قضايا مثار خلاف !

حينما يتاخر النضج السياسي يأتي بكوارث كثيرة ، ويبقى مصدر مهم لها . وما يفاقم عدم النضج السياسي ليس فقط قلة الخبرة والتجربة ، فهذه يمكن أن تجاوزها بطرق كثيرة ، عن طريق الوسطاء والاستعانة بالخبراء ، ولكن ، معضلة تأخر النضج السياسي ، تكمن بتضارب المصالح السياسية ، وعدم التنازل من قبل تلك الأطراف لبعضهم لتكوين رأي موحد يتطابق مع ظروف الوضع الراهن وما تتطلبه المصالح العليا لبلد . ورغم ، ما يبدو على مفهوم النضج السياسي ، من غموض ، وصعوبة الحصول عليه بطرق العادية ، فهو ، لا يحصل عليه ، ، كما يعتقد ، عادة بعد خبرة وتجربة طويلة فقط ، وإنما قد يبلغه بلدة أو دولة ، في الحال ، وبطفرة واحدة ، وعلى الفور ، إذا توفرت قيادة رشيدة ، وقد يسقط بلد عريق في السياسة والتجربة بعدم النضح ، نتيجة بلوغ قيادة متهور لسلطة ، وغير مبالية في مصلحة البلاد . والعراق يبدو البلد المثالي ، لهذه الحال ، وإلى التضارب والتنوع في المصالح والأهواء . فليس هناك ، من رأي واحد في معضلة ومشكلة ! لذلك تجد المرء يحتار في اختيار ، أي فكرة تعبر عن الرأي العام ، أو أغلبية الناس ، فهناك فقط مواقف فردية متعدد كل واحد ينسج من خياله ما يحلو له ، وبدون أي ضوابط ، وبلا مراعاة لأي ذوق أو حس عام ، حتى لذلك ، تبدو المواقع العراقية ، وكأنها حلبة إلى اغرب الأفكار جنون وشطح . وهذه الميزة والخصلة تعكس سمة تميز بها العراقين منذ فترة طويله من تاريخه وشخصها الكثيرون ولكنهم احتاروا في تعليها وسر أدامتها مع كل اختلاف الفترات التاريخية والعهود التي مر بها ، وهي تبدو حتى لحد اليوم عصية على التحليل والمعرفة . وكل من يتصدى لمعرفتها ، يبدو لا يفعل شيء سوى أضافة رأي جديد فيها . لذا ، سنأخذها كمسلمة ، بأن العراقين ليس لهم رأي موحد في حتى القضايا المصيرية والجوهرية . فكل واحد منهم ما زال ينتمي لقبيلة ، التي تخذت، في الوقت الحالي ، شكل مجموعة ، أو الحزب الذي ينتمي له أو العصابة . هذا ما يخرج الواحد وهو يتابع ما يكتب في الشأن العراقي في تلك المرحلة من حياة البلد الذي هو الضحية ، لتلك الجموع المتنافر . ولو أردنا ، أن نحدد القضايا التي يختلفون فيها العراقين في الوقت الحالي فأنهم ، يختلفون في هذا المشاكل ؛

(١) بالطبع ، سوف لن نأتي بجديد في الأشارة القضايا الخلافي في المرحلة الحالية . ولعل أول هذه المسائل هي الموقف ، مما يسمى في “الانتفاضة” ، فد تسأل البعض هل هي عوفية ، وحدث عراقي محض ، حدث ، بعد أن طفح الكيل من الفساد ، والحكومات الفاسدة المتعاقب التي لم تقدم شيء يذكر ، مقارنة بالفترة الطويلة التي مرت والمردود المالي الكبير الذي تلقى من واردادت النفط ، والذي نهب في وضح النهار . هذه القضية ، لم تُزل تشغل التفكير العراقي بتعريف هوية المنتفضين ، وتحديد الموقف منها ، فالبعض ، جزم منذ اللحظة الاولى انطلاقها ، بأنها صنع عراقي محض ، نبتت كالفطر ، فجرها الشباب ، الغير واعي ، والذي لم يلوث بدران صدام البعث ، فهم جديدوا تماماً على الساحة وينشدون فقط وجود وطن تحترم فيه بشريتهم ، ويكون أسوت في بلدان العالم المتقدم . ولا يدري المرء كيف ولد هذا الشباب ، فهم يبدون كأنجاب الكركدن غزال ، فالشباب ولدوا كما ولدت أثنيا ربة الحكمة في رأس زيوس رب ارباب اليونان القديمة ، بعيد عن أي مخاض وفترة حمل ، فهم ليسوا حمل الشعب العراقي ، وبعيدين عن كل المؤثرات الدينية والعائلية ، انبثاق من العدم . هكذا يعبر عنهم ، وتغنى فيهم الأناشيد ، بحق هؤلاء الشباب ، من قبل مالكي ” الانتفاضة ” . مثل هذا التقيم ، يخفي في طياته تؤاط مسبق ، ويشيء ، بسوء نية ، وتسرع في الحكم ، على ظاهر لم تبين كل تفاصيلها ، ولم تتضح معالمها بعد كاملة . وبما أن العرقين أهل خرافةً ، وتصديق عفوي ، فسوف لن نتوقف طويلاً عند تفنيد هذه الأسطورة . فقد تكشفت ، الكثير من حقيقة هذه الانتفاضة في مسيرتها خلال هذا الشهور من عمرها ، وأعطت التطورات اللاحقة صورة واضحة عن ميلها ومزاجها ، وعرف شيء عن سرها ودخيلتها ، وأنها ليس حبل بلا دنس . ولنقر ، في هذا الموقف ، ألى أنصار الانتفاضة ، أن الحكومات المتعاقبة على العراق تستحق كل الأزدراآ والنقمة ، وتسحق الإسقاط ، فهي ضيعت على العراق فرصة تاريخية ليكون بلد محترم ومتطور . ولكن ، على من يدعون ملكية الأنتفاضة ، والناطقين بسمها ، أن لا يستخفوا بالرأي العام من جديد ، ويعمدو إلى نفس الاسلوب بعدم تسمية الاشياء بسمها ، والذي يعني ، أن يسبغو صفات على الانتفاضة لا تملكها . فكلنا نعرف أن الأسلامين فشلوا فشل ذريع في تقدم خطوة واحدة للأمام . لكن ، يجب أن يعرف الجميع هوية الانتفاضة ، ومن يقودها في العلن والسر ، لكي يمحضها تأييده ، ولا يوقع على بياض بجعلها لغز ،يتضح ، معناه وحله بعد فوات الآوان . فالمشكلة ، يجب أن يكون حلها بيد جميع الأطراف العراقية ، ولا يسلم حلها إلى الشباب الذي يبدو يحمل أسفار غيره ، فلغة الاستغفال ، والغميضة ، التي يطبل لها كتاب الانتفاضة ، بات تبعث القرف في النفوس ، وتؤشر إلى ، وجهان لعملة واحدة من كتاب القادسية وأهل الردح والوطنية الزائفة في الوقت الحالي . فحل المشكلة من مسؤولية الجميع ، وليس حكر لمالكي الانتفاضة المتنكرين ببرقع الوطنية الكاذب . فعلى أساس هذا القبول بمشاركة الجميع ، من قبل كل من يدعي ، أنه قادر على أيجاد مخرج للأزمة ، وعن طريق ، الطرق الديمقراطية ، التي يجب أن لا يتم خارجها شيء تتضح هوية المنتفضين ، حتى يمكن الاطمنان لتسليم دفة البلد في أيادي أمنية . أما التستر والغموض والمواربة ، فهذه ، كلها أساليب تخفي ، أشياء لا يصرح بها في الوقت الحاضر ، لحد نضوج الطبخة التي يوقد تحت نارها ، كتاب الانتفاضة الذين يقبلونها على علاتها . فهذه ليس مشكلة متفردة بالعراق ، أعني مشكلة الفساد وأيجاد سلطة بديلة ، بل جزء من مسلسل طويل مارس في هذه المنطقة ، كحجة لتغير الأنظمة ، بهذه الذرائع بات القاصي والداني يعرف الكثير من تفاصيله ، لتخدم غايات خاصة . لكن السكارى ، بما يدفع الاستمرار ” الانتفاضة” ، خلعو ، كل عذار وحذر نقدي ، وراح خطابهم الأجوف يشيء ، بعقد الذنب وبهوس المزايدة . لذا مستقبل الانتفاضة مرهون ، بتقدم تبرير لوجودها وشرعيتها ، وليس بتكرار ما يقوله كتاب الانتفاضة بأنها حبل بلا دنس ، ومعجزة ألهية ، ما عليها ، سوى أن تهز جذع نخلة ليسقط على البلاد رطب شهي . هذاالاطروحات التي يهذي بها أولئك القذرون كما يقول سارتر في وصفه لصحاب النوايا السيئة ، أي أولئك الذين يعرفون حقيقة ، قادة التظاهرات ويتظاهرون بعدم المعرفة ، وأنهم أصحاب نية صادقة، أستفاقت وطنيتهم ، التي قمعتها الدكتاتوريات المتعاقبة على هبات سماوية . ما عادة تقنع من خبر العراقين وعرف طينتهم ، وميولهم ومشاربهم ، وأن وطنيتهم ، هي أخر من يذكر عند النوائب ، وأنها مثل كلب بافلوف تستيقظ فقط على قرع الجرس في الولائم ، عندئذ يرقصون وينتشون . وعليه ، في نهاية هذه التقيم ، ما يبعث على الخوف ، مما قد تؤول له ” لانتفاضة ” ، أن يسلم العراق ، مرة آخر مرة بيد عصابه خفيه . لا يعرف عنها شيء سوى أن الشباب يقودها. هذا الالتباس ، في عدم معرفة من يقف خلف ” الانتفاضة ” هو الذي قد يؤدي في الأخر لتضائل شعبيتها ، وجعلها موضع شك ، وسوف يؤدي في أخر المسافة لنهايتها ، كحلم جميل ، بتكوين وطن معقول في بلاد غير معقول .

(٢) أما القضية الثانية والتي يكثر فيها خلاف العراقين ، فهي ، الموقف من أيران ، ونحن لو نظرنا لهذه المشكلة بعيد عن الانحيازات الطائفية ، وعيناها كمشكلة عراقية تخص جميع طوائفهم بلا تميز ، ولا تخص الشيعة وحدهم ، كحاضن لهم ، كبقية الطوائف التي لها حواضنها . فسنجد ، أن أن أول ما يوجهنا أن لا يقدر أي أحد ، أو بلد أن يقفز على الجغرافية ، فالاكراد ، مثلاً ، في بداية تحررهم ، من الحكم الصدامي ، أو العربي ، كما يقول الأكراد ، أرادوا ، أن يقفزوا على الجغرافيا ، ويرموا كل أوراقهم وثقلهم في السلة الامريكية ، ويصبحوا أمريكان أقحاح ، بعد أضطهد طويل ، من جيرانهم العرب وحكامهم ، رغم ما يبدو ، وعلى الرغم ما يبدو برغبتهم من مشروعية ومعقولية ، لكونها ، تنشد الخلاص والتحرر بأي ثمن ، ولو على دس الرأس في الرمال ، على عدم رؤية الواقع المحيط بهم . فهم ، مع ذلك ، أرادوا التحليق في الفضاء ، متجاهلين قانون الجاذبية ، وكل ما يحيط بهم ، تجاهل أكراهات الواقع . والعراقين من العرب السنة والمشايعين لهم من الشيعة العرب الطامحين بتخلص من نفوذ أيران وتدخلهم في شؤون بلدهم مثلهم مثل أبناء وطنهم الأكراد ، يريدون أن يتجاهلوا الجغرافي ، وآية ذلك ، أن جاذبية أيران وتأثيرها في العراق والعراقين لا ينبع من العدم ، فهو ممتد بعمق التاريخ ، منذ أن صاغ سبويه وزملاء من الفرس قواعد اللغة العربية ، ومنذ كان الشعراء يتوافدون على البلاط الفارسي ، والآن ، يحاول عباقرة الشباب ، ، أن يثبتوا أن أيران متطفل على تاريخ المنطقة ، وأن الأمريكان أكثر تجذر في المنطقة ، فالشباب من حقه تجاهل الحقيقة ، وخلق أساطير ، أما أن يطلب منا ، بل يأمرنا ، حماة الانتفاضة تصديق أساطير الشباب . فجنود الله في العسل ، كما يقول صاحبنا معاوية . أن تجاهل لحقائق الواقع هي التي تقود لقفزات متافيزيقة وبهلوانية ، ولنعذر هنا ، عن الافاضة في تبيان عمق ، التأثير الفكري ، الذي مارسه الفرس على العقلية العربية ، فهم الذين صاغوا العقلية العربية ، فالكل ، يقول بأن رسالة الشافعي ، هي التي حلت تأثير الحديث ، محل القرآن ، في التفكير ، وأصبح ما يتعارض مع القرآن يصحح بالحديث ، بعد أن كان ، كل شيء يصحح بالقرآن ، حسب ما أكد الفقه الشافعي والحنبلي ، كما عرض جورج الطرابيشي ، في كتابه إسلام القرآن وإسلام الحديث . والنحو قديماً وحديثاً ، كما يقال هو منطق كل تفكير . والبنية التي من منها يفكر المرء ، وهذا صناعة فارسية . وصحيح ، أن النحو موجود في اللغة كامن فيها وشيء في اللغة العربية ، وبطريقة الحديث والقول والكلام فيها ، قبل أن يستنبطه الفرس، عن كلام العرب ، ، ولكن صياغته ، وضعه في قواعد محكمة ، لابد تخلف أثرها في الفكر ، الذي بدأ يفكر فيه ، بعد أن ظهر كتاب الكتاب لسيبويه . ويشهد على ذلك كتاب نقد العقل العربي ، لجابري في محاولة لتخليصها من هذا التأثير . فالقطيعة ، التي ينادي بها الشباب ، ومنظرهم المعصوب كاظم حبيب ، مع أيران الذي لا ينبع تفكيره من دافع تحرري من العقلية الدينية ، الذي يبدو أن أيران لا تزال تحت هيمنته ، وإنما من دوافع شخصية بحته ، لا تمت لتفكير المجرد عن المصلحة والأهواء بصلة . وبما أن القصد من هذه المقالة الأشارة والتلميح ، فالتفاصيل ، نظن معروفة إلى الأكثرية ، فلا حاجة لتكرار ، أقصد دور ايران قديماً ، فهي مثلت دور العقل المفكر في الساحة الاسلامية بشهادة محمد أركون ، فأيران ، لا يمكن ألغاها ، وتجاهلها ، من التأثير في الوضع العراقي لظروف تاريخية ، كما هو الحال ، إلى السعودية ودول الجوار ، والمطلوب هو التكيف لهذا التأثير ، وأسيعاب لهذا الوضع ، وليس بتغلب تأثير طرف على أخر . فأيران ، لقطاع واسع من الشعب العراقي تمثل الانتماء الفكري والعقيدة . لذا فكل المنادين بفك هذا الارتباط لا يتم عن حسن نية وبدافع وطني ، وإنما ، دفاع ، واضح وصريح ، لتغليب طرف آخر من أطراف الصراع بالعراق ، فقد بات ثابت ، نتيجة ، الوضع العراقي المتميز ، العراق هو ساحة كل دول المنطقة لصراع فيه ، هذا قدر العراق قديماً وحديثاً ، وسف لن يتغير إلا بمعجزةً ، ليس من بنية هذا الكون ، فالعراق تابع ، ولن يكون غير ذلك لما يحيط به ، هذا ما ختار العراقيون بنفسهم بوعي أو بدونهً . لذلك ، تجد فيه شيع كل منهم يغني ليلاه ، ويتهم الآخر في التبعية والعمالةً، وليت شعري ، كما يقول الشعراء من هو على حق . لذلك لا نظن آبداً ، ومطلقا ، بأن اولئل الذين الذين يحملون أيران مأسي العراق كائنات برئية ، بل نجزم ، أنهم أس ، ما يحدث من دمار وخراب . وفِي النهاية ، علينا أن تقول أن الموقف من أيران يجب أن يتخذ بعقلانية ومع مراعات ما يحيط به من تعقيدات . فكل بلد هو مجموع علاقاته ، وكل إنسان ، وكل ثروته ، كما يقول ماركس هو مجموع علاقاته ، فلن يوجد بلد ، ولا إنسان فوق هذه العلاقات فأمريكا ، على بعدها ، مثلا ، أصبح لها تأثيرها ، في التفكير العراقي ، والموقف منها غدا واضح . فلماذا لا يحسب ، للأيران ، تأثيرها رغم قربها ! مثل هذا التجاهل مضر في مصلحة العراق كبلد يريد أن يكون مستقل ويتصرف بعقلانية .

(٣) ومن القضايا ، التي يكثر مناقشتها ، والقول فيها ، هو الموقف من أمريكا ، ومن حسن الصدف ، ، أن هذا الموضوع ، لا يحتاج التكرار فيه ، فقد اشبع ، الفضول فيه ، المفكر العراقي ، د . عبدالخالق حسين ، ولم يبق لمزستزيد من مزيد ، حتي ، أنه يتطبق في هذا المجال قول عنتر، في استنفذ قول شيء جديد في شيء كثر القول . هل غادر الشعراء من متردم ،،، أم هل هل عرفت الدار بعد توهم .

وبما أن الأحوال في تغير وتبدل ، وأنك لاتستطيع ن تسبح في النهر مرتين ، لنكرر ، ما يقوله ، ولو ليس بعبارته وأنما بما يتضمن قوله ، أن أمريكا هي بات في العصر الحديث مثل روما أو بلاد في فارس في العصور القديمة ، لا يمكن تجاهلهما ، إلا بثمن باهظ ، فأمريكا الآن هي عاصمة الحضارة ، ومعادتها ، لا تعني سوى الخروج عن الحضارة ، والحرمان من الكثير من منجزاتها ، خصوصاً ، بعد ما أصبحت العقوبات بيدها ، وخرجت من الامم المتحدة . وبالطبع ، أن أمريكا ليس ضئيلة الشأن ، بدل هي دولة عظمى ، وعلى العراق أن يتكيف لوضعها وسلوكها وليس بتكيف أمريكا لوضع العراق ، فالجزء، في النهاية ، إذا أراد أن يستمر في الوجود أن يخضع لمشيئة الكل ، وأمريكا بات في عصرنا هي هذا الكل الذي يأمر . فالعراق ، في الخارطة العالمية مجرد صفر ، ولا تصبح له قيمة إلا مع رقم آخر يوضع على يمنيه وليس عليه سوى ، التكيف لوضع أمريكا وإلا بقى صفر كما كان . فامريكا ، في النهاية ، ليس وحش كاسر ، وهي تقبل العلاقة المتوازنة ، فهي ليس فيها فقط كواسر الرأسمالية الجشعين ، وإنما دولة الموسسأت التي فرضها تنافس القوى في المجتمع الامريكي ، وليس أرادة القوي على الضعيف ، ومن هنا يمكن الأطمئنان لحس العدالة في التعامل مع العراق ، إذا أحسن التصرف . فأمريكا ، هي أيضاً ، ليس مؤوسسة خيرية ، كما يكثر أقول بذلك ، ويمكن أن تطرد أي متسول يطرق بابها بِسْم الرحمة والإخوة الإنسانية ، وبما أن العراق يملك الكثير من من الميزات التي لا تجعله متسول ، فيمكن أن يوظف هذه في صالحه ، إذا أراد دخول هذا السوق العالمية ، التي تمثلها أمريكا ، ولكن العراق لا زال للأسف يخضع إلى الشعارات التي تحارب أمريكا . فأمريكا سوق مفتوحة ، لكل الراغبين في دخولها ، ولكن بشروط السوق وليس بشروط زبائنها . ولذلك نرى ، رغم كل ما يقال ، عن أمريكا ، يأتي في الغالب من سوء فهم ، وليس من مصلحة حقيقة لبلد ، كلها تنم عن خضوع أيدلوجي قصير النظر لهذا أو ذاك وليس لمصلحة البلاد العليا . فامريكا ، بات هي الأفق التي تحدد بها الرؤية الصحيح من الخاطئ . فأيران ، مثلاً ، رغم قربها من العراق كثيراً ، وعلاقتها الحميمية ، مع أطراف شيعية ، يجب أن لا تقفl عائق في سبيل العلاقة مع أمريكا ، لأن هذا ، أي الحرمان مع أمريكا ومعسكرها الحرمان من النور والحضارة . فلا أحد يعلو فوق هذا العلاقة ، إذا كان مسقبل البلد متعلق بها . وبما ، أن يوجد في العراق ، وفِي أعلى مراكز السلطة ، من هو ، مستعد أن يخدم أمريكا بطرق المشروعة وغير المشروعة ، فأن هذا ، إذا العلاقة إذا سأت بينها والدولة العراقية ، يمكن أن توظف هذه وغيره ، والكثير من يؤدون أن يسيروا

في ركابها ، فقد تحصل كوارث ، كما هي الحال في مجئ صدام لسلطة ، ومجئي داعش ، فلا أحد يعلم ، ماذا يخبئ المستقبل . فالعراقين، بشكل عام ، يجب لا يعول عليهم كثيراً في هذه الفترة، فأكثرهم معطوبين من الداخل والخارج ، وجلهم مشروع للخيانة . فأمريكا هي حبل النجاة في هذه الفترة ، إذا وجد من يحسّن التصرف من تلك البقية، التي يراهن عليها أنها لم يمسها الفساد بعد ، ولم تصب بمرض العصر . فكل الدعوات للخروج أمريكا من العراق لم تصدر عن حسن نية وبدوافع وطنية وأنما بحسابات شخصية وفئوية ومصالح حزبية ، لا أكثر . لذلك نرى من هذا الدعوات مغرضة ، وخطرة ، خصوصاً ، إذا فهمت بعد فوات الآوان ، فامريكا لا يمكن الاستغناء عنها ، فمفاتيح الاقتصاد العالمي كلها بيدها ، فيجب أن لا يفوت الآوان في أداراك الحاجة لوجود أمريكا في العراق . فمنطق عصرنا ، ولغته ، بات أمريكية ، وعلينا نقبل في خيرها وشرها ، وتكيِّف لهذه اللغة والمنطق ، بعدما ، أثب في التجربة ، أن العراقين ، بكل أطيافهم وصنوفها لا يقدروا أن يخروج العراق من مأزقه الحالي ، الذي هو صناعة عراقية خالصة ، وليس كما يعلقه ، البعض ، على أمريكا ، أو أيران أو دول الخليج . وما ندعو أليه ، هنا ، في ضرورة بقاء أمريكا يجب أن لا يفهم على أنه الوجود العسكري فقط . صحيح الاتفاقية الأمنية تضمن هذا ، ولكن نرى الوجود الامريكي المدني ، والدبلوماسي ، هو الأكثر فائدة للعراقين ، وخصوصاً بعد ما أصبح العراق لديه جيش قوي ، وكذلك ، هذا الوجود المدني يقلل فرص الاحتكاك العنيف بين الجانبين ، إذا عرفنا ، من أن هناك الكثير من يستغل هذه الثغرة لغايات خاصة ولتوتير العلاقة بين البلدين . فيحب أن لا يكون الوجود الامريكية مرتبط بناحية القواعد والجيش فقط ، فهناك الكثير من المجالات التي يمكن أن تستثمر وتخلق علاقة متينة . لذلك يجب عدم ربط وجود أمريكا بهذه الناحية وحدها ، التي سرعان ما يستغني عنها حين يستتب الأمن ، فالمهم هو الاستفاد من أمريكا تجارياً وتكنولوجياً وعلمياً ، واللذان هم العراق في أمس الحاجة لهم .

(٤) ومن الأشياء التي يكثر فيها الحديث هي أخطاء أمريكا في في معالجة المواقف والقضايا التي تتصدى لها . فما سبب هذا الأخطاء ؟ بطبع هناك نظريات متعدد في تفسير هذه الأخطاء ، البعض يرجعها إلى الطبيعة العنصرية والعدوانية ، لنظام الراسمالي ، وهو التفسير الذي تأخذ به الماركسية ، فهو حسب زعمها ، جزء من بنيتها وتكوينها، ولا تقدر أن تتجاوزه . ما البعض الآخر يفسر الأخطاء التي ترتكبها ، بحسن النية ، بأن أمريكا ، غالباً ما تتسلم معلومات مخطوهء وغير مضبوطة ، لوفرة المعلومات لديها وتضاربها ، فهي لديها أقمار اصناعية ، وأكبر وكالة أستخباراتية بالعالم ، ولديها غوغول ، وعملاء من كل الأصناف ، ورغم هذا تجدها أكثر عرض لوقع في الخطئ من أي دولة بدائية . ويعدد البعض ، أخطأها ، مثلاً ، كغزو العراق ، وأسقاط النظام ، وحل الجيش ، وقيام النظام الديمقراطي ، والكثير من الممارسات التي رافقت بداية الحكم الجديد . والطبع ، تحسب أخطاء فقط من وجهة الجماعة التي تنظر لها ، فغزو العراق وسقوط الحكم ، هي من وجهة نظر البعث خطئ كبير ، ينم عن عدم معرفة بطبيعة المجتمع العراقي ، الذي من وجهة نظرهم لا يمكن أن يحكم بغير النظام الدكتاتوري . وكذلك ، نظر البعض للممارسة الحكم الديمقراطي زلة كبير، جلبت الكثير المأسي . ونجد ، البعض يصور ، أكثر ما قامت به ، ينظر له على أنهم أخطاء كبرى ! فهل ، كل ما قامت به أمريكا هي أخطاء فعلاً ومقصودة ؟

شيء طبيعي لا يمكن للأمريكا أن ترضي كل الميول والاطراف ، ولو فعلت هذا ، لما أرضت أحد في النهاية ، لما بين الأطراف العراقية من تناقض ، لا يمكن أرضاء احد منهم إلا على حساب الآخر . فأمريكا نظرت للوضع من وجهة نظرها هي ، التي يعدها البعض أخطاء كاريثية ، وشيء طبيعي أن لا تفق وجهة نظرها مع مجموع الفئات العراقية ، لكون كل منها يغني ليلاه ، التي ليس هي ما ينشده الأمريكان . فهم منذ البدء ، كان هدفهم أسقاط النظام ، وقامت نظام ديمقراطية توزع فيه السلطة حسب طبيعة تركيب المجمتع العراقي ، وكل ما يترتب على هذه العملية من تبعات . وكان تحركها في داخل المجتمع ، بعد سقوط النظام ، محكوم لدرجة كبيرة بتحرك القوى العراقية وممارساتهم ، ورد فعلهم محكوم بتحد والاستجابة . التي كانت تدع البعض أن يرى فيه رد فعل غريب من وجهة بعض الأطراف العراقية . ولهذه يمكن القول ، أن أخطاء أمريكا لاحقه في العراق ، أغلبها فرضتها عليهم تحركات العراقين ومن حولهم ، وما زالت ، تلك تكرر ويلقى اللوم فيها على الأمريكان . فهم، بنظر البعض ، لم تعط لهم الفرصة ، لكي يحققوا ما يجب أن ينقل العراق إلى مستوى اعلى بكثير مما هو به الآن . والعقراقيون ، لا يمكن للأحد أن يرضيهم مهما فعل ، فأنت حين تحسن أليهم ينظرونك على انك تهينهم . ويتحينون الفرصة على رده هذه الاهانة . فهم دائماً ، يريدون خلاف ، ما تقدم لهم ، فأذاأعطيت الحرية لهم حنوا للعبودية ، وإذا أشبعتهَم ثاروا عليك ، وإذا تساهلت معهم ، داسوا على قدمك . هذه وغيرها من الخصال العراقية ، هي تجعل من العسير ، أن تعرف ما يجب تفعل لهم . ولو أردت الدليل على ذلك ، نظر في المواقع العراقية إلا ترى حنين مرضي وماسوشي ، إلى أيقاع الأذى بالذات ، وحنين لعهد لدكتوتارية ، تحت راية الوطنية المنتهك عرضها بالفساد وقوات الاحتلال الأجنبي !

هاني الحطاب

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here