زواج الأمويين من الهاشميات شبهة وجواب،

تعد مسألة الزيجات بين الهاشميين وخصومهم من أكثر الشبهات التي يتفاخر فيها البعض، للدلالة على المحبة والألفة بين بني أمية وبني هاشم، أو بين بني هاشم وبقية خصومهم، لكن الحقيقة أن الهاشميين كانوا يمنعون بعض الزيجات حين يقدرون على ذلك .

من أمثلة ذلك ما قاله ابن قتيبة : ( وأما إبراهيم بن عبد الرحمن ــــ بن عوف ــــ ، فكان سيد القوم ، وكان قصيرا ، وتزوّج « سكينة بنت الحسين » ، فلم يرض بذلك بنو هاشم ، فخلعت منه )
المعارف ، ص 237.

أما بقية الزيجات فكانت تتم بالتهديد والاكراه، ودون اذن بني هاشم .

ودليل ذلك ما رواه ابن سعد بسند حسن ( معتبر ) : ( أخبرنا الفضل بن دكين قال أخبرنا أبو العلاء الخفاف عن المنهال بن عمرو قال جاء رجل إلى بن الحنفية فسلم عليه فرد عليه السلام فقال كيف أنت فحرك يده فقال كيف أنتم أما آن لكم أن تعرفوا كيف نحن إنما مثلنا في هذه الأمة مثل بني إسرائيل في آل فرعون كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم وإن هؤلاء يذبحون أبناءنا وينكحون نساءنا بغير أمرنا فزعمت العرب أن لها فضلا على العجم فقالت العجم وما ذاك قالوا كان محمدا عربيا قالوا صدقتم قالوا وزعمت قريش أن لها فضلا على العرب فقالت العرب وبم ذا قالوا قد كان محمد قرشيا فإن كان القوم صدقوا فلنا فضل على الناس)

الطبقات الكبرى ، ج 5 – ص 95، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، ج54 ص 348

إن قول محمد بن الحنفية : (وإن هؤلاء يذبحون أبناءنا وينكحون نساءنا بغير أمرنا ) دليل على أن زواجهم من الهاشميات لم يكن عن طيب خاطر وموافقة من قبل كبار الهاشميين، وإنما كان عن اكراه وتهديد.

دراسة السند :

ــــ الفضل بن دكين :

قال ابن حجر فيه: (الفضل بن دكين الكوفي واسم دكين عمرو بن حمّاد ابن زهير التيمي، مولاهم الأحول أبو نعيم الملائي ـ بضمِّ الميم ـ مشهور بكنيته، ثقةٌ ثبتٌ من التاسعة، مات سنة ثماني عشرة، وقيل تسع عشرة وكان مولده سنة ثلاثين؛ وهو من كبار شيوخ البخاري).
تقريب التهذيب، ج 2، ص 11.

وقال الذهبي فيه: (الفضل بن دكين أبو نعيم ثقةٌ حجَّةٌ يتشيّع ولا يغلو). (الحافظ الثبت الكوفي). وقال : (الفضل بن دكين، الحافظ الكبير، شيخ الاسلام).

تذكرة الحفّاظ، الذهبي، ج 1، ص 372؛ سِيَر أعلام النبلاء، الذهبي، ج 10، ص 142؛ المغني في الضعفاء، الذهبي، ج 2، ص 190.

ـــــ أبو العلاء الخفاف : هو خالد بن طهمان أو خالد بن أبي خالد
قال أبو حاتم: «هو من عتق الشيعة، محلّه الصدق».

ـوقال أبو عبيد الآجري: «سألت أبا داود عن خالد الإسكاف، فقال: حدّث عنه سفيان».

قال الذهبي: وثقّ وضّعفه ابن معين، وقال: (خلط قبل موته بعشر سنين، وكان قبل ذلك ثقةً)
ميزان الاعتدال، ج 1، ص 632.

و قال أيضاً: (خالد بن طهمان، أبو العلاء الكوفي الخفّاف عن أنس وعدّةٍ، وعنه الفريابي وأحمد بن يونس، صدوقٌ شيعيٌّ، ضعّفه ابن معين)
الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة، ج 1، ص 365

قال ابن حجر: (خالد بن طهمان الكوفي، وهو خالد بن أبي خالد، وهو أبو العلاء الخفّاف، مشهورٌ بكنيته، صدوقٌ رمي بالتشيّع.)
تقريب التهذيب، ج 1، ص 259

وممن وثقه:

ــــ الترمذي: حيث ذكر له حديثاً وحسّنه.
سنن الترمذي، ج4، ص 64.

ـــــ الحاكم: خرّج له حديثاً وصحّحه وهذا توثيق له.
المستدرك، ج4، ص 196.

ـــــ وثقه الطبري بروايته عنه في تهذيب الآثار، ج3 ص 46.
وقد اشترط في كتابه هذا أن لا يخرج إلا عن الثقات .

ــــ وثقه ابن أبي حاتم بروايته عنه في تفسيره، تفسير ابن أبي حاتم، ج9 ص 2928.

وقد اشترط في مقدمة تفسيره أن لا يخرج إلا أصح الأسانيد، وهذا يعني وثاقته عنده بالرغم من اختلاطه في آخر عمره.

أما تضعيف ابن معين له، فهو غير مفسر، فيكون مردودا، إلا إن كان تضعيفه له، لأنه خلط في آخر حياته، وهذا لا يعني رمي مروياته، فالرجل صدوق، وقد صحح حديثه مجموعة من الرجاليين كالحاكم والطبري وابن أبي حاتم… دون اعتناء منهم بما قاله ابن معين.

المنهال بن عمرو :

البخاري: روى عنه في صحيحه، ووثقه ابن معين والنسائي والعجلي الدارقطني. وقال فيه ابن حجر : صدوق .

راجع ترجمته في : تهذيب التهذيب، ج 10، ص 283 – 284، تقريب التهذيب، ج 2، ص 216

الألباني: وثّقه. سلسلة الأحاديث الصحيحة، ص 875.

يشهد لصحة كلام ابن الحنفية ما روي عن الإمام علي بن الحسين ع، قال المنهال : (دخلت على علي بن الحسين ، فقلت : كيف أصبحت أصلحك الله ؟ فقال : ما كنت أرى شيخا من أهل المصر مثلك ، لا يدري كيف أصبحنا ، فأما إذ لم تدر أو تعلم فأنا أخبرك : أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون ! ! إذ كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، وأصبح شيخنا وسيدنا يتقرب إلى عدونا بشتمه أو سبه على المنابر ، وأصبحت قريش تعد أن لها الفضل على العرب ، لأن محمدا منها لا يعد لها فضل إلا به ، وأصبحت العرب مقرة لهم بذلك ، فلئن كانت العرب صدقت أن لها الفضل على العجم ، وصدقت قريش أن لها الفضل على العرب لأن محمدا منها ، إن لنا أهل البيت الفضل على قريش لأن محمدا منا ، فأصبحوا يأخذون بحقنا ولا يأخذون لنا حقا ، فهكذا أصبحنا إذا لم تعلم كيف أصبحنا ! قال : فظننت أنه أراد أن يسمع من في البيت)

الطبقات الكبرى، ابن سعد : ج5 ص 113 ، تهذيب الكمال للمزي، ج20 ص 399 – 400 .

وقد روى ابن سعد في الطبقات الكبرى ، ج 8 – ص 474 ما يؤكد محاولات الخصوم زواج الهاشميات بالاكراه والتهديد .

قال: ( أخبرنا محمد بن عمر ــ الواقدي وهو صدوق عند ابن كثير ــ حدثني عبد الله بن محمد بن أبي يحيى قال استعمل يزيد بن عبد الملك عبد الرحمن بن الضحاك بن قيس الفهري على المدينة فخطب فاطمة بنت حسين فقالت والله ما أريد النكاح ولقد قعدت على بني هؤلاء وجعلت تحاجره وتكره أن تباديه لما تخاف منه قال وألح عليها فقال والله لئن لم تفعلي لأجلدن أكبر ولدك في الخمر يعني عبد الله بن حسن…)

وحسب الرواية وهي طويلة لم يتم زواجه منها… وهي دليل واضح على صحة ما قاله محمد بن الحنفية عليه الرضوان، من زواج الأمويين من البيت الهاشمي بوسائل التهديد، فيبطل استدلال البعض بتلك الزيجات التي إن تمت فإنها كانت تتم خوفا وتحت سلاح الاجبار.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here