انتقلت من المصارف إلى التجار: قروض ميّسرة بفوائد مرتفعة تُغري أصحاب الدخل المحدود

إبراهيم صالح

يستقطب إعلان تقديم قروض ميسرة الكثيرين من الناس، فالقروض تبدأ بألف دولار أميركي وصولاً إلى خمسة آلاف دولار على أن تُسترجع على شكل أقساط يومية لمدة قدرها مئة وسبعة أيام أي ثلاثة أشهر ونصف تقريباً كما جاء في الإعلان.

وبعملية حسابية بسيطة يتضح أن المكتب الذي يقدم القرض سيحصل على فوائد تصل قيمتها إلى أكثر من 33% خلال مدة استرجاع القرض.

حيث يطلب المكتب تسديد مبلغ (15) ألف دينار عراقي يومياً لمدة (107) أيام مقابل إقراضه ألف دولار للمستفيد أي أنه سيستعيد خلال مدة السداد مبلغاً قدره مليون وستمائة ألف دينار لقاء القرض الذي يساوي بالأساس مليوناً ومائتي ألف فقط.

تبدو النسبة مرتفعة جداً بالنسبة لمبلغ القرض المتواضع وفترة السداد غير الطويلة وطريقة التسديد التي تتطلب من المستفيد أن يسدد دفعات القرض بصورة يومية.

المكتب الذي أعلن عن القروض رفض موظفوه التصريح لنا بأي معلومة عن آليات منح القروض وتسديدها والضمانات المطلوبة لمنح القرض للمستفيد.

إلا أن أحد الأشخاص الذي اتصل بالمكتب في مناسبة سابقة أبلغنا أن آلية منح القرض تستوجب تقديم طلبٍ إلى إدارة المكتب لتتولى بدورها التحقق من إمكانية تسديد المستفيد للقرض وأن لديه ضمانات تسمح للمكتب بمنحه القرض.

الضمانات التي يريدها المكتب تتمثل بتوقيع المستفيد على كمبيالة أو وصل أمانة أو تعهد شخص مُعرف بالنسبة لإدارة المكتب أو الاكتفاء بالإطلاع على الوضع السوقي للمحل التجاري الذي يديره المستفيد على اعتبار أن هذه القروض مخصصة بالأساس لأصحاب المحال التجارية.

في منطقة حي العامل القريبة من منطقة المنصور لا يختلف الوضع كثيراً إذ أن السكان المحليين يعرفون الحجي الذي يُقدم قروضاً تصل إلى عشرة آلاف دولار أو حتى عشرين ألفاً في بعض الحالات.

يشترط الحجي الذي لا يعرف الكثير من سكان المنطقة اسمه الحقيقي أن يكون طالب القرض من المُعرفين لديه أو لدى وجهاء المنطقة لكي يكون هناك من يكفل الشخص ويُسدد عنه في حال لم يستطع الالتزام بتسديد دفعات القرض كما يحددها هو بنفسه.

تختلف طريقة منح القرض وتسديده في الحالتين فالأولى تعتمد على وجود كيان تجاري يكون كفيلاً للمقترض أما الثانية فتجد في العلاقات الشخصية والاجتماعية كفيلاً يمكن الاعتماد عليه.

كلتا الحالتين تمثل عامل إغراء لمن يفكر في الحصول على قرض وإن كان مبلغه صغيراً وفائدته مرتفعة بفترة تسديد ليست طويلة.

“الأهم أن لا يتطلب الحصول على القرض كفالة موظف حكومي” يقول علي الربيعي أحد المستفيدين من قرض مشابه.

“إذا أردت الحصول على قرض من مصرف حكومي أو خاص سيطلب مني الاثنان كفيلاً من موظفي الدولة ولو كان لدي كفيل لاخترت قرضاً أكثر قيمة كقروض شراء الوحدات السكنية أو السيارات التي تمنحها تلك المصارف” يضيف علي.

تشترط معظم المصارف لاسيما الحكومية وجود كفيل من موظفي الدولة لمن يريد الحصول على قرض مهما كانت قيمته وهو الأمر الذي بات يشكل عبئاً على الراغبين بالحصول على هذه القروض لصعوبة حصولهم على هذا الكفيل.

لا يستطيع الموظف الحكومي كفالة أكثر من مستفيد واحد في أغلب الأحيان لكون شروط منح القروض في المصارف تشترط أن يكون راتب الكفيل ضعف القسط الشهري للقرض.

ولذلك يلجأ الكثير من العراقيين لاسيما من أصحاب الدخل المحدود إلى الاقتراض من جهات أخرى غير مصرفية كما هو الحال مع مكاتب الإقراض التي باتت تنتشر في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ أو من الأشخاص الذين يريدون استثمار أموالهم بهذه الطريقة.

من الناحية القانونية لا يوجد ما يمنع منح مثل هذه القروض إذا كانت برضا الطرفين كما يقول الخبير القانوني علي التميمي إلا في حال أضر القرض بأحدهما حيث أن المحكمة ستتعامل وقتها مع هذه القروض كنوع من الاحتيال وفقاً للمادة (456) من قانون العقوبات حيث تصول عقوبة هذه الأفعال إلى الحبس أو الغرامة شريطة وجود شكوى مقدمة إلى المحكمة.

فالتعامل بين الأشخاص يختلف عن تعامل المؤسسات والمصارف حيث لا يخضع الأول لضوابط قانونية إلا إذا احتوى على احتيال أو مخالفات لبنود العقد وفقاً للخبير القانوني.

ويبدو أن المصارف الحكومية والشركات المستفيدة من القروض بدأت تفكر جدياً في تغيير شروط منح القروض للمواطنين من خلال إيجاد بدائل لفقرة الكفيل التي تُبعد الكثير منهم عن هذه القروض وبالتالي خسارتهم لها وخسارة المصرف للفوائد المحددة على القرض فضلاً عن خسارة الشركات المستفيدة للمشترين الذين يريدون التعامل معها وفق هذه القروض كشركات السيارات وشركات إقامة مشاريع الوحدات السكنية وغيرها.

ويقول مدير المصرف العراقي للتجارة فيصل الهيمص إن “المصرف يفكر في تجاوز مسألة اقتصار التمويل على موظفي الدولة”.

المصرف هو آخر المصارف الحكومية التي انضمت إلى المصارف المانحة للقروض الشخصية بعد أن كانت أعماله مقتصرة على دعم التمويل التجاري والشركات الأجنبية وهو اليوم بصدد إيجاد بدائل أخرى تُغني عن كفالة موظف الدولة للإقراض. أما بالنسبة للشركات التجارية فهي الأخرى لا تريد خسارة شريحة واسعة قد تدعم مبيعاتها في حال لم تُمنح لهذه الشريحة المتمثلة بذوي الدخل المحدود التسهيلات اللازمة للحصول على القروض والتي يتقدمها بكل تأكيد إلغاء شرط الكفيل من موظفي الدولة.

يقول صباح الجنابي مدير مبيعات شركة لاند روفر – جاكوار لتجارة السيارات في العراق إن “الشركة اقترحت على البنك المركزي العراقي وبقية المصارف الحكومية في العراق إلغاء شرط الكفيل لكونه من أكثر الشروط التي تؤثر على رغبة المشترين وقدرتهم”. ويضيف الجنابي ،إن “البنك المركزي وبقية المصارف الحكومية في العراق منفتحة على اقتراحاتنا ونتوقع أن يحدث تغييراً ما في هذه المسألة”.

حتى ذلك الوقت ربما يجد الكثير من العراقيين أنفسهم بحاجة إلى قروض ميسرة الشروط حتى وإن كانت تستوجب منهم دفع مبالغ إضافية كفوائد خلال فترات قصيرة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
, ,
Read our Privacy Policy by clicking here