وزارة الخارجية والسياسة الخارجية العراقية ما بين التيه والضياع ،

د. هاتف الركابي..

لقد أثار استغرابي مذكرة الاحتجاج الرسمية التي قدمتها وزارة الخارجية للأمم المتحدة ومجلس الامن لتثبيت الموقف العراقي الرافض للعمل العسكري الامريكي المتغطرس ضد مسؤول عراقي كبير ( ابو مهدي المهندس ) ومستشار عسكري إيراني ( الجنرال قاسم سليماني ) .. فبدلاً من ان تستخدم الخارجية بان الجريمة التي ارتكبتها امريكا هي جريمة دولية وانها عمل إرهابي وعدوان على العراق وانتهاك للسيادة العراقية في مطار الدولة ، الا ان المذكرة جاءت وكيفت العملية العسكرية بعبارة ( إعدام خارج المحكمة) وهذه العبارة تعطي معنى أن الذين قتلوا هم مدانين ومحكومين او متهمين ولكن تمت عقوبتهم بإجراءات خارج المحاكم الامريكية او المحاكم الدولية بالاعدام .
وهنا الخارجية العراقية. استخدمت هذ التعبير الذي لم يكن على الاطلاق في موضعه ، وهي ضمناً تؤكد بان الشهيدين هما مدانين قانوناً ، بالاضافة الى أن الوزير لم يكن مكترثاً بعدم استدعاء السفير الامريكي ،الامر الذي لابد من الوقوف عليه ويستوجب المحاسبة رقابياً من البرلمان.
ومن الواضح وعلى طوال السنوات الماضية منذ سنة ٢٠٠٣ والسياسة الخارجية في امواج من التخبط والتيه ، فزيباري أهان الخارجية عندما أتى بشخوص لاترتقي للعمل فيها واعطائهم الدرجات الدبلوماسية بلا حسيب ولارقيب وملأ الوزارة بالبعثيين والمطلوبين وبددت الموازنات المتعاقبة مابين الفساد والضياع الى حين استجوابه واقالته مهزوماً وللاسف أخفق القضاء في تقديمه للعدالة.
ثم جاء الوزير الحالي الذي ضيع على العراق مقعده في ( الاسكوا) طمعاً بالوزارة ، ولم يكن موفقاً في أداءه فضيع علينا مرة اخرى مقعدنا في لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة .
ولعمري ، فعلى طوال سنة ونصف كان اداء الوزارة مرتبكاً ومهلهلاً ، واثيرت حولها الشكوك والشبهات ، وسأبين ذلك وفق المعطيات الآتية على سبيل المثال لا على الحصر :

أولاً : اصبح من البارز في عمل الوزارة بانها اتخذت قالب المراسلات وكأنها دائرة مراسلات فليس لها رؤيا واضحة وكأن الامر يوحي بأنه لا يوجد هناك كادر متقدم أو هيأة رأي أو مجلس سياسات يعتمد قياس الاثر وتقييم الاداء سوى قرارات عشوائية هنا وهناك .

ثانياً : أثبتت التجربة العملية أداء الوزارة المتعثر في معالجة الأحداث الراهنة في ساعة الحدث ، فلم نرى موقفاً صريحاً وقوياً من الضربات الجوية الامريكية المتكررة التي استهدفت أرض العراق واسفرت عن وقوع العشرات من الضحايا والخسائر ، فإذا ما قارنا الموقف مابين الخارجية السورية المحاصرة والتي تتعرض للضربات المتكررة نجد أن مندوبها الدائم في الامم المتحدة بشار الجعفري قامة دبلوماسية شامخة وكأنة رئيس دولة. بينما تجد وزير خارجيتنا يضع تغريدة للحديث عن أمن السفارات ولكنه يسند حديثه الى اتفاقية جنيف التي ليس لها لامن قريب او من بعيد عن الموضوع ، فيضطر الى سحب تغريدته ، وهذا لا يليق بأداء الوزير أداءاً. فكيف لوزير لايعرف اتفاقيات ( هاڤانا ، ونيويورك ، وڤينا الاولى والثانية ) هي من تنظم العمل الدبلوماسي.؟؟!!.

ثالثاً : من خلال التطبيق العملي نجد أن الوزارة في معالجة القضايا العالقة مع الدول الاقليمية فاقدة للبوصلة ، فلم نجد فريقاً كفوءاً مهنياً ذو اختصاص للتعامل مع قضية المياه مع تركيا او الكويت او سوريا او ايران ، أو التعامل مع ملف الحدود مع الكويت بل وصل الحال إذا استشعرت الكويت بوجود مفاوض قوي ضمن الوفد العراقي تطلب من العراق تبديله ، فيقوم الوزير بتبديله وهذا ما حصل أخيراً ، وهذه طامة كبرى .

رابعاً : لم نجد على مر السنوات عندما يكون هناك تضارب بالاراء واختلافات قانونية حول بعض الاتفاقيات والتي هي من صلب عمل وزارة الخارجية ، لم نجد أن الوزارة قد أعدت فريقاً قانونيا وفنياً بأن ينبري للإعلام والقنوات ليبين ماهية هذه الاتفاقيات ، وهذا معمول في كل الدول خصوصاً في قسم الاتقاقيات أو دائرة المعاهدات والاتفاقيات كما تسميها بعض الدول ، وقد شاهدنا خلال الايام الماضية الخلاف حول اتفاقية الانسحاب مع الامريكان واتفاقية الاطار الاستراتيجي .. فقد احترقت الدنيا ووزارة الخارجية كأن الامر لايعنيها وهو صلب عملها بل هي من اجرت الاتفاقيات ، وكذلك الحال في اتفاقية خور عبد الله مع الكويت.

خامساً : خلال رحلاتنا واطلاعنا على عمل سفاراتنا في الخارج ، وجدنا سفارات وقنصليات في دول عديدة في حين لم نجد أي تمثيل لهذه الدول سواء دبلوماسي أو قنصلي ، فلماذا عدم التعامل بالمثل، وهذا الامر يكلف الدولة أموالاً هائلة ناهيك عن الاعداد الكبيرة في السفارات في حين تجد سفارات الدول يكون العدد بمايتلائم مع العمل ، لان اعداد الدبلوماسيين والاداريين والفنيين والمحليين يكلف الدولة أموالاً كبيرة من ايجار للسفارات وبيوت العاملين ورواتبهم ، هذا فضلاً عن الخروقات القانونية بالتمديد للبعض ممن أكمل فترته في السفارات. فضلاً عن الرغبات الانتقائية التي يتعامل بعا موظفو مكتب الوزير والنظرة الاستعلائية على اقرانهم ، واختيار وجهة البعثة للموظفين حسب المزاج والعلاقات لا على التخصص ، بالاضافة الى ان احد موظفي المكتب استحوذ على دائرة المراسم ويديرها من بعيد ؟؟!! يالحزن العراق..

سادساً : مايثير الاستغراب محاولة الوزير بإبقاء من وصل الى سن التقاعد من السفراء من خلال تعديل القوانين ، في حين أنه يحاول لعدم شمول من شملته القوانين الخاصة كالفصل السياسي وغيرها من التدرج الوظيفي ، وتناسى كذلك الوزير أنه يوماً ما قد اشترط مواليد ١٩٦٥ فما دون لتولي منصب السفير، في حين انه الان يتجاهل الوزراء المفوضين لتولي مهام السفير ويحاول تمديد فترة السفراء الذين وصل سن التقاعد، وتناسى أيضاً انه في يوم من الايام طالب هيأة المسائلة والعدالة باستثاء بعض البعثيين للعمل في الوزارة ، فلماذا هذا التناقض، ولماذا الاقصاء المتعمد للكفاءات الحقيقية؟؟!!.

سابعاً: لم يتعامل الوزير الحالي بأي تحرك ولو بالقليل لمطالبة الولايات المتحدة واسرائيل عن العدوان والحروب سواء ١٩٨١ و ١٩٩١ و ٢٠٠٣ ، علماً انه قد وصلت التعويضات المستحقة لنا من امريكا ترليون واثنين وتسعين دولار ، ومن اسرائيل ٧٨ مليار دولار ، حتى وصل الامر بان الوزير باحدى مخاطباته بأن هذا الامر ليس من ضمن عمله ، ياللهول .

أجبني أيها الوزير عن كل ماذكر ، وهذا غيض من فيض؟ ، وأجبني ايها اليرلمان عن رقابتكم على هذه الوزارة ؟ وأجبني يامجلس الوزراء عن أداء السياسة الخارجية ؟؟
ولنا حديث في قابل الايام فهذه حقيقة لن يستطيع أحد نكرانها أو تزييفها..

الدكتور
هاتف الركابي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here