للعاطلين عن العمل .. الحكومات لا تحل مشكلاتكم بالتعيين

في عام 2013 أسهمنا في إدارة ورش متخصصة هدفها اقتراح حلول لمعالجة البطالة لدى الشباب وتداعيات إبقاء هذا الموضوع بلا معالجات ، وقيل في حينها إن المجتمع في بلدنا يعرض سنويا ما لايقل عن 400 ألف من الشباب يفترض أن يدخلوا في أسواق العمل منهم 250 ألف من الراغبين والقادرين على العمل والإنتاج ، ولو كان هذا العرض خارج العراق لتم رعايته واستثماره لما يمثله من ثراء ونماء فالبلدان تضع الموارد البشرية كأغنى الثروات ، ولان اغلب القطاعات غير الحكومية غير منتجة ، فان 200 ألف من هذا العدد على الأقل يواجهون مشكلات من انعدام الدخل لان لهم احتياجات تحتاج إلى مدخولات لغرض الإنفاق على ابسط المتطلبات ، وفي نهاية الورشة خرجنا وزملائي بمجموعة من التوصيات أبرزها وجوب عدم ترك الشباب العاطلين في فراغ لما في ذلك من تأثير على المواطنة والانتماء ، فضلا عن التوصية بضرورة تفعيل القطاعات المنتجة ( الخاص ، المختلط ، التعاوني ) لكي تستوعب تلك الطاقات لان الوظيفة الحكومية ستكون قاصرة عن تلبية كل الطلبات ، كما تم التحذير من خطورة الهدر بالموارد البشرية لأنها من الثروات ، ولم يكن ذلك التحذير إعلاميا او إنشائيا وإنما جاء من خلال تحديد مجموعة من المسارات لزيادة طاقات الإنتاج بما يمكنها للاستفادة من مهارات وخبرات وقدرات عرض القوى العاملة في العراق ، وكما هو الحال لغيره من الحلول والمقترحات فقد وجد ان الجهات المعنية تصم آذانها عن تلك الدعوات وجعلت نفسها في وادي والعاطلون بواد آخر تفصلهما آلاف الأميال ، ومن باب المواطنة لا غير تم التنويه بان إبقاء الأمور بلا معالجة سيكون له ثمن بما في ذلك المس بالعروش العاجية التي يختبئ فيها بعض أصحاب القرار لأنها ستتعرض لما لا يحمد عقباه .

وفي العام التالي ( 2014 ) حصل ما حصل للعراق وصدر القرار ( التاريخي ) بشد الأحزمة على البطون وإيقاف التعيينات الحكومية وتحول هذا القرار إلى رفيق يتكرر في قوانين الموازنات الاتحادية للسنوات 2015 – 2019 ، وبذلك ارتفع عدد العاطلين إلى ما يحمد عقباه فعددهم يتجاوز المليون ومهما اتخذت الدولة من إجراءات ترقيعية فإنها ستبقى بحرج شديد والسبب إن فيها من يعتقد إن المعالجة تأتي من خلال التعيينات الحكومية ، كما إن الإجراءات المتخذة لتشغيل القطاعات الإنتاجية أثبتت فشلها الفظيع رغم خصوبة ارض العراق واعتدال المناخ وتوفر البنى التحتية والمواد الأولية ومصادر الطاقات وغيرها ، فشركات التراخيص الأجنبية تتحكم بثرواتنا المعول عليها بعيشة وإطعام السكان وتستعين بالعمالة الأجنبية ، ومسألة إعادة الاعتبار للصناعة والزراعة تتصف بالتنظير الذي ادخلها ردهات الإنعاش ، وبعد إنفاق قرابة 5 تريليون دينار لإيجاد وتطوير المشاريع الخاصة الصغيرة والمتوسطة ذهبت الأمنيات أدراج الرياح لأنها أوكلت إلى مصارف معروفة بأهدافها الربحية والمحاباة وبعضها غارق بالفساد ، وبسبب ضعف الحلول فان هناك أعدادا كبيرة من الشباب تجاوزت أعمارهم ال40 سنة وهم بلا أعمال وبعضهم أما يفترشوا البسطيات او إنهم يعملون بسيارات نقل الركاب بالأجر اليومي او دفع الأقساط وكثيرا من الشباب هجروا الشهادات والزراعة وغيرها واتجهوا صوب الشرطة والجيش لأنهم يتقاضون منها أعلى الأجور المتاحة التي تصل إلى ألف دولار في نهاية كل شهر ، والبعض الآخر استشعروا بهول المشكلة التي يمر بها بلدهم فالتحقوا في ساحات الاعتصام مطالبين بحقهم بالعمل من حكومة أعلنت عجزها واعتزالها وضع الحلول فراحوا يطالبون بتغيير ( النظام ) .

وان مشكلة البطالة في العراق او غيره من البلدان التي تعاني ذات المشكلة يلخصها أغنى رجل في الصين والذي تقدر ثروته ب39 مليار دولار ، قائلا ( لو وضعت نقود وموز أمام القرود فإن القرود ستختار الموز لأنهم لا يعرفون أن النقود تشتري موزاً أكثر ، ولو عملت نفس الشيء مع أغلب الناس وخيرتهم بين مشروع خاص وبين راتب شهري في وظيفة معينة لاختار الأغلبية الوظيفة الشهرية ، لأنهم لا يعرفون أن المشاريع تجلب نقوداً أكثر من الراتب الشهري وتغير الحياة تماماً من الأشياء التي تجعل الناس فقراء ، فالمشكلة اذن هي أنهم لم يتعلموا أن يروا الفرص التي تأتي من المشاريع لأنهم طوال حياتهم وهم يتعلمون في المدارس أن العمل دائما يكون من أجل الوظيفة الشهرية ، وتعلموا أنهم بدلا من أن يعملوا لأنفسهم سيعملون لدى الغير ، صحيح أن الراتب الشهري يمنعك من الفقر لكنه يمنعك من الغنى أيضا ، ولم أرى في حياتي شخص يعمل من 8 صباحا إلى 3 مساءً أصبح غنيا إلا إذا كان فاسداً ) .

والإدمان على الوظيفة الحكومية في بلدنا ليس وليد السنوات الماضية وإنما هو مترسخ منذ عقود ، فسابقا كان خريجو المعاهد والكليات يخضعون للتعيين المركزي من خلال وزارة التخطيط وكان بعض الشباب يتفنون في إيجاد الفرص للإفلات من التعيين الحكومي عندما كان القطاع الخاص والمختلط تتوفر فيهما بعض الإغراءات ، وبمرور الزمن ترهل القطاع الحكومي وأصبحت الوظيفة العامة عبئا على الموازنة الاتحادية لان عدد الموظفين أكثر من 4 ملايين وعدد المتقاعدين 3,5 مليون وعدد المشمولين بالرعاية الاجتماعية 1,5 مليون وعدد السكان 38 مليون ، والحكومات لم تعالج إدمان العاطلين على الوظيفة الحكومية لان أولوياتها تتغير وتتعقد يوما بعد يوم فهي لم تأخذ بما قدمه الناصحون لها من أصحاب الاختصاص بان تحول الإنفاق على الرواتب إلى استثمار لتشغيل وتحديث الصناعة والزراعة وغيرها من القطاعات المنتجة للدخل القومي وبذلك نحول الموظفين من معطلين إلى قادرين على إنتاج رواتبهم على الأقل ، ومن ابرز مشكلات الحكومات الحالية إن البعض منها قادم من أوروبا ولكنهم لم يقدموا أفكارا ايجابية للتغيير، لذا استمرت بذات السياسات في تشجيع ودعم الاستيراد من خلال بيع الدولار في مزاد العملة بالمليارات بما يؤدي إلى إجهاض أي مشروع وطني للإنتاج لان تكاليفه أكثر من نفقات الاستيراد بكثير ، وتحولنا إلى وضع لا نحسد عليه فالشباب يرفضون الحكومة مما أطاح برئيس مجلس الوزراء وبذلك تعطلت الحكومة لتنضم إلى باقي القطاعات المعطلة ، ومراكز القرار عاجزة عن إيجاد مخرج يتضمن الحد الأدنى من الحلول او تحديد خط الشروع للمباشرة بتغييرات جوهرية لا تتعلق بالشخوص وإنما بكفاءة وفاعلية الإجراءات للخروج من أزمات البلاد .

نعم ، نقولها للشباب الإعزاء لا تعولوا على الحكومات في إيجاد فرص العمل لان عددكم يتزايد يوما بعد يوم والدولة تعاني من ترهل شديد ومن سيحال إلى التقاعد اقل من عددكم بكثير والحكومات لم تعد قادرة على إيجاد حلول لمشكلاتكم بالتعيين فالمسافة الزمنية بين تشكيل الحكومة القادمة وإيجاد حلول للبطالة ستطول ، وهذا كلام ليس دعوة لليأس وإنما لاستثمار الوقت ، فأمام العراقيين أشهر وقد تمتد لسنوات لتشكيل حكومة تصريف الأعمال وبعدها القيام بالانتخابات ثم تعديل الدستور لإنتاج حكومة جديدة بعيدا عن الطائفية والمحاصصة والمهاترات وكأنها ستنزل من السموات ، وهي سنين ليس من المفضل أن تقضوها في الانتظار ثم باتي من يقول لنعطي فرصة للشباب او المتخرجين حديثا لان معلوماتكم ربما تقادمت والعالم في ثورات التقدم العلمي والتكنولوجي ، وأفضل الحلول هي في إتباع حكمة الملياردير الصيني لا لكي تتحولوا إلى أغنياء ولكن لاستثمار الزمن وبناء كيانات اجتماعية لكم تحميكم من الضياع ، وبدلا من التعويل على فرص للتعيين فبإمكانكم أن تبحثوا عن ضمانات للمستقبل من خلال المطالبة بإصدار قانون الضمان الاجتماعي للقطاع الخاص الذي يؤمن معيشة آمنة بتقدم السن او عند التعرض للإصابات ( لاسمح الله ) ، وقبل ذلك يجب ممارسة ما تستطيعونه من ضغوط لإعادة الاعتبار للسياحة والصناعة والزراعة وغيرها من قطاعات العمل والإنتاج ودعم المنتوج والاقتصاد المحلي ، بإقامة المشاريع الكبيرة او بدعم وتشجيع المبادرات الفردية والجماعية القائمة على دراسات جدوى حقيقية وليس ب( التلزيك ) لتكوين ملاذات حقيقية لعمل العاطلين دون منة من احد ما ، وان عملكم خارج القطاع الحكومي والوظيفة العامة له العديد ن الفوائد والمردودات لكم ولعوائلكم الكريمة ولأبناء الشعب وللعراق ، فالحكومات قد لا تصنع سوى البيروقراطيات ، وفي وضعنا فان هناك حاجة لعقول ( نظيفة ) لإحداث التغيير، وعمليات الغسل والصيانة والتبديل للعقول لا تأتي بافلها بين ليلة وضحاها لأنها قد تحتاج إلى عقود وأجيال ، ولا يزال الحل بأيديكم مادامت الآذان مفتوحة الآن لسماع الطلبات فالعبرة أن يطبق ما يتيسر منها قدر المستطاع لان قطع مسافة الألف ميل يبدأ بخطوات .

باسل عباس خضير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here