موقف الامام الكاظم ع من الثورات العلوية (حلقة3 ) والامام الرضاع وثورات العلويين(ح4)،

مروان خليفات

ملاحظة : ما كان بودي طرح هذه المواضيع في هذا الظرف الحساس لولا اثارتها من قبل الآخرين بقصد التشكيك وابعاد الناس عن النهج السليم .

كان الإمام ع على نهج آبائه الذين تقدم ذكرهم، يرى نفسه إماما من دون أن يقوم بثورة ومن دون أن يدعو لنفسه فيبايعه الناس، حاله حال أبيه الصادق ، وقد تقدم اثبات ذلك.

المطلب الأول : إمامة الكاظم ع
لا خلاف بين الإثني عشرية أنه الإمام السابع، وأدلة ذلك كثيرة، لكني سأكتفي بنص نقله النسابة البخاري ( كان حيا سنة 341هـ) يدل على أنه كان يرى نفسه إماما.

قال البخاري في ترجمة محمد بن إسماعيل بن جعفر: (كان محمد بن إسماعيل بن جعفر مع عمه موسى الكاظم عليه السلام يكتب له كتب السر إلى شيعته من الآفاق فلما ورد الرشيد الحجاز سعى محمد بن إسماعيل بعمه إلى الرشيد فقال : ما علمت ان في الأرض خليفتين يجبى إليهما الخراج ، فقال الرشيد ويلك أنا ومن ؟ قال موسى بن جعفر وأظهر اسراره فقبض الرشيد على موسى الكاظم عليه السلام وحبسه وكان سبب هلاكه ، وحظي محمد ابن إسماعيل عند الرشيد وخرج معه إلى العراق ومات ببغداد ، ودعا عليه أبو الحسن موسى عليه السلام بدعاء استجاب الله ذلك فيه)

سر السلسلة العلوية ، ص 35 – 36، وذكره ابن عنبة الحسني صاحب عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ، ص 233 – 234، وممن ذكر وشاية محمد بن إسماعيل الشيخ محمد الزرندي الحنفي ( ت 750هـ) في معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول ( ع ) ، ص 144 – 145، والفخر الرازي في الكتاب المنسوب إليه ( الشجرة المباركة في أنساب الطالبية ) ، ص 101
وروي هذا المعنى بسند صحيح في الكافي ،ج 1 – ص 485 – 486، ورواه الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا ( ع ) ، ج 1 – ص72 – 73 والكشي في اختيار معرفة الرجال للشيخ الطوسي ، ج 2 – ص 540 – 541

شواهد أخرى

تحت عنوان : ذكر السبب في أخذه وحبسه، روى أبو الفرج بأكثر من ثلاثة طرق سبب حبس الإمام الكاظم ع ، وفيها أن الأموال تحمل إليه من المشرق والمغرب.
مقاتل الطالبيين ، ص 333 – 336، وروى الشيخ الصدوق رواية أكثر بيانا تتشابه كثيرا مع رواية أبي الفرج، مما يزيدها قوة، عيون أخبار الرضا ( ع ) ، ج 1 – ص 70 – 72

عودة لنص أبي نصر البخاري

وهو الذي اعتمدته وما ذكرته عن غيره إنماهي شواهد تقويه، فمضمون ذاك النص أن محمد بن إسماعيل مطلعا على أسرار عمه الإمام الكاظم ع، وما يكتبه لشيعته، وهذا يدل على التواصل بين الإمام والشيعة الإمامية، على عكس ما يقوله المهرجون، ثم يعترف محمد بن إسماعيل للرشيد بجباية الخراج للإمام الكاظم، حيث قال : (ما علمت ان في الأرض خليفتين يجبى إليهما الخراج ) ولا شك أنه اطلع على ذلك ولاحظه عدة مرات، لكونه قريبا من الإمام عالما بأسراره، فكان سببا لسجن الإمام ثم سمه في السجن.

لم يقم الإمام الكاظم ع بثورة ولم يدع لنفسه ولم يبايعه الناس على الطريقة الزيدية ولا يجوز في الفقه السني والزيدي أخذ أموال الناس من زكاة وخمس إلا من قبل الخليفة أو الإمام الذي قام بالسيف والدعوة، ومن المهم التذكير هنا بما قاله الكاتب الزيدي : ( فلا يجب على الناس تسليم زكاة الأموال لهم بل يصرفونها هم على المستحقين بأنظارهم … إلا أنه لو تميز حال أولئك العلماء ومن حاز الأعلمية بحال آخر زائد عليه ( على الأعلمية ) وهو الدعوة للناس… فهنا تتغير فروض الواجبات على ذلك العالم الداعي تجاه الأمة، فإن الواجبات والزكوات إليه فرضٌ تسليمها على جميع المسلمين )
طبيعة علوم العترة والدعوة بالإمامة والجفر قراءة تأصيلية ، ص 4

من المعلوم أن الإمام الكاظم ع لم يقم بالسيف ولم يدع الناس لنفسه، ومع ذلك كان يتلقى أموال الخمس من الناس كما بينتُ، وهنا لا يتبقى إلا تبرير واحد مقنع يفسر تلقيه تلك الاموال، وهو أنه كان يرى نفسه إماما شرعيا، وهو ما يتوافق مع قول الإمامية، كما أن أباه الصادق ع كان يجبى إليه الخراج كما سبق وذكرتُ من غير مصادر الإمامية.

من هنا نعلم صحة ما تقوله الإثناعشرية عنه وعن سائر الأئمة ـ ويتبين بعده عن النهج الزيدي، حيث أنه لم يقم بثورة، ولم يدع لنفسه ليبايعه الناس، ومع ذلك كان يرى نفسه إمام المسلمين، ويجبى إليه الخراج، وهو السبب الذي أدى لسجنه وشهادته.

المطلب الثاني : الثورة ليست من شأنه

مما يؤكد بعد الإمام عن نهج الثوار الذين دعوا لأنفسهم، تصريحه الذي رواه الخطيب البغدادي، قال : ( حدثني الحسن بن محمد الخلال ، حدثنا أحمد بن محمد بن عمران ، حدثنا محمد بن يحيى الصولي ، حدثنا عون بن محمد قال : سمعت إسحاق الموصلي – غير مرة – يقول : حدثني الفضل بن الربيع عن أبيه أنه لما حبس المهدي موسى بن جعفر رأى المهدي في النوم علي بن أبي طالب وهو يقول يا محمد : ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم ) قال الربيع : فأرسل لي ليلا فراعني ذلك ، فجئته فإذا هو يقرأ هذه الآية – وكان أحسن الناس صوتا – وقال علي بموسى بن جعفر . فجئته به فعانقه وأجلسه إلى جانبه ، وقال أبا أبا الحسن إني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في النوم يقرأ علي كذا ، فتؤمنني أن تخرج علي أو على أحد من ولدي ؟ فقال : آلله لا فعلت ذاك . ولا هو من شأني . قال : صدقت …)
تاريخ بغداد ، ج 13 – ص 32، والنص في المنتظم لابن الجوزي، ج9 ص87، تهذيب الكمال، للمزي ج29 ص 49

هذا التعهد الذي قاله الإمام الكاظم ع للمهدي العباسي، كان قبل واقعة فخ، فالحسين بن علي الحسني رحمه الله زعيم الثوار في فخ قام ضد الخليفة الهادي ابن المهدي العباسي الذي سبق وتعهد له الإمام موسى بن جعفر بعدم الثورة ضده أو ضد احد من ابنائه.

شهادة السري العباسي

روى أبو الفرج قال : ( فحدثني أحمد بن عبيد الله بن عمار ، قال : قال أحمد بن الحارث ، عن عمر ابن خلف الباهل ، ، عن بعض الطالبيين ، قال : لما قتل أصحاب فخ جلس موسى بن عيسى بالمدينة ، وامر الناس بالوقيعة على آل أبي طالب ، فجعل الناس يوقعون عليهم حتى لم يبق أحد ، فقال بقي أحد قيل له : موسى بن عبد الله . واقبل موسى بن عبد الله على اثر ذلك ، وعليه مدرعة وإزار غليظ ، وفي رجليه نعلان من جلود الإبل ، وهو أشعث اغبر حتى قعد مع الناس ولم يسلم عليه ، وإلى جنبه السري بن عبد الله من ولد الحرث بن العباس بن عبد المطلب ، فقالوا لموسى بن عيسى : دعني اكشف عليه باله ، واعرفه نفسه . قال أخافه عليك . قال : دعني ، فأذن له فقال له يا موسى . قال أسمعت فقل . قال : كيف رأيت مصارع البغي الذي لا تدعونه لبني عمكم المنعمين عليكم . فقال موسى أقول في ذلك : بني عمنا ردوا فضول دمائنا ينم ليلكم أولا يلمنا اللوائم فانا وإياكم وما كان بيننا كذي الدين يقضي دينه وهو راغم
فقال السري : والله ما يزيدكم البغي إلا ذلة ، ولو كنتم مثل بني عمكم سلمتم – يعني موسى بن جعفر – وكنتم مثله ، فقد عرف حق بني عمه وفضلهم عليه فهو لا يطلب ما ليس له …)
مقاتل الطالبيين ، ص 302 – 303

القصد من إيراد النص واضح، فالسري بن عبد الله من ولد الحرث بن العباس بن عبد المطلب على علم بحال الإمام موسى الكاظم ع ، فهو يتمنى أن لو كان الثوار : ( مثل بني (عمهم لسلموا) – يعني موسى بن جعفر – وكنتم مثله فقد عرف حق بني عمه وفضلهم عليه فهو لا يطلب ما ليس له) وعلى الرغم من المبالغة في عبارة العباسي، فإن فيها اشارة لعدم قيام الإمام بالثورات ضد بني عمه من العباسيين، وهذا لا يعني مودته لهم وتأييده إياهم، ولكنه على علم بقلة أنصاره ، وهزيمة وقتل الثائرين في تلك الحروب.

موقفه من واقعة فخ

روى الأصفهاني موقفا آخر للإمام الكاظم ع، وهو موضع شك ورفض، قال : ( حدثنا يحيى بن الحسين بن الفرات ، قال : حدثني عنيزة القصباني ، قال : رأيت موسى بن جعفر بعد عتمة وقد جاء إلى الحسين صاحب فخ ، فانكب عليه شبه الركوع وقال : أحب أن تجعلني في سعة وحل من تخلفي عنك ، فأطرق الحسين طويلا لا يجيبه ، ثم رفع رأسه إليه فقال : أنت في سعة )
مقاتل الطالبيين ، ص 297 – 298

مع يقيننا بأن الأمام الكاظم ع ، كان يرى نفسه إماما من بعد أبيه كما في نص أبي سهل البخاري، فلا يصح هذا القول المنسوب إليه، ولو افترضنا صحته فلا يصلح دليلا على زيدية الإمام عليه السلام كما يحلو للبعض أن يقول، فقد يكون هذا الموقف من الإمام قد صدر منه تقية ، فقد ذهب بعض أعلام الزيدية أنه عليه السلام كان يتقي بعض رموزهم في مسائل هي اقل شأنا من الثورة والقيام.
جاء في كتاب الجامع الكافي، باب مواقيت الصلاة، ص 142 ـــ 143 : مسألة: إجماع آل محمد على القنوت قال أحمد عليه السلام – فيما رواه محمد بن فرات، عن محمد، عنه -: ولاتدع القنوت في صلاة الفجر.
وقال الحسن، ومحمد: أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وعليهم على القنوت.
وقال الحسن أيضاً – في رواية ابن صباح عنه – ومحمد في (المسائل): القنوت في الفجر والوتر عندنا سنة ماضية، وأجمع أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على القنوت في صلاة الفجر.
قال محمد: وعلى المرأة من سائر صلاتها من القنوت وغيره ماعلى الرجل، وليس عليها أن تجهر مثل الرجال.
قال محمد: ذكرت للقاسم عليه السلام القنوت فلم يوجبه. وقال: إن كان لابد ففي الفجر، ورأى أن يقنت بشيء من القرآن.
وحدثني القاسم، عن موسى بن جعفر، أنه قال: لاتقنت وما أصابك ففي رقبتي.

قال محمد: وجه هذا عندي من موسى على جهة التقية!! )

فإن كان الإمام الكاظم ع يتقي القاسم الرسي في مسألة فقهية هي من مستحبات الصلاة، فليس بعيدا أن يتقيهم ويداريهم في الخروج والثورة، وهذا يؤكد ما تقوله الإمامية من لجوء أئمتهم للتقية حفظا لنفوسهم ونفوس شيعتهم .

قال عبدالله بن حمزة : ( ذكر وقعة فخّ واستشهاد الإمام الحسين بن علي الفخّي(ع) ، فلما استقرّ له أمر المدينة استخلف عليها درباس الخزاعي، ثم توجه إلى مكة في ثلاثمائة وبضعة عشر عدة أصحاب بدر، فلما صار بفخّ جاء والقوم قد ملكوا عليه مكة حرسها الله وشحنوا أنقابها بالخيل والرجال، فلزم في فخ، …
وتخلّف عنه موسى بن جعفر بإذنه كما قدّمنا، وقال: إنك مقتول فأجدّ الضراب فإن القوم فسّاق يظهرون إيماناً ويبطنون شراً، وإنا لله وإنا إليه راجعون وعند الله نحتسبكم، وقال: اقتلوهم وأنا شريككم في دمائهم )
الشافي ج1ص 500
تصيب المرءالحيرة، لهذه التبريرات، فجعفر الصادق ع يتخلف عن زيد بحجة الاهتمام بآل زيد، ثم يذكرون تخلفه عن محمد بن عبدالله لكبر سنه، ثم يستأذن موسى ع من الحسين صاحب ثورة فخ، لكن الحقيقة أن هؤلاء الائمة من ابناء الباقر عليهم السلام كانوا يعلمون بفشل تلك الثورات ومقتل رموزها.

من يلاحظ نص عبدالله بن حمزة لا يرى فيه اعترافا من الإمام موسى بن جعفر بإمامة الحسين صاحب فخ، ولو اتخذه إماما حقا لخرج معه يفديه بنفسه، أما نصحه له بقوله : (إنك مقتول فأجدّ الضراب فإن القوم فسّاق يظهرون إيماناً ويبطنون شراً، وإنا لله وإنا إليه راجعون وعند الله نحتسبكم، وقال: اقتلوهم وأنا شريككم في دمائهم )

فهو حق ويدل على أن الكاظم ع هو إمامه، وقد روي اللفظ نفسه في مصادر الإمامية، وهو دليل على علمه بمقتلهم، كعلم الباقر والصادق عليهم السلام بمقتل زيد ويحيى ومحمد وإبراهيم، وقوله حق فكل مؤمن ينكر ويغضب من أفعال أولئك الظلمة، وليس في كلامه عليه السلام ما يدل على زيديته، خاصة أنه كان يرى نفسه إماما من دون قيام ولا دعوة .

مما يدعو للتأمل ذكرهم ان للكاظم ع تسعا وخمسين ولدا ما بين ذكر وأنثى، ومع ذلك لم يقتد بأبيه الصادق ع فيرسل أحدا من ابنائه الذكور لنصرة الحسين الفخي رحمه الله !

يتبع
الامام الرضا ع وموقفه من الثورات العلوية (الحلقة الرابعة)

قامت عدة ثورات وحركات ضد الحكم العباسي في زمن الإمام علي بن موسى الرضا ع، لكن من يراجع كتب التاريخ والتراجم لا يجد تأييدا من الإمام الرضا ع لتلك الثورات والحركات، فهو لم يشترك بها ولم يباركها ولم يشجع الناس على الالتحاق بها، بل نجد العكس من ذلك.

من تلك الثورات : ثورة الحسين الفخي سنة 169ه، وثورة محمد بن إبراهيم بن طباطبا سنة 199هـ، وثورة محمد بن محمد بن زيد بن علي الذي أكمل ما قام به محمد بن إبراهيم بن طباطبا…

الملاحظ على هذه الثورات الثلاث عدم اشتراك الإمام الرضاع فيها، ولم يعط رأيا يؤيدها ولم يباركها، بل إنه كان مخالفا لها، فهو يرى نفسه إماما كأبيه الكاظم وجده الصادق عليهم السلام .

موقفه من ثورة عمه محمد الديباج بن جعفر الصادق ع (ت203ه)

روى أبو الفرح الأصفهاني : ( أخبرني أحمد بن عبيد الله ، عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه ، وأخبرني علي بن الحسين بن علي بن حمزة العلوي ، عن محمد ، عن عمه . أن جماعة من الطالبيين اجتمعوا مع محمد بن جعفر ، فقاتلوا هارون بن المسيب بمكة قتالا شديدا ، … وأرسل هارون إلى محمد بن جعفر وبعث إليه ابن أخيه علي بن موسى الرضا ، فلم يصغ إلى رسالته . وأقام على الحرب ….)
مقاتل الطالبيين ، ص 359 – 360

يدل هذا النص على عدم نصرة الإمام الرضا عمه الديباج والثائرين معه، بل يدل على خلاف الإمام الرضا ع مع الثائرين، وتوسطه لإنهاء حركتهم، وإلا لما كان ساعيا في اخماد تلك الثورة، يؤيد هذا ما روي من طرق الإمامية، قال الشيخ الصدوق : (حدثنا علي بن عبد الله الوراق قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن الحسن بن أبي الخطاب ، قال : حدثني إسحاق بن موسى قال : لما خرج عمي محمد بن جعفر بمكة ودعا إلى نفسه ودعى بأمير المؤمنين وبويع له بالخلافة ودخل عليه الرضا عليه السلام وأنا معه فقال له : يا عم لا تكذب أباك ولا أخاك فإن هذا أمر لا يتم ثم خرج وخرجت معه إلى المدينة، فلم يلبث إلا قليلا حتى أتى الجلودي فلقيه فهزمه ثم استأمن إليه فلبس السواد وصعد المنبر فخلع نفسه وقال : إن هذا الامر للمأمون وليس لي فيه حق ثم أخرج إلى خراسان فمات بجرجان)

قال السيد الخوئي : ( وتقدم في ترجمة الحسن بن القاسم ، أن الرضا عليه السلام كان قد أبطأ على عمه محمد هذا ، فلم يحضره عند موته . أقول : يظهر من إبطائه عليه السلام على عمه محمد ، أنه لم يكن مرضيا عنده وموردا لعطفه ورأفته …) .
معجم رجال الحديث ، ج 16 – ص 173 – 175

وقد روى الطبري ما يدل على ندم محمد بن جعفر وخلع نفسه من الإمامة، فانظر : تاريخ الطبري ، ج 7 – ص 128

أن موقف الإمام الرضا ع الرافض لثورة عمه ، يدل على بطلان قول عبدالله بن حمزة : ( إن الكل من ولد الحسين والحسين عليهم السلام يعتقدون الإمامة فيمن قام جامعا لخصال الإمامة، ودعا إلى الله سبحانه )
العقد الثمين ص 79

فمحمد الديباج من أئمة الزيدية ، لكن لم يعتقد الرضاع إمامته، ولو كان يعتقد ذلك لقام معه، لكنه توسط بين وبين خصومه ليوقف ثورته.

موقفه من محمد بن سليمان

هو محمد بن سليمان بن داود بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

كان في المدينة أيام أبي السرايا، وطلب الإمام للإنضمام إليه فأبطأ الإمام عنه، ولم يشترك في الثورة.
عيون أخبار الرضا ( ع ) ، ج 2 – ص 224 – 225

موقفه من أخيه زيد النار

قال الطبري : ( والذي كان بالبصرة من الطالبيين زيد بن موسى ابن جعفر بن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب ومعه جماعة من أهل بيته وهو الذي يقال له زيد النار وانما سمى زيد النار لكثرة ما حرق من الدور بالبصرة من دور بنى العباس وأتباعهم وكان إذا أتى برجل من المسودة كان عقوبته عنده أن يحرقه بالنار وانتهبوا بالبصرة أموالا)

وقال ابن عنبة الحسني : ( ولما دخل البصرة وغلب عليها أحرق دور بنى العباس وأضرم النار في نخيلهم وجميع أسبابهم ، فقيل له زيد النار ، وحاربه الحسن بن سهل فظفر به وأرسله إلى المأمون فأدخل عليه بمرو مقيدا فأرسله المأمون إلى أخيه على الرضا ” ع ” ووهب له جرمه ، فحلف على الرضا ” ع ” أن لا يكلمه أبدا وأمر باطلاقه)
عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ، ص 221

يؤكد ابن أبي الرجال موقف الإمام الرضا ع منه، قال في مطلع البدور ج2 ص 313 : ( زيد بن موسى الكاظم الذي كان يلقب بزيد النار، كان عالما كبيرا من وجوه أهله… فلما دخل على البصرة وغلب عليها حرق دور بني العباس واضرم النار في نخيلهم … فأرسله المأمون إلى أخيه علي الرضا، ووهب له جرمه، فحلف علي الرضا الا يكلمه أبدا، وأمر باطلاقه )

وقال عنه : ( كان عالما كبيرا من وجوه أهله… وكان هذا السيد الجليل حافظ الزيدية ) المصدر نفسه

قال الشيخ المفيد : (وعلى الرضا علي بن موسى عليهما السلام وقد ولي العهد من قبل المأمون وأنكر على أخيه زيد بن موسى الخروج على السلطان)
المسائل الجارودية ، ص 39

حلف الإمام الرضا ع أن لا يكلم هذا الثار الزيدي، وكأنه جنى ما ليس يغتفر !
ولو كان الرضا ع على نهج زيد النار لواساه وخفف عنه وافتخر به، لكنه حلف ألا يكلمه ، وهذا يدل على ارتكاب زيد مخالفة كبيرة استدعت ذاك الموقف الغاضب من الرضا ع .

روى الشيخ الصدوق عتاب الإمام له، قال : ( … فلما أدخل إليه قال له أبو الحسن عليه السلام : يا زيد أغرك قول سفلة أهل الكوفة أن فاطمة عليها السلام أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار ذلك للحسن والحسين خاصة إن كنت ترى إنك تعصي الله عز وجل وتدخل الجنة وموسى بن جعفر عليه السلام أطاع الله ودخل الجنة فأنت إذا أكرم على الله عز وجل من موسى بن جعفر عليه السلام والله ما ينال أحد ما عند الله عز وجل إلا بطاعته وزعمت أنك تناله بمعصيته فبئس ما زعمت ! فقال له زيد : أنا أخوك وابن أبيك فقال له أبو الحسن عليه السلام : أنت أخي ما أطعت الله عز وجل أن نوحا عليه السلام قال : ( رب إن ابني من أهلي وأن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين ) فقال الله عز وجل : ( يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ) فأخرجه الله عز وجل من أن يكون من أهله بمعصيته )
عيون أخبار الرضا ( ع ) ، ج 2 – ص 259 – 260

ثورة القاسم بن إبراهيم الرسي (ت 246هـ)

بدأت ثورة القاسم بعد قتل أخيه سنة (199ه). قال مجد الدين المؤيدي: ( قام لما سمع بموت أخيه الإمام محمد بن إبراهيم بمصر سنة تسع وتسعين ومائة)
التحف في شرح الزلف، ص 138
لم يرد أن الإمام الرضا ع شارك في تلك الثورة أو أيدها أو مدحها، أو دعا الناس لنصرتها.

تنبيه :

يحاول بعض المتأخرين من الزيدية عد الإمام الرضاع من ضمن أئمتهم، والذي ينقض هذا هو عدم مشاركة الإمام الرضا ع في أي ثورة بالرغم من كثرتها في زمنه، بل إنه كان ضد تلك الثورات كما بينتُ وكما في موقفه من أخيه زيد، حيث حلف أن لا يكلمه، وهو الذي يدل على غضبه من سلوكه ومباينته لنهجه .
على أن قبوله لولاية العهد تم بالإكراه والتهديد، وماكان راغبا بها، وإنما هي حيلة من المأمون ليمتص غضب الثارين من بني فاطمة ع.

روى أبو الفرج الاصفهاني قال : ( أخبرني ببعضه علي بن الحسين بن علي بن حمزة ، عن عمه محمد بن علي بن حمزة العلوي ، واخبرني بأشياء منه أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا يحيى بن الحسن العلوي ، وجمعت أخبارهم : أن المأمون وجه إلى جماعة من آل أبي طالب فحملهم إليه من المدينة : وفيهم علي بن موسى الرضا ، فأخذ بهم على طريق البصرة حتى جاؤه بهم ، وكان المتولي لأشخاصهم المعروف بالجلودي من أهل خراسان ، فقدم بهم على المأمون فأنزلهم دارا ، وانزل علي بن موسى الرضا دارا . ووجه إلى الفضل ابن سهل فأعلمه انه يريد العقد له ، وأمره بالاجتماع مع أخيه الحسن بن سهل على ذلك ، ففعل واجتمعا بحضرته ، فجعل الحسن يعظم ذلك عليه ، ويعرفه ما في إخراج الامر من أهله عليه . فقال له : إني عاهدت الله أن أخرجها إلى أفضل آل أبي طالب إن ظفرت بالمخلوع وما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل . فاجتمعا معه على ما أراد ، فأرسلهما إلى علي بن موسى فعرضا ذلك عليه فأبى ، فلم يزالا به وهو يأبى ذلك ويمتنع منه ، إلى أن قال له أحدهما : إن فعلت وإلا فعلنا بك وصنعنا ، وتهدده ، ثم قال له أحدهما : والله : أمرني بضرب عنقك إذا خالفت ما يريد . ثم دعا به المأمون فخاطبه في ذلك فامتنع ، فقال له قولا شبيها بالتهدد ، ثم قال له : إن عمر جعل الشورى في ستة أحدهم جدك ، وقال : من خالف فاضربوا عنقه ، ولابد من قبول ذلك . فأجابه علي بن موسى إلى ما التمس)
مقاتل الطالبيين ، ص 375

إن الثائرين العلويين قاموا ضد الحكم العباسي، والرضا ع كان وليا للعهد لدى حاكم عباسي سعى الثوار لاسقاط حكمه، فالإمام الرضا ع حسب ما يراه هؤلاء هو أحد أركان الدولة العباسية، فكيف عدوه من أئمتهم؟

والمفارقة التي يلاحظها الباحث هو اختلاف الرضا ع والقاسم الرسي، فالرضاع ولي عهد الخليفة العباسي ، والرسي ثائر ضده! وقد سعى المأمون للتواصل مع القاسم فرفض.
الأحكام ليحيى بن الحسين ، ج 2 – ص 479

فكيف ـــ وفق متطقهم ـــ يتواجد إمامان يأمران بالمعروف وينهان عن المنكر، أحدهما ولي عهد للخليفة والأخر ثائر ضد الخليفة؟!

يتبع

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here