كيف تحاور حمارا ؟!

مروان خليفات
منقول للكاتب المنار

صادفت حمارا وما أكثرهم في هذا العالم الافتراضي ! فتذكرت هذا المقال القديم.

(منقول)

بالرغم من انشغالي الدائم أراجع بعض ما يجري من حوار على النت . فانقدح في ذهني برنامج تعليمي بعنوان ( كيف تحاور حماراً)

إذا ابتليت باعتراض حمار عليك يريد ان يحاورك في عقلك ودينك وهو يهز ذيله وآذانه طالبا النزال في ميدان العلم والدين ، فماذا تفعل؟
هذا أمر جديد جدي افرزه النت . فلم يكن بمقدور كل حمار أن يجادل عالما ، حيث إن العالم لا يجتمع به أصلا في العالم الواقعي.

ولكنك في النت والعالم الافتراضي تضطر أن تحاور اشكالا شتى (انسانا أو ذئبا أو حمار) ولا تدري من هو ؟ وعليه يجب تأسيس علم جديد في المنطق وهو (مجادلة الحمير)

الدرس الأول

حين يأتيك عاقل عالم ويسألك ما هو دليل تفضيل علي بن ابي طالب على الصحابة ؟
تجيبه بأدلة نقلية وعقلية : منها عدم احتياجه الى الكل واحتياج الكل إليه ، ومنها النصوص الصحيحة الصريحة في تفضيله ، ومنها كذب تفضيل الاخرين عليه ، ككذبة عبد الله بن عمر حين ادعى انه في زمن رسول الله ص كانوا يفضلون ابا بكر وعمر وعثمان ويقفون وهو كذب شنيع مخالف للكتاب والسنة .

سيفكر العاقل في أدلتك العلمية فقد يبخع لها لوضوح العلم فيها ، وقد يجد غموضا عنده في مطالب فيشكل ويسأل وأنت تفصّل الجواب حتى ينتهي إما الى التسليم أو إلى الهرب خوفا من القناعة التي تستدعي تغيير المذهب ، وهذا مخيف له جدا فيهرب منه . هذا هو سلوك العقلاء .ولكن حين يأتيك حمار فماذا يفعل ؟

الدليل العقلي عنده مخالف لطبيعته وإلا لما كان حمارا . فهو مرفوض ابتداءً. والدليل النقلي مبني عنده على أمرين أساسيين :
1ــــ توحيد اللون 2ـــ وموافقة الاشتهاء

لقد كان احد الرواة الغشاشين يعلف حماره التبن ، ويلبسه نظارة خضراء ، فيأكل صاحبنا الحمار التبن بنيّة الحشيش ، بالنظر لوحدة اللون.
فهذا أول علامات الحمير .

وحمار النت وضعوا له لونا خاصا للنقل ، فما وافقه أصبح محتملا ، فيتحول إلى المبنى الثاني ، وما خالفه رفضه قطعا ، من دون رؤية شاملة للوازم القبول والرفض.

فإذا وقع النقل في خانة الممكن فهنا يأتي دور التشهي ، فما كان يكرهه فيرفضه حتى لو كان من مبدأ الحمير أنفسهم ، وما كان يشتهيه يقبله حتى لو كان ضد مبدأ الحمير قاطبة . وهذا السلوك يمكن اعتباره (استاندرد) أصلي للحمير.

فإذا عرفت التشخيص هداك الله فقد بان لك نصف الحل .
وتمام الحل هو أن لا تنوي حواره فيما يريد ، وإنما تكشف انه حمار ، فيعرف حجمه . فيعلن النهيق والرفس والتمرغ بالتراب.
فعند ذلك يقع العلم على المعلوم والطلب على المطلوب .

الدرس الثاني :

كيف تثبت انه حمار ؟

الأمر بسيط جدا :اقلب له الألوان والمشتهيات فسيعلن حماريته .
مثال بسيط :
يأتيك حمار يحاول مجادلتك في أفضلية علي بن أبي طالب عليه السلام على بقية الصحابة .

سله: ما هي الأفضلية المقصودة؟ فهل هي في قوة البدن وفتل العضلات ؟ أم في التهجم على ابواب آل الرسول ص ؟ أم في كثرة الأكل ومحبة المضيرة؟ أم في ترك العلم والفقه والإلتهاء بالصفق؟ أم بالفلتات؟ أم بالجهل ؟ أم بالهروب من الزحف؟ أم بالقعود؟ أم بالامامة المسلوبة؟ أم بالاجتهاد مقابل رسول الله ص ؟ أم بالتآمر على قتل رسول الله ص في العقبة ؟ أم بالنزو على منبر رسول الله ص، الخ. وهي مئات الأمور التي يتفرع منها فروع كثيرة.

وسله: ما هي الصحبة ؟ وهل الصحابي الزاني صحابي يتفاضل مع التقي ، وهل عفير رضي عنه من أجلاء الصحابة الذين يدخلون بالتفاضل. أم لا يمكن تفضيل صحابي عليه؟ وهل من الصحبة من سمع من رسول الله ص ولم يعي ما قيل له ؟
وسله: كيف نثبت الافضلية ؟ هل نثبتها بالعقل ؟ أم بالنقل ؟ وما هو النقل ؟ وهل يمكن تكوين مذهب كامل موقوف على صحابي كذاب كذب كذبة مخالفة للكتاب والسنة في التفضيل؟ وما قول المفضلين في اختلاف نفس الصحابة في التفضيل؟

طبعا ستكون أجوبته ان هذه الاسئلة خارجة عن موضوعه كالعادة ، لان الحمار يعرف لونا واحدا فإذا قيل له سل هذا السؤال واجب بهذا الجواب لا يستطيع ان يخرج منه يعتبر كل ما به إلزامه خارج مطلوبه.

ولكن عليك اخي الانسان ان تتمسك بمعرفة كل كلمة ذكرها في موضوع حواره ومكنون سؤاله ، لأن لكل كلمة ألف معنى تام في علم الحمير ، فلا تنفع القواميس ولا تنفع القرائن المحددة للمعنى، وأنت تحاور حمارا لا تدري ما المقصور الدقيق من كلامه ، ويمكن ان يغير مقصودة بلمحة بصر وكأنه لم يفعل شيئا ، وهذا مناسب لسنخه.

فاذن يجب ان نفهم كلامه قبل ان نجيبه والا اصبحنا جهلة اذا أجبناه ، ونحن لا نعرف ما يريد بالضبط.

وأخيرا يأتي السؤال الكاشف التام للحميرية :
وهو: ما هي معايير صحة الصدور ؟ هنا سينهق ويرفس عاليا .

الدرس الثالث

إذا وصلنا مع الحمار الى معرفة معاييره كما يريد هو ، فأمامنا طريقان :
الأول : (وهو أرقى من مستواه) المناقشة في معاييره واثبات عدم صحتها .
الثاني : تطبيق معاييره على ما يقول . (وهو مما يناسب الحمير بالتأكيد).

مثلا إذا ذكر ان ضعف الرجل او جهالته يسقط الحديث فأته بأحاديث الفضائل لمن يحب ، وإته بأحاديث الصفات ، واته بكل حديث مرفوض مرذول يتمسك به . فأما أن يولي وله ضراط كإمامه ، أو ينهق ويتمرغ بالتراب .

واذا قال ان تعدد الطرق لا تصحح الحديث فطبقه على أحاديث الرؤية فستجد انه لا يفهم ما تقول ويثبت حموريته اللطيفة . وفي أثناء دمدمته حول احاديث الرؤية سيثبت لك ان الرؤية معناها الشم من بعيد لرؤيا في الأحلام. فتقول له ليس مطلبنا معناها ! وإنما تطبيق معيارك عليها ، فيقول لك بل هذا هو مطلبنا الأساس وقولنا المطلق. وهذا يعني انه حمار بامتياز يحمل شهادة عم البغل الذي خاله الحصان.

ملاحظة : قد يختار الحمار اسما يتصف بخلاف ما يريده من موضوع ، كمن يسمي نفسه بمن أنكر الصحيح الجامع وضلل صاحبه.

الدرس الرابع :

هذا الدرس يتعلق بنسبية النظر الى الآخرين كما يتصور بعض الناس.
الحقيقة ان النسبية موجودة في الواقع الخارجي ، ولكنني أتكلم عن امر آخر تماما .
كلامي هو عن معايير الحمرنة وكيفية معالجتها وكيفية التصدي لحمار يظن نفسه عالما .

اذا كان العلم لا معيار له فالحمار والإنسان على حد سواء . فتصح نظرة الحمير فيما يرون.
ولكن كل أهل العلم يعلمون ان هناك فرقا شاسعا بين العلم وبين الجهل ، وبين العقل وبين الحمرنة.
ان اهم ضابطة للعلم هي اتباع طرق المعرفة المعتبرة عند العقول المحمودة.
وطرق المعرفة معروفة عندهم مجهولة عند الحمير.
وهذه اهم مشكلة .

مثلا هناك من يقول بان اجتماع النقيضين ونفي السببية أمور حاصلة وواقعة في العالم الحقيقي.
ان مثل هذا القائل لا يستطيع التفريق بين الوجود والعدم ولا بين الحمار والإنسان ويمكنه أن يقول إن ضوء الشمس نتيجة انجماد الثلج في وسط تنور الخباز بلا أي شعور بالحرج .

هذه المقالة ليست للطرفة بل هناك مذاهب إسلامية تحكم عقول الملايين تقول بذلك وتكفر من لا يقول بذلك.

ومثال آخر: كم تحدينا السلفية في إفهامنا قضية ان المسح على الخفين احد أهم ركائز عقيدة السلف الحشوي الذين يسمون أنفسهم أهل السنة ويقصدون بذلك سنة معاوية لاتباع مبادئه.

فلماذا يكون المسح على الحذاء جزء من العقيدة؟ بل جزء من أهم عشرة مقولات اعتقادية تميز اهل سنة معاوية عن غيرهم.

هل أصبحت العقيدة متعلقة بالنعال؟ فبئست العقيدة ونعم النعال الذي يشرفها.
طبعا حين يثار هذا الأمر أمام حمار تراه يستشيط غضبا ويقول لك إننا اتخذناها عقيدة للرد على القدرية الذين لا يقبلون المسح على الحذاء.

وهنا يتولد سؤال بكل استرخاء ويسر:
اذا كانت ردود أفعالكم تتحول إلى عقائد فلماذا لا تحولون نظرياتكم في النكاح وبيت الخلاء إلى عقائد أيضا ؟

فحصر العقيدة بعشرة فوارق ظلم لعقيدتكم . ثم إنكم تسمون أي فتوى عند مخالفيكم بالعقيدة : الم تقولوا عن الشيعة بان لديهم عقيدة التقية وهي فقه ، وعقيدة السجود على التربة وهو فقه، وعقيدة المتعة وهي فقه .
فاذا كنتم تقبلون ان يكون المسح على الخف من العقيدة الحذائية المقدسة ، وتقبلون وصف الفقه عند غيركم بالعقيدة ، فلماذا لا تتكرمون على اتباعكم وتوسعون من مفاهيم العقيدة عندكم ، فتكون عندكم عقيدة الاكربنج ، وعقيدة الزواج بنية الطلاق ، وعقيدة الخروج من الصلاة بالضراط والفساء بدل السلام على الملائكة وعلى عباد الله الصالحين وعلى النبي (وباختصار عقيدة الفسوة). فهذه اعتقادات مميزة حقا لكم ، فيها الكثير من الخصوصية المناسبة لكم .

أظن أنهم في باطن أنفسهم يؤمنون بان هذه عقائد متميزة يتمسكون بها ولكنهم يهابون الناس في مجابهتهم ، كما يستحون من الشاب الأمرد بل يسخرون منه أمامنا وهم يعلمون انه إلههم المعبود الذي لا يعرفون سواه.

اذن نحن نواجه منهجا معرفيا لا يركب على رأس انسان عاقل.
بل هو من إبداعات من اشتروا رؤوس الحمير وركبوها على رؤوسهم .
فهذه المسألة لا نسبية فيها . لأن لها معيارا علميا . فمن يعتقد بمسح النعال لا يستطيع ان يرتقي إلى مستوى البشر قطعا. فهذا في أصل تركيبهم .

واما حوارهم فكما قلنا انهم لا يلتزمون بلازم علمي . فيمكن لعبقريهم ان يطلب منك الدليل النقلي على وجود العصمة والدليل العقلي على تعيين المعصوم . بعكس العلم لان النقائض والاضداد عنده مجتمعة فعلا في عقله.
فعند ذلك ماذا نقول؟

ليس أمامنا الا ان نتبع دروس محاورة الحمير حتى نثبت لهم أنهم حمير ، وهذا غاية الحوار معهم . لان غير القابل للانتفاع ليس لك إلا ان تثبت انه فاقد القابلية ، وليس العجز في الملقي..

ان آلاف الحوارات في النت لو تم تحليلها لما تعدت كلمات هذا المقال القصير .
ولهذا يمكن للإخوة تطوير هذا العلم بالسبر والتقسيم وزيادة الأمثلة ، عسى أن يقرأ احد الحمير فيرى صورته فيه فيعرف نفسه وهذه المعرفة البسيطة جزء مهم من اجزاء العلم وبداياته ، حيث ان الحمار حين يكتشف حماريته يعرف ان جميع أفكاره وحركاته هي من سنخ لا ينتمي للمجتمع الذي دخله عنوة . فعسى ان ينزع عنه مخ الحمير ويتأمل في حاله او يرضى بما ينكشف للناس من حقيقته .

منقول :
للكاتب المنار

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here