري وبأن الأفعال الإنسانية تنتمي إلى الطبيعة وبأن ما يحدث لنا تابع لنظام الطبيعة وأننا لا نقدر على أي شيء بخلاف ذلك.

– القبول بأن نظام العالم هو ضروري وأن الإرادة الإنسانية تمثل جزء من هذا النظام وبالتالي فهي ليست سببا حرا بل نحن نريد هذا الشيء بدل ذاك وفق شرط محدد ولا نقدر على إرادة أي شيء.

– وجود ضرورة كونية تحكم الكون وبالتالي امتناع وجود الحرية الإنسانية بما أن الرغبة تتفوق على الاستطاعة.

– إمكانية قبول القوانين التي تتحكم في الطبيعة ومحاولة تكييف ميول الطبيعة البشرية والأهواء مع هذه القوانين وتفادي التناقض بين المنشود الإنساني والموجود الواقعي.

ألم يقل ديكارت:” من الأحسن تغيير رغبات بدل نظام العالم”1[1]. هكذا تطرح الحرية دوما مشكلا أنطولوجيا ولا يمكن حله إلا بافتراض انتماء الإرادة إلى نظام مغاير لنظام الطبيعة وغير خاضعة للقوانين الطبيعية والاستنجاد بفكرة الذات التي برزت في الفلسفة الحديثة. لكن حريتنا في العالم لا يمكن التفكير فيها خارج علاقتنا بالنظام الطبيعي بما أن حركاتنا مرتبطة به وبالتالي تعود الصعوبة بالظهور مجددا ولقد تفطن إلى ذلك ديكارت عندما عرف الجوهر المفكر ضمن الحرية اللاّمتناهية ولكنه أخفق في التفكير في علاقة الفكر بالمادة وبقيت المشكلة عند كانط الذي سيجعل من الذات الحرة شرط وجود القانون الأخلاقي.

يمكن التطرق إلى جدلية الحركة الحرة ، وأشكال الحرية والحرية الملتزمة ، والحرية من حيث مشروع وجود ولكن هل يمكن الاعتقاد كما ترى الفلسفة الريبية الحديثة بأن تكون الشعور بالحرية مجرد وهم؟

فكرة الحرية عند هيوم:

“الانفعال هي وجود بدئي أو ، إذا أردت ، وضع بدئي للوجود”

يعتبر دافيد هيوم الحرية مجرد فكرة مختلقة وغير لازمة ويقول بوهم الحرية. كما أن التعارض بين الحرية والضرورة ليس سوى عبارة عن الفتور واللامبالاة في الانتقال من فكرة إلى أخرى والإحساس بأن أفعالنا ناتجة عن إرادتنا واستخلاصها من بواعث هو مجرد تكرار وخلط بين ظواهر متشابهة.

ضرورة الفعل ليست خاصية الفاعل وإنما خاصية الكائن الذكي الذي يستنتج الفعل من الظواهر السابقة. إن الإرادة الإنسانية التي لا تخضع لأي شيء وتتحرك في جميع الاتجاهات تنتج صورة سلبية عن نفسها.

فالحرية الخيالية هي الحركة الواقعية التي تتشكل في الرغبة العجيبة في إثبات أن الفاعل هو باعث الفعل.

في هذا السياق يثني هيوم على الاعتقاد بقوله:” الاعتقاد ليس سوى كائن أكثر حيوية وأكثر حياة وأقوى وأكثر حزما وأكثر استقرارا من ما يمكن أن يحققه الخيال وحده.” ويضيف “ليس من العسير تفضيل تدمير العالم بأسره على خدش إصبعي”ولكنه ينقد السببية بهذا التصريح:” تأتي أفكار السبب والنتيجة من تجربة تُعلمنا أن مثل هذه الأشياء المعينة، في جميع الحالات الماضية ، قد تم دمجها مع الآخرين؛ عندما ننتقل من انطباع كائن ما إلى فكرة أخرى ، فإننا مصممون ليس عن طريق السبب، ولكن عن طريق التعود أو مبدأ الارتباط”2[2]، فهل يؤدي هذا النقد الريبي لفكرة السببية إلى الإقرار بوجود الحرية الفيزيائية؟

فكرة الحرية عند روسو:

” الحرية هي أقل ما تفعل إرادة الفرد من عدم الخضوع لإرادة الآخرين.”

يتناول روسو الحرية في إطار علاقتها بالعبودية ويصرح:” لا يمكن أن يكون المواطن حرا تماما إلا إذا كان العبد عبدا إلى أبعد حد” و”لا يستطيع المرء أن يحافظ على حريته إلا على حساب حرية غيره”

في كتاب العقد الاجتماعي يعود روسو إلى الإغريق ويقسمهم إلى أسياد يفعلون بأنفسهم ما يردون ، يعيشون في منطقة هادئة ويجتمعون في الساحة العامة ويقررون ما يتفقون عليه، في حين أن العبيد محرومين من هذه الامتيازات ويعيشون في مناخ قاس ووضعية بائسة ويتعذر عليهم الإقامة في الساحة العامة ونادرا ما يستعملون لسانهم ويقوم بأشغالهم ويعطون قيمة كبيرة لكسب قوتهم أكثر من حريتهم ويخافون من الحرمان والعوز أكثر من خوفهم من البقاء في حالة العبودية. بهذا المعنى كان الشغل الشاغل هو الحرية ولا تبقى الحرية على ماهي عليه بعيدة المنال إلا بفضل العبودية وتأخر وعي العبيد بأهميتها.

ان الطاغية لا يضمن لرعاياه الطمأنينة المدنية لأانه يرضي دوما طموحه وجشعه اللامحدود واستعماله للقوة في حل الخلافات يجلب له الحروب وتتكاثر حوله الفتن وتتحول حياة الرعايا الى حياة بائسة وجحيم.

بينما في الشعوب الحديثة عرفت نهاية العبودية بالمعنى القديم وبداية عهد الشعوب الحرة وصار الإنسان يدافع على اختيار حرية غيره من خلال الديمقراطية التمثيلية ومنح ثقته لعدد من النواب في البرلمان[3].

من هذا المنطلق يميز روسو بين الحرية الطبيعية التي يحصل عليها الشخص عندما يعثر على شكل من التجمع البشري يدافع ويحمي بكل القوة الموحدة عن خيراته والحرية القانونية المدنية التي يحصل عليها عن طريق المواضعة ومن خلال إبرام ميثاق اجتماعي يقوم بمقتضاه كل شخص بتذويب كل حقوقه لفائدة المصلحة المشتركة بشرط أن ترجع له كل حقوقه الأولى وأن تضمن له كل حقوقه التي اكتسبها بالقانون.

هكذا ينقد روسو الحرية الطبيعية ويرى بأن الإنسان يستمد قيمته كذات حرة وأن التنازل عن الحرية تحت أي سبب أو عنوان يؤدي إلى التنازل عن الإنسانية والى فقدان القيمة التي منحت له وخلع الكرامة البشرية وفي هذا السياق يصرح في العقد الاجتماعي :” إن تخلي المرء عن حريته يعني تخليه عن طبيعته كانسان وعن حقوق الإنسانية جمعاء بل وعن واجباته وليس هناك تعويض ممكن لمن تخلى عن كل شيء”4[4].

على هذا الأساس التخلي عن الحرية يكرس الخضوع غير المحدود ويسلب الناس حقوقهم وإرادتهم ويجعلهم يسلمون ما بحوزتهم من ممتلكات لغيرهم وينزع الصفة الأخلاقية عنهم ويجعلهم غير ملزمين بأي شيء أو قيمة تجاه أي جهة أو إزاء أي شخص،ويمثل شرط بطلان العقد وتشكل السلطة المطلقة. يحدث الانتقال من حالة الطبيعة الى حالة التمدن بسبب العقد الاجتماعي تغييرا جذريا في الإنسان حيث يستبدل الغريزة بالعدالة في سلوكه ويضفي الطابع الأخلاقي على أفعاله ويفقد حريته الطبيعية التي لا تحدها سوى قوى الفرد وحقه اللامحدود في فعل ما يشاء ويربح حرية مدنية لا تحدها سوى الإرادة وملكية ما في حوزته ويربح الحرية الأخلاقية التي تجعله سيدا على نفسه ومتحررا من عبودية الشهوة5[5].

في هذا السياق يحدد روسو الحرية المدنية كما يلي: ” أما الامتثال للقانون الذي قمنا بتشريعه لأنفسنا فهو الحرية”، وبالتالي لا يرى وجود تعارض بين إرادة الفرد وإرادة العامة إذا ما تم احترام العقد الاجتماعي بين الشعب والسلطة السياسية المنبثة عنه في مستوى الحقوق والواجبات وتمتع المواطنين بمختلف حرياتهم الأساسية والمعنوية وتمكن الجميع من المشاركة في سن القوانين ووضع التشريعات المناسبة.

لكن استفاد كانط كثيرا من هذه الجهود الجبارة التي بذلها روسو في المجال القانوني والأنثربولوجي؟

فكرة الحرية عند كانط:

“الحرية هي مجموعة الحقوق التي لا يستطيع أي مجتمع عادي افتكاكها من أعضائه دون انتهاك العدالة والعقل. الحرية ليست حقًا ، إنها واجب. الحرية هي الحق في فعل ما تريد مع ما تملك”

يعبر كانط عن عدم ارتياحه للقول بأن بعض الشعوب لم تنضج من أجل منحها الحرية وينادي بتهيئة الناس لكي يمارسوا حريتهم الشرعية ويرى أنه يشبه من يقول بأننا لسنا ناضجين من أجل حرية الشعور ويعتبر أن المحاججة بهذه القولة يعني أن الحرية لن تتحقق أبدا ويكشف عن الدوران في حلقة مفرغة مفادها: أننا لا يمكن أن نكون ناضجين من أجل الحرية، إذا لم نكن مسبقا أحرارا ويجب أن نكون أحرار لكي نستطيع استخدام قوانا بشكل يخدم حريتنا”6[6].

كما تعاني الحرية من الكثير من العوائق بالنظر للخضوع لأوامر السلطة والاشتغال برعاية الغير ولذلك تظل المحاولات الأولى التي يبذلها الناس قاسية وخطيرة. على هذا النحو ينبغي أن يتحرر الناس من الظروف الصعبة والقيود الثلاث – الدولة والأسرة والكنيسة- التي تمنعهم من استعمال عقلهم بحرية لكي ينضجوا من أجل العقل ويقوموا بما يردون فعله ويعبروا عن قدرتهم على تحقيق مبدأ الحرية ويعلموا أن الله ذاته خلق الإنسان من أجل الحرية، فكيف يكون له الحق في إبعادها عنه؟

الإنسان الحر هو المواطن الفرد الذي يعيش في دولة مدنية يحكمها القانون وتسير مؤسساتها بشكل ديمقراطي ويقترح كانط في مقالة في البيداغوجيا7[7] تربية الإنسان على الحرية من خلال القواعد التالية:

– يجب أن نترك الطفل حرا منذ طفولته الأولى شريطة ألا يشكل عائقا أمام حرية الغير.

– عليه أن يتهذب لأنه لا يمكنه الوصول إلى غاياته إلا إذا ترك الآخرين يصلون إلى غاياتهم.

– نبرهن له أن الإكراه الذي فرضه عليه هدفه هو أن نجعله يستخدم حريته وأن نربيه لكي يستطيع أن يكون مستقلا حرا وأن يستغني عن اللجوء إلى الغير.

هكذا تساعدنا التربية على معرفة قياس قوتنا والحدود التي يفرضها علينا حق غيرنا وأننا لا نتمتع بأي امتياز. في هذا السياق يؤكد كانط في المجال الأخلاقي على أن الإرادة الحرة هي الإرادة الأخلاقية وعلى استقلالية الإرادة هي ميزة العقل العملي سواء في أسس ميتافيزيقا الأخلاق8[8] أو في نقد العقل العملي.

يبرهن على ذلك بالقول بأن حرية الإرادة هي التي تجعل الوعي بالقانون ممكنا وتجعله الإنسان يوافق ويتقبل المبادئ النظرية الخالصة على أنها ضرورة يفرضها عليه العقل وليست مستقاة من التجربة ولا مقيدة بإشباع الشهوة المباشرة ولا نتيجة تعرض للتهديد وتمسك بحب الحياة ، في هذا الإطار نراه يصرح: “انه بإمكانه فعل شيء ما لأنه يعي أنه يجب عليه القيام به ويتعرف أيضا بداخله على الحرية التي كانت ستظل مجهولة من طرفه لولا وجود القانون الأخلاقي”9[9].

فاذا كانت الضرورة خاصية الكائنات الطبيعية وإذا كانت الإرادة ترتبط بالعقل والحياة فإن الحرية السلبية موصولة بالاستقلال عن الأسباب الخارجية بينما الحرية الايجابية تكون سببية تعمل وفق قوانين ثابتة.

من هذا المنطلق” يمكن أن نعرف الحرية العملية بأنها استقلال الإرادة تجاه كل قانون ما عدا القانون الأخلاقي” كما ” يشتق مفهوم الحرية من الواجب الأخلاقي المشروط” و”مما لاشك فيه أن الحرية هي مبرر الوجود، انه شرط القانون الأخلاقي… إن القانون الأخلاقي هو ما يجعلنا نتعرف على الحرية”. ويضيف كانط أيضا: ” بالنسبة لي لا شيء مطلوب غير الحرية ، بمعناها الأكثر براءة ، أي تلك التي تقبل على استخدام علني للعقل في جميع الميادين”.

على هذا الأساس يقر كانط بوجود ضرورة في الظواهر وحرية في الجواهر. بطبيعة الحال الاستقلال هو قوام حرية الإرادة والخاصية التي تجعلها قاعدة نفسها واستقلال الإرادة هو المبدأ الوحيد لكل القوانين الأخلاقية والواجبات التي تتطابق معها وتتعارض أخلاقية الإرادة مع مبدأ الإجبار والتبعية لأن الإرادة الحرة والإرادة الخاضعة لقوانين أخلاقية هما في النهاية نفس الشيء”.

لكن لا يتوقف احترام القانون على الجانب المضموني وإنما يرتبط بالخصوص على الجانب الشكلي أي القاعدة. لكن كيف نرفع من درجة الحرية ونرد لها الاعتبار في الحياة اليومية؟ وماذا تفعل الحرية أمام سلطة المجتمع وفي مواجهة الفردانية؟ وهل تنحني أمام ضربات ضرورة التاريخ وتغترب في العالم الطبيعي؟ والى أي مدى يمكن أن تصمد الحرية بالمعنى الأخلاقي والتربوي أمام التحديات التي تتعرض لها من العنف السياسي وحيلة العقل ومكر التاريخ والقوى الطبيعية؟

خاتمة:

” ليس من الجيد أن تكون حرا جدًا. ليس من الجيد أن يكون لديك كل الضرورات” – باسكال-

لا يمكن البرهنة على حرية الاختيار وإنما يمكن اختبارها وممارستها في الحياة اليومية والفكرية وكل فلاسفة حرية الاختيار قد انطلقوا من مجرد وصف لتجارب نفسية أو أخلاقية كانوا قد مروا بها أو عاشوها، لقد أعلن ديكارت بأن “حرية إرادتنا تعرف دون حجج بواسطة التجربة التي نجريها وحدها” ويذكر لايبنتز بالشعور الداخلي القويsentiment vif interne بحرية الاختيار. أما برجسن فقد كشف عن الحرية في المعطيات المباشرة للشعور، في حين عثر عليها مين دي بران في الظاهرة الأولية fait primitif التي تتكون من تجربة الجهد العضلي. بالنسبة لديكارت نحن نقوم في وعينا بتجربة حرية الاختيار لامتناهية مثل تجربتنا اللامتناهية مع الله ونستطيع أن نرفض بالبداهة اي شيء يحول دون ظهور القدرة على حرية الاختيار وذلك لان قضية بديهية مثل أنا أفكر إذن أنا موجود تفرض التصديق وجوبا. ولكني أحوز دائما على الحرية على الامتناع عن تثمينها وعلى توجيه انتباهي إليها : أعتقد في ما أراه بوضوح وتميز بواسطة نور الذهن، ولكن لا أرى إلا ما أشاهده ولا أشاهد الا ما أريد. حتى بداهة الحق خاضعة لإرادتي الطيبة لانتباهي الحر”. غير أن هذا الرأي قابل للنقاش لأن تمرين الانتباه لا يبدو انته غير محدود لأن الإنسان لا ينتبه سوى لما يهمه ويمكنه أن يسحب انتباهه من موضوع هام بشكل مباشر ويحمله على موضوع مختلف يعيره اهتمامه بصورة مباشرة أو غير ذلك، ولا يمكن بالتالي عزل قدرة الانتباه عن سياق الحياة الذهنية الذي يحددها. فما علاقة الحرية بالتربية والتنوير؟

المصادر والمراجع:

Descartes René, Méditations métaphysiques, 1641. In Œuvres et lettres, édition Gallimard, collection la pléiade, Paris, 1953.

Hume )David(, enquête sur l’entendement humain, 1748, Traduit par M. Beyssade, édition GF, Paris,1983.

Rousseau Jean Jacques, Du contrat social, édition Garnier-Flammarion, Paris, 1966.

Rousseau J-J, Emile, direction de Bernard Gagnebin et Marcel Raymond, in Œuvres complètes, édition Gallimard (Pléiade), Paris, 1959-1995.

Rousseau J-J, discours sur l’origine de l’inégalité parmi les hommes, collection 10-18, union générale d’éditions, 1973.

Kant (Emmanuel), la religion dans les limites de simple raison. Edition de Laurent Galloi , Classiques Garnier, coll. « Textes de philosophie », Paris ,2015, 302 pages.

[1] Kant (Emmanuel), Traité de pédagogie. Traduction de J. Barni, revue et actualisée, introduction et notes par Pierre-José About, édition Hachette, Paris, 1981.

Kant (Emmanuel), fondements de métaphysique des mœurs, 1785, traduction de Victor Delbos, éditions les Echos du Maquis, juin 2013.

Kant (Emmanuel), critique de la raison pratique,1788, traduction Picavet, édition librairie Félix Alcan, 1921.

كاتب فلسفي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here