كيف نفهم الاخلاق بمعناها الو اسع ؟

*د. رضا العطار

لم يعد الانسان الحديث موجودا قلقا متهورا متبلدا فحسب بل لقد اصبح ايضا كائنا اخلاقيا سطحيا لا شئ يلهمه ولا شئ يمسه ولا شئ يحرك كوامن وجوده الباطني ! ومهما يكن من امر تلك الابتسامة السطحية التي قد نلقي بها الكثير من الاحداث والاشخاص فاننا مع الاسف الشديد لم نعد نفطن الى القيم الحقيقية للاشياء والاشخاص فلم يعد يستشعر اية دهشة او اي تعجب او اجلال! ولا شك ان الانزلاق على سطوح الاشياء يمثل اسلوبا سهلا من اساليب الحياة فليس من الغرابة في شئ ان نجد الانسان الحديث مرتاحا الى هذا الاسلوب السطحي من الاخلاق دون ان يفطن الى ما يكمن وراءه من (خواء باطني)

ليس عصرنا هو اول عصر من العصور التاريخية التي ظهرت فيه مثل هذه الاوضاع الحضارية الخطيرة ولكن من المؤكد ان هذه الضحالة في الاحساس بالقيم قد اقترنت دائما باعراض الضعف والانحلال ولا سبيل الى علاج هذا المرض، اللهم الا باستثارة ما لدى الانسان من قدرة على الدهشة من اجل دعوته الى رؤية القيم الاخلاقية والاحساس من ثراء الحياة

والحق ان رجل الاخلاق هو على النقيض تماما من الرجل المتهور او المتبلد، وقد كان القدماء يسمون (الحكيم) باسم الرجل العارف ولكنهم كانوا يعنون بالمعرفة هنا ب (الذوق) لهذا كان العارف عندهم هو الانسان صاحب الذوق – – – وليست مهمة فيلسوف الاخلاق سوى ان ياخذ بيد الانسان لمساعدته على استرداد تلك (الحاسة الاخلاقية) حتى يعاود النظر من جديد الى عالم الاشياء والاشخاص بعين نفاذة ترى (القيم) وتدرك (المعاني) وبذلك ينفتح امامه ذلك (العالم الروحاني) الذي اغلقه هو نفسه في وجه نفسه.

وليس خواء الحياة الخارجية للانسان ورتابتها سوى مجرد صدى لخواء حياته الباطنية ورتابتها. لقد استطاع الانسان ادراك كل ما تنطوي عليه الحياة من ثراء ولكننا سرعان ما نتحققق من انه لا زال علينا ان نرى الكثير ! ومن هنا فان الاخلاق تتجه دائما نحو المستقبل واثقة من انها لا بد مكتشفة فيما يستجد عليها من خبرات ومعان جديدة لم تكن بعد قد وقفت عليها – – – صحيح ان الاخلاق لا تستطيع ان تعزل نفسها عن المبادئ الخلقية القائمة بالفعل، كما انها لا تملك الحق في التنكر تماما لكل ما بين يديها من مثل عليا لها وجودها الحقيقي.

هي تعلمنا دائما كيف نوجه انتباهنا نحو العناصر الابداعية في الانسان مستعملة عامل التكهن والحدس، انها تدعونا الى التصرف في كل مناسبة وفقا لما يستدعيه الموقف الخاص بحيث يجيء تصرف الانسان بسلوكية اصيلة حديثة مبتكرة. – – – والحق انه لو كانت (القيمة الخلقية) في صميمها مجرد (عدم ازلي) لكانت الحياة البشرية باسرها لعبة تافهة لا طائل تحتها. ولأصبح العالم كله (واديا للدموع) وليس ايسر علينا بطبيعة الحال من ان ننكر على العالم كل (قيمة) لكي ننادي بالعبث واللامعقول.

وحين يقول بعض المفكرين ان (الامعقول) هو الكلمة الاخيرة في دراما الحياة البشرية، فانهم عندئذ يغلقون اعينهم حتى لا يشاركوا في ثراء الواقع بكل ما يحفل به من قيم. ولكن الحياة طافحة بالمعاني السامية والدلالات العظيمة وهي لم تنتظر ظهور هذا الانسان او ذاك حتى تصل من خلال افعاله – الى النور

والحق ان للاخلاق الفلسفية وظيفة ايجابية الى اعلى درجة لان واجبها تربي الاجيال – وهذا ما فطن اليه افلاطون قديما حين قال ان الاخلاق هي مربية الأنسانية بصفة عامة، ومعنى هذا ان الاخلاق تضطلع بمهمة المساهمة في ايقاظ الاحساس بالقيم لدى الانسان ولا بد ان يظل المربون الحقيقيون هم دائما (ملح الارض) – على حد تعبير المسيح-

• فلسفة مشكلة الحياة للدكتور زكريا ابراهيم – جامعة القاهرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here