غموض يكتنف الموقف التركي من تداعيات الأزمة الأميركية الإيرانية

الرئيس التركي يحاول عدم إغضاب أي طرف لا واشنطن ولا طهران حيث لم يؤيد قيام أميركا بقتل قاسم سليماني وكذلك لم يساند إيران في موقفها.
الخميس 2020/01/09

يجهز نفسه لنتائج التصعيد ثم يقرر

تحاول تركيا منذ انطلاق التصعيد الأميركي الإيراني الأخير تجنب إدانة أي طرف في محاولة منها للحفاظ على حليفها الغربي وعدم التفريط في صديقها الإيراني كذلك، حيث ظلت أنقرة وعبر ألسنة متحدثيها الرسميين تراوح موقفها بين الدعوة إلى العمل على عدم جر المنطقة بكاملها إلى حرب طاحنة وبين عدم تحميل أي طرف مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، لاسيما بعد القصف الإيراني الذي طال القواعد العسكرية في العراق التي تستضيف قوات أجنبية.

أنقرة- لم تصدر أنقرة منذ بداية الأزمة الإيرانية الأميركية، التي سببتها حادثة قتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في الثالث من يناير الجاري، موقفا واضحا حيال الأحداث المتسارعة والتهديد والوعيد بين هذا الجانب وذاك في الشرق الأوسط.

وذهب مراقبون إلى اعتبار أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى من خلال طبع الموقف الرسمي بالغموض إلى إمساك العصا من المنتصف في ظل الأزمة العاصفة التي تضرب المنطقة والتي تكاد تتحول إلى مواجهة عسكرية شاملة بين الولايات المتحدة وإيران، إذ أن أنقرة لا تريد أن تخسر تحالفاتها مع أي من الطرفين المتصارعين لاسيما أنها تستفيد منهما اقتصاديا وسياسيا.

واتسم الموقف الرسمي التركي بالارتباك حيث قال أردوغان الأربعاء خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين “إنه لا يحق لأحد أن يزج بكامل المنطقة على رأسها العراق في دائرة النار من أجل مصالحه الشخصية” وذلك في أعقاب تنفيذ طهران لغارات استهدفت قواعد أميركية في بغداد.

وفي محاولة منه لعدم إغضاب أي طرف لا واشنطن ولا طهران قال أردوغان “إن التوتر بين جارتنا إيران وحليفتنا الولايات المتحدة بلغ مؤخرا حدا لم نكن نتمنى بلوغه”. ولم تؤيد تركيا قيام الولايات المتحدة بقتل رجل إيران الثاني قاسم سليماني، ولكنها لم تساند إيران كذلك في موقفها.

واعتبر موقع أحوال تركية في تقرير له نُشر الأربعاء أن هذه الأزمة لا شك في أنها سحبت الأضواء عن الرئيس ورئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي أردوغان الذي كانت تصريحاته ومواقفه تشغل وسائل الإعلام، خاصة خلال المدة الماضية بعد إعلانه التدخل العسكري المباشر في ليبيا لدعم حكومة الوفاق المعترف بها دوليا والتي بدأت تنهار قواتها أمام تقدم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم غولن في وقت سابق إن بلاده تدعو إلى خفض التوتر بين الولايات المتحدة وإيران وإلى التحلي بضبط النفس والحكمة. وقال غولن “سنواصل دعوتنا لضبط النفس والهدوء”، مؤكدا على أن الرئيس رجب طيب أردوغان سيكثف لقاءاته بهذا الشأن. وأضاف أنه “يتعين على الجميع التصرف بحكمة وهدوء، وسنواصل تجديد دعوتنا إلى ذلك“.

ولفت غولن إلى أن تركيا لم تطلب التوسط بين الطرفين، مشيرا إلى أنها واحدة من بضع بلدان وربما أهم بلد، يمكنها الحديث مع الولايات المتحدة وإيران على حد السواء. وذكر غولن أن الرئيس أردوغان، ومنذ الساعات الأولى لحادثة مقتل سليماني في 3 يناير، بدأ بإجراء اتصالات دبلوماسية مكثفة.

وأوضح أن أردوغان أجرى مباحثات مكثفة مع زعماء ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وقطر. وحذر المتحدث الرسمي التركي كذلك من أنه لا مفر من تأثير التوتر على المنطقة بأسرها، وأن أي خطوات استفزازية أو هجمات جديدة ستفاقم التوتر وتعمق هشاشة الوضع.

وشدد على أن المنطقة منهكة من الحروب والصراعات، لاسيما التدخلات الخارجية والحروب بالوكالة، ويتعين وضع حد لهذه الصراعات. وأكد أن تركيا ستستمر في دعوتها لضبط النفس من أجل تخفيف حدة التوتر.

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يسعى من خلال طبع الموقف الرسمي بالغموض إلى إمساك العصا من المنتصف في ظل الأزمة العاصفة التي تضرب المنطقة

ولفت غولن إلى أن الدعوة لضبط النفس “لا تعني التصرف وكأن شيئا لم يكن”، وأكد على ضرورة تغليب لغة الحوار والتفاوض لإدارة هذه الأزمة. ومن ناحية أخرى ذكر أن تحول العراق إلى ساحة للنفوذ جراء سلسلة من الأخطاء، أمر يبعث على القلق بالنسبة لتركيا.

وشدد على أن وحدة تراب العراق ووحدته الوطنية تكتسبان مزيدا من الأهمية في هذه المرحلة. وحذر من التأثير السلبي للتدخلات الخارجية والاغتيالات والمقاربات المذهبية، من أي طرف كان، على مصير المنطقة. وحسبما أفادت وزارة الخارجية العراقية الأربعاء، وعلى صعيد متصل، يبدأ وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو زيارة للعراق الخميس.

وقالت الوزارة في بيان صحافي الأربعاء إن أوغلو سيصل إلى بغداد الخميس لإجراء مباحثات مع نظيره العراقي محمد علي الحكيم تتناول المواضيع ذات الاهتمام المشترك في إطار مساعيه لخفض التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.

وكانت الأزمة الإيرانية قد شهدت تطورات خلال الساعات الأخيرة من ليل الثلاثاء بعد إقدام طهران على إطلاق صواريخ على قاعدتين عراقيتين وهما قاعدة عين الأسد وقاعدة أخرى في أربيل تستضيفان قوات أميركية دون أن يتم تسجيل ضحايا.

ولكن طهران تروج من خلال وكالات أنبائها لسقوط أكثر من 80 قتيلا في صفوف القوات الأميركية، وهو ما تنفيه قطعيا الولايات المتحدة وحلفاؤها الذين أكدوا عدم وقوع إصابات لجنودهم المتواجدين في بغداد.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
,
Read our Privacy Policy by clicking here