ملاحظات بشأن تبعات قرار البرلمان العراقي التصويت على إخراج القوات الأجنبية

حامد شهاب

من يتمعن في مضامين وخفايا وتبعات قرار مجلس النواب العراقي يوم الاحد الخامس من كانون الثاني 2020 يجد أن هناك جملة مؤشرات وتبعات خطيرة تعكس بتاثيراتها السلبية على مستقبل العراق ، ندرجها على الشكل التالي:

1. إن تصويت مجلس النواب على إلغاء الاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة والتحالف الدولي هو قرار إحادي الجانب، إذ لم يشارك السنة ولا الكرد وهما محوران مهمان في المعادلة العراقية ، ويبقى (قرارا شكليا) خاليا من أي مضمون أو سند قانوني، ما يعني أن (مصداقية) القرار تبقى محل (تشكيك) وتعكس (انفرادا) في سلطة القرار و(تهميشا) للآخر و(مصادرة) للقرار العراقي الوطني ،من قبل طائفة على حساب طوائف وقوميات ومكونات الشعب العراقي الأساسية، وقرارا متسرعا لإطفاء لهيب مشاعر غاضبة، ولاتقبل مكونات تلك المحافظات الرافضة لتوجه من هذا النوع، أن تتعرض مصالح طوائفها للتهديد مرة أخرى لحسب دول لاتطمئن اليها، وهي التي عانت الأمرين من تهديدات الحكومة وجماعاتها المسلحة، حتى أن التصويت المذكورأحدث (إنقساما) خطيرا في المجتمع العراقي ، ينذر بكوارث مستقبلية لاتحمد عقباها.

2. إن الغاء الاتقاقية الأمنية ليس من صلاحيات البرلمان العراقي أصلا، بل هي من مهام الحكومة العراقية نفسها، وهي من تتحمل المسؤولية الأخلاقية والأمنية والسياسية في حال تعرض العراق لهجمات من دول جوار او تنظيمات متطرفة أو جماعات مسلحة مدفوعة بأياد خارجية تتربص بالعراق الدوائر، وقد أشار رئيس البرلمان صراحة الى ان الاتفاقية لاتلغى الا بقانون ، كونها قرارا يخص سيادة الدولة ، وهي من وقعته مع الولايات المتحدة، وهي من تتحمل أوزار ابقاء الاتفاقية أو الغاءها.

3. إن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، وليس من صلاحياتها الغاء اتفاقيات ذات طابع دولي ، ومن شأن الحكومة الجديدة بعد تشكيلها ان تنظر في هكذا اتفاقيات، لها مساس بأمن البلد ومستقبل شعبه وتطوير قدراته، وليس من شأن حكومة تصريف الأعمال ان يكون لها أي دور في الغاء تلك الاتفاقية، كما إن الغاءها ليست من مهام البرلمان، كما أسلفنا.

4. ان الغاء الاتفاقية الأمنية يحتاج الى عام كامل بعد توقيع الغائها من حكومة لها كامل الصلاحية، ومثل تلك القرارات التي صدرت اليوم لاقيمة قانونية لها كون يمكن الغاؤها في أية حكومة قادمة، يتم تشكيلها ، اذا ما وجدت ان المصلحة العراقية تتطلب تمديدها او الغاؤها.

5. إن المجتمع الدولي فقد ثقته في العراق كليا، وبخاصة الحليف الأساسي للعراق وهو الولايات المتحدة، ولن تترك الادارة الامريكية العراق مهبا لرياح اطماع دول الجوار، وبخاصة ان بعضها لديه تواجد عسكري وأمني وجماعات وأذرع مسلحة ، تعلن ولاءها لدولة جارة علنا وعلى الهواء مباشرة وهي لاتأتمر بأوامر رئيس الوزراء وخارج سلطة الدولة العراقية.

6. إن الولايات المتحدة تدرك انها لن تتخلى عن العراق ، وهي التي شنت حربا عليه واخضعته لسيطرتها منذ عقود، ومنه انطلقت الى بقية دول الجوار في اطار بسط هيمنتها، ولن تسمح لدول الجوار العراقي ان يكون لها دور محوري يقف عائقا أمام تحقيق مصالحها ، وهي لن تسمح لأي كان أن يشاركها في تثبيت تلك المصالح الحيوية.

7. إن مصدر شراء النفط العراقي هي الشركات الامريكية وهي من تدير شؤونها وتتولى جوانب الانتاج والتصدير ولن تسمح بان يتم اخراجها من ثروة العراق النفطية التي تعد أهم ثروات المنطقة من حيث مخزونها النفطي العملاق، وبمقدورها ان توقف استيراده وتجعل العراق يعيش حالة تدهور اقتصادي خطير ليس بمقدوره وقف تداعياته.

8. إن دول المنظومة الغربية بضمنها بريطانيا وفرنسا والمانيا لاتستطيع ان تقف موقف المتفرج في ظل محاولات اخراجها من مصادر قوة المنطقة ، وهي تشارك العالم الغربي تهديداته ولن يكون بمقدورها ان تترك الولايات المتحدة وقد فقدت مكانتها في المنطقة، ولن تسمح الولايات المتحدة نفسها بأن ينازعها أحد على تلك المكانة.

9. ان الاتفاقية مودعة لدى الأمم المتحدة، وتحتاج الى عام كامل لإمكان النظر في الغائها او تعديلها ، وهي تشكل ضمانة للولايات المتحدة لكي لايكون بمقدور طرف ما لوحده الغاء الاتفاقية، بعد ان ضمنت لها الوقت الكافي للمناورة لغرض اعاقة الغاء الاتفاقية بأية طريقة ، وبخاصة ان امريكا دولة كبرى تتحكم بمستقبل العالم وهي لن تسمح بأن تتزعزع مكانتها، وستدفع بكل الاحتمالات بما يبعد عنها شبح تلك المخاوف بكل تأكيد.

10.إن العراق برغم خروجه الشكلي من الفصل السابع، الا ان (الوصاية الدولية) ما زالت حتى الان ، موجودة ، ويمكن تحريك طلب (الوصاية) مرة اخرى اذا ما شعرت الولايات المتحدة انها تتعرض لتهديد او ان العراق يتعرض لخطر (الابتلاع) من دول أخرى.

هذه باختصار أبرز المؤشرات التي يمكن أن نضعها أمام المختصين ، بشأن عواقب الغاء تلك الاتفاقية او ما تخلفه من كوارث ومآس على مستقبل البلد، في وقت مايزال العراق محاطا بدول كثيرة وهي لديها اطماع في العراق، ومن غير الممكن ان يكون العراق قادرا على الوقوف بوجه تلك الاطماع الاقليمية والدولية ان بقي يعيش (منفردا) بلا سند دولي قوي من دولة كبرى مثل الولايات المتحدة ، لها مكانتها المعروفة على أكثر من صعيد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here