الاختلاس وغسيل الاموال والظل وحصانة التحويلات المبهمة والتوريدات المبهمة ولا مناص من الغفوة !!!

أ.د.سلمان لطيف الياسري

تعتبر جريمة الاختلاس أحد أهم أركان جريمة السرقة، فإذا لم يرتكب الموظف جريمة الاختلاس، فتعتبر الجريمة لم ترتكب من الأساس، كما أن القانون المصرى اعتبر جريمة السرقة هى بنص المادة 300 من قانون العقوبات “كل من اختلس منقولاً مملوكاً لغيره فهو سارق” هذا بنص المادة 311 من قانون العقوبات، فيما أوضح الفقه جريمة السرقة على أنها هى “اختلاس مال منقول مملوك للغير بنية تملكه”

لابد من توافر 3 أركان أساسية لاكتمال جريمة السرقة

الركن الأول: محل السرقة المتمثل فى المال المنقول المملوك للغير.

الركن الثانى: الركن المادى وهو فعل الاختلاس.

الركن الثالث: يعتبر ركن معنوى ويتخذ هذا الركن صورة القصد الجنائى الذى يتضمن نية التملك.

ويعتبر الاختلاس هو سلب الشىء بسرعة وفى منتهى السرية، كما اعتبره القانون الجنائى “هو الاستيلاء على المال من قبل موظف يضع يده عليه”، ورغم إن الاختلاس فى مضمونه لا يختلف عن جريمة السرقة، لكن يوجد فرق كبير بين جريمة الاختلاس والسرقة فى العناصر والأركان.

وتعتبر جريمة السرقة هى أخذ مال الغير منقول دون علمه أو رضاه، بينما تعد جريمة الاختلاس هى الاستيلاء على المال العام من قبل من أوكل إليه، أو أمر إدارته أو جبايته أو صيانته.

ولابد من توافر 4 أركان أساسية لوقوع جريمة الاختلاس:

• فعل مادى هو الاستيلاء على مال منقول بقصد التملك.

• فاعل يجب أن يكون فى عداد العاملين فى الدولة.

• محل الجريمة وهو المال المنقول الموضوع تحت يد المختلس.

• نية الجريمة وهى قصد تملك المال المختلس.

ويعتبر ما يقوم به الموظف من سرقة أو اختلاس، فإنما يتم تصنيفه تحت ما يسمى “التعدد المادى”، أى ما يعد قيام المتهم الجانى بالتورط وارتكاب عدد من الأفعال المستقلة التى تعد جريمة مستقلة.

بينما يعد الاستيلاء على المال العام هو الاستحواذ وأخذ المال العام بطريق الغش أو التدليس، ويعتبر الاستيلاء على المال العام “انتزاع مال معين من حيازة الغير”، حيث تعتبر جريمة “الاستيلاء على المال العام” مختلفة تماما وشكلا وموضوعا عن جريمة “اختلاس المال العام”، حيث تعتبر جريمة الاستيلاء أن تكون الأموال المستولى عليها ليست تحت يد الموظف، فى حين أن جريمة الاختلاس يكون المال المختلس تحت يد وعهدة الموظف بالفعل.

حجم الأموال التي سُرقت من ميزانيات الحكومة العراقية نتيجة الفساد المالي والإداري المتفشي داخل مؤسسات الدولة خلال السنوات العشر الأخيرة وصلت الى أكثر من 312 مليار دولار، ان “الأموال العراقية المنهوبة على يد مافيات الفساد الاداري والمالي خلال عقد مضى موجودة في البنوك العالمية وبأسماء كبار مافيات الفساد التي لا تزال موجودة تحت ظل عناوين سياسية وغطاء سياسي في العملية السياسية”.أظن ان هذا الاستنتاج ليس بجديد فالكل بات يعلم اين العلة في بلد مثل العراق وصل به الحال ـ وعلى كل الاصعدة ـ الى الدرك الاسفل من هذا الفساد المشار اليه .بصريح العبارة ان الذي سرق المال العام بات معروفاً ومشخَّصا من قبل غالبية الشعب العراقي، ولن يخرُجَ السُّراق عن دائرة الشخصيات السياسية او الاحزاب المشاركة في الحكومة. ومعلوم ايضا،اين ذهبت الاموال التي سُرقت،وماهي البنوك التي وضعت فيها،والأهم في هذا،أنَّ السُّراق ــ وكلهم من الاسماء الكبيرة المسؤولة عن ادارة البلاد ــ مازالوا في موقع المسؤولية. مايجري في هذا البلد أمرهٌ غريب،فرغم انّ كل ماتم سرقته بات معلوما للجميع، سواء حجم الاموال ،أوالسُّراق ،أوالبنوك التي تم ايداعها فيها ،إلاَّ أننا لم نجد أحداً يتحرك من اجل اعادتها ،او القبض على اللصوص ! ؟ شيء يثير العجب ، لربما لن نجد له مثيلا حتى في دول عُرفَ عنها أنها تخضع لسيطرة عصابات المافيا والمخدرات، مثل كولومبيا على سبيل المثال ، فهل اصبح العراق اسوأ من كولومبيا ؟ وهل اصبح اللصوص/ الساسة ، اكثر قوة وهيمنة من عصابات المخدرات في كولومبيا ؟ وهذه المافيات سرقت ٣١٢ مليار دولار لكنها مازالت تبحث عن المزيد تحت عنوان المحاصصة وبيع الوزارات والمناصب الحكومية”. السُّراق هُم جزء من “النخبة السياسية التي تحكم” ، ومازالت هذه النخبة تسرق تحت عنوان المحاصصة الطائفية التي كرسها المحتل الاميركي في الدستور الذي كتبه مع حلفائه الذين جلبهم معه في 9/ نيسان 2003 ، هذا اليوم الذي سقط فيه العراق دولة وشعبا تحت سلطة الغازي الاميركي. عمليات بيع وشراء المناصب الحكومية تجري على قدم وساق في كافة وزارات الدولة وفق منطق السوق لاأكثر،وبصفقات مالية ذات ارقام عالية جدا ،وكلما كان المنصب حساسا كلما ارتفع سعره . و ان “الحكومة العراقية الحالية تتحمل المسؤولية الكاملة في استرجاع هذه الأموال المنهوبة عبر سفارات العراق والمؤسسات القانونية العالمية والإنتربول لأنها اموال الشعب العراقي الذي يعاني من الأزمة الاقتصادية،في حين يتنعم الفاسدون بأموال النفط العراقي دون حساب أو عقاب،طالما ان المحاصصة والتوافقات السياسية تحمي الفاسدين”.
والاجراءات لاسترداد الاموال تأتي في وقت مهم وحرج يعيشه العراق، ذلك لان حجم الاموال المسروقة بامكانه ان يسد العجز الذي تعاني منه الدولة والحكومة العراقية والذي وصل الى 35 % -45%من ميزانية الحكومة , ومن المعلوم لدى المراقبين لأوضاع العراق ان الحكومة العراقية بعضا قد لجأت الى الاقتراض الخارجي بعد أن عجزت عن تأمين اجور موظفي القطاع العام،واجبرت وزارة التخطيط المكلفة برسم الموازنات السنوية ــ وبتأثير من تذبذب مبيعات النفط ــ على الاعلان رسميا عن الغاء 30 % من مشاريع الوزارات والمَحَافظ الاستثمارية ووضع خطة لبدء العمل رسميا بمشاريع تنفذ بالدفع الآجل . جدير بالذكر هنا ان نستذكر لى سبيل المثال موازنات العراق الفيدرالية التي بدأت منذ العام 2005،اي بعد تشكيل اول حكومة منتخبة :
2005 ( 30 بليون دولار )/// 2006 (33 بليون دولار )/// 2007 ( 41 بليون )/// 2008 (48 بليون دولار )/// 2009 (58 بليون دولار )/// 2013 (118 بليون دولار)
2014 وفي هذا العام لم يتمكن مجلس النواب من إقرار الموازنة بسبب الاتهامات المتبادلة بين المشاركين في الحكم نتيجة ضياع( 123بليون دولار) من خزينة الدولة. ولو جمعنا مبالغ الميزانيات السنوية اعلاه مع المبلغ الضائع لكانت النتيجة (451 بليون دولار) . ومَن يقرأ هذا الرقم من العراقيين سيصاب بألم شديد في قلبه، لأنه مبلغ كبير جدا،ولو تحوّل هذا الرقم الى مشاريع ملموسة ــ وليس وهمية كما هو حاصل ــ لمعالجة الكهرباء التي حرم منها العراقيون منذ عقود ، أوالماء الصالح للشرب،وخاصة سكان مدينة البصرة الذين مازالوا يشربون الماء المالح،أو بُنيت مدارس نموذجية للأطفال بدلا من الابنية الطينية التي يدرسون فيها (عددها يصل الى اكثر من 1000 مدرسة حسب احصائيات وزارة التربية نفسها) أو لتطوير الخدمات الصحية المتدنية في المستشفيات الحكومية(لم يبنى اية مستشفى حكومي منذ سقوط نظام البعث)أو لتحديث الطرق والمواصلات التي باتت تعكس برداءتها صورة التخلف الذي اصبح عليها العراق مقارنة مع البلدان المجاورة. لو تم كل هذا لما وصل العراق الى هذا الحال البائس . اخيرا وليس آخرا،ينبغي ان نذكِّر القُرّاء ،بأن العراق قد تم تصنيفه ضمن آخر تقرير دولي صدر في نهاية العام الماضي( 2015) من بين اكثر( 10 ) دول فساداً في العالم .
سوف اطرح النموذج السعودي كمثال لانه اوضح النظم الخليجيه في سرقة العائلة الحاكمه (آل سعود) لفلوس النفط (مع ترفيه الشعب) ثم اربطه بالعراق وغباء الحراميه في الحكومه والبرلمان وغيرهم في العراق ؟!. لنفترض بأن السعوديه تصدر نفط بمبلغ 100 مليار دولار بالسنه ؟! هنالك 5000 الالاف امير في عائلة آل سعود يأخذون 50 مليار ويوزعونها على 5000 امير فيحصل كل امير على 10 مليون دولار؟! طبعا انا بسطت الموضوع لكي يسهل الشرح عليكم الا انه في الحقيقة اكو أمير يحصل على 100 مليون واكو أمير يحصل على 10 ملايين ؟! .

هؤلاء الامراء من آل سعود يؤسسون شركات صناعيه وتجاريه وعقاريه وخدميه وغيرها داخل المملكه والتي من الممكن ان تشغل الالاف بل ملايين العاطلين عن العمل ؟! كما انهم من الممكن ان يستثمروا هذه الاموال بشراء مصانع وشركات وفي كل دول العالم تدر عليهم ارباح خياليه كل سنه ؟! طبعا لا تنسوا بأن رؤوس الاموال لهذه المشاريع هي هبه (بل سرقه من الشعب السعودي ونفطه) فهم لا (أكرر لا) يحتاجون الى الاقتراض من البنوك (تمويل مالي للمشروع بالدين) مما يؤدي الى عدم وجود كلفه الفائدة (فلوس) وهذا يؤدي بصوره عامه الى نجاح اي مشروع كاستثمار. يبقى من الـ 100 مليار 50 مليار دولار تقوم الحكومه السعوديه بانفاقه على البنيه التحتيه والخدمات وغيرها من مصاريف الحكومه ومنه توفير قروض بدون فائدة للمواطنيين لانشاء المصانع والشركات (خدميه, اعماريه, وغيرها) كما تقوم الحكومه باستثمار جزء من هذه المبالغ في الداخل والخارج (للمستقبل؟! فالفلس الابيض ينفع في اليوم الاسود) ومنه إذا بقى فائض يتم شراء الذهب لدعم العملة السعوديه. (هذا باختصار شديد). نقطه مهمه اردت ان اشير لها وهي بأن هذا النظام الاقتصادي السعودي صارله حوالي 40 سنه يعمل بهذه الطريقه ؟! فامكانيه الامراء السعوديين وحبربشيتهم الماليه (فلوسهم) اليوم اصبحت بمئات الملايين ان لم نقل عشرات المليارات من الدولارات. باتباع هذا الاسلوب وان كان بسرقه المال العام فإن الحكومه السعوديه (آل سعود) ترفه شعبها ويصبح الشعب السعودي راضي عليها وان كانوا يعلمون (أي الشعب السعودي) بأنها اي الحكومه (آل سعود) يسرقون اموال النفط الا انهم راضين ؟! ليش ؟! لانهم شركاء في تقاسم الاموال وبالنسبه لهم (أي الشعب السعودي) بطريقه حلال ؟! يعني آل سعود يسرقون ولكن الشعب يحصل على ما يريد وبالحلال فلا يتذمر ولا يعترض على الحكومه السعوديه (آل سعود) وهذا هو مربط الفرس.

بالنسبة للعراق كارثة كبيرة ::: نقطه مهمه انا لا اتهم كافه (كل) اعضاء الحكومه والبرلمان بالسرقه ولكن ساضرب المثال السعودي عليهم كافه للتوضيح فقط.

رئيس الجمهوريه ونوابه 3

رئيس الوزراء ونوابه 3

لنفترض بان عدد الوزراء 30

رئيس البرلمان ونوابه 2

عدد اعضاء البرلمان 326 عضو

المجموع يساوي 367 شخص وخلي نضيف عليهم كم رأس كبير متنفذ في العراق لتبسيط الحساب وجعلهم 400 حرامي. ويصدر العراق 100 مليار دولار من النفط ؟!

نطبق النظام السعودي في الاقتصاد والاستثمار (سرقة المال العام) بأخذ 40 مليار دولار من الميزانيه العراقيه ونقسمها ما بين الـ 400 حرامي ؟!

40 مليار دولار تقسيم 400 حرامي يساوي 100 مليون دولار لكل حرامي (بالسنه ها) ونفس الوجوه دتتكرر ؟! وصارلنا 10 سنوات على هالطاسه وهالحمام.

حراميه العراق من حكومه وبرلمان وغيرهم فورا يحولون كل هذه الفلوس للخارج ؟! ليش ؟! لانهم حراميه ويخافون ان ينكشفون وحتى من ينهزمون من العراق تكون فلوسهم مضمونه بالخارج. اقتراحي للحراميه في الحكومة والبرلمان وغيرهم من سراق المال العام في العراق ؟! من 100 مليون دولار فلوس السحت الحرام حولوا 90 مليون للخارج فيبقى 10 ملايين دولار ؟! بالسنه ها ؟! يعني ابقوا في العراق واحد على عشره ؟! (عشر) فلوس السرقه واعتبروها صدقه للشعب العراقي ؟!.احسن معمل تعليب للطماطه يكلف 2 مليون دولار ؟! كم عراقي يشغل هذا المعمل ؟! احسن معمل صابون يكلف 1 مليون دولار كم عراقي يشغل هذا المعمل ؟! احسن معمل زيوت نباتيه يكلف 2 مليون دولار ؟! كم عراقي يشغل هذا المعمل ؟! وهلم جره من المعامل هذا بالاضافه الى المشاريع الاخرى من خدميه الى تجاريه الى اعماريه وغيرها ؟!

وهنا اتوقف لأشير الى مايلي:

يعني انت يا النائبه من الحله والحله مشهوره بالملح مثلا شيصير لو اسست مشروع استثماري لمعمل تعليب ملح بالحله ؟! اشكد قليل (قطره في بحر) راح يكلف من فلوس (الكومشن) اللي فضحوك بالصوت والصورة وانت تسولفين عليها مع نائبه أخرى من البرلمان ؟!.

زين اذا عدنا 400 حرامي وكل واحد فقط يستثمر 10 ملايين دولار بالعراق فالمبلغ سيساوي 4 مليارات دولار,كل حرامي يسوي 10 معامل صغيرة كل معمل يكلف 1 مليون ,؟!.كل معمل يشغل 50 عراقي عاطل عن العمل في 10 معامل هاي 500 عراقي عاطل عن العمل ومن ضمنهم النساء المطلقات والارامل اللاتي لا معيل لهن مع الايتام (الاهتمام بالايتام أجر وثواب ما من بعده أجر وثواب).

400 حرامي في 10 معامل في 50 عاطل عن العمل يساوي 200,000 الف عراقي عاطل عن العمل ؟! ضرب 15 سنة من سرقة المال العام ؟! 200,000 الف عامل في 15سنة = 3,000,000 ثلاثة ملايين عامل.

هسه دتشوفون مدى الثورة الصناعيه التي ستنتج من هذا المبلغ البسيط والي هو 1 على 10 (عشر) المبلغ الاصلي المسروق (40 مليار) من قوت الشعب العراقي ؟! بس هم ميخالف ؟! احنا راضين ؟! شنسوي ؟! والمثل يقول:

نحن (أبناء الشعب العراقي) على مائدة اللئام (الحراميه من اعضاء الحكومه والبرلمان العراقي وغيرهم). مربط الفرس اذا كنتم حراميه فباتباع هذا النظام الاقتصادي الاستثماري السعودي (لسرقة الشعب) فسوف تحصلون على:

1- رضا الشعب العراقي ؟! بتشغيل ملايين العاطلين عن العمل ؟! وكفائده سينتخبكم الشعب العراقي مجددا ؟!. توفير مليارات الدولارات للحكومه العراقيه ؟! لكي تسرقونها انتم مجددا ؟!. قد يغفر لكم الله بعض الذنوب (اكرر بعض وليس الكل) ؟! قال تعالى: ان الحسنات يذهبن السيئات. غسيل اموال يعني فلوسكم الحرام راح تصير حلال من بيع انتاج المعمل او الشركه او شوف شنو؟!. راح تجيكم ارباح اضافيه من هذه الاستثمارات؟! اذا كنتم طماعين (وانا متأكد بانكم طماعين) راح تزيد فلوسكم؟!. يابه وميخالف في المعمل او الشركه شغلوا كل اقاربكم وكل اللوگيه والحبربشيه حتى لا يعتبون عليكم ؟!. تخدمون العراق والي هي اصلا مهمتكم اللي انتخبكم الشعب العراقي من اجلها. وقبل ان اختم اردت ان أقول واكرر بأنه ليس كل من في الحكومه والبرلمان العراقي هم حراميه ؟!

الا أن المثل الألماني يقول: عندما تعاشر الحمامه (البيضاء) الغراب , فإن لونها يبقى ابيض , إلا ان قلبها يصبح أسود ؟!

والمثل العربي يقول: من عاشر القوم 40 يوما صار منهم ؟!

والأهم فالحديث يقول: الساكت عن الحق شيطان أخرس ؟!.

منذ 16 عامًا، وحين دخلت أول دبّابة أمريكية أثناء احتلال العراق، كان الجميع يجهل المصير الذي تنتظره ثروات البلاد وأموالها، لكن ما أن انتشرت القوات المحتلة في المدن حتى اتضحت الصورة. مصارف مفتوحة، أماكن أثرية متاحة، معامل ومعسكرات وآبار نفط، كل شيء كان سهلًا أمام الجميع. حتى الأسلحة الخاصة بـ”الدولة” لا النظام؛ ستعطي هذه المشاهد تفسيرًا لما سيحدث خلال عقد ونصف للإنسان العراقي وثرواته التي تبدو وكأنها “مجهولة المالك”.

انتشر الفساد كالنار في الهشيم، وفي طرق متعدّدة ومعقدة، حيث شهدت البلاد ضياع مليارات الدولارات من المال العام، وفي ظل الدور الرقابي الضعيف، فأن الصعوبة لا تكمن بالسرقة، بقدر ما تتعلق بـ”بتبييض” تلك الأموال والتصرّف بها. فيما تبدأ دورة حياة السرقات في سياق الفساد الذي تشهده مؤسسات الدولة، من صغار الموظفين إلى أعضاء مجلس النواب حتى الوزراء، ومن هم بدرجتهم في مختلف المناصب، بحسب سياسيين يتحدثون عن آليات الفساد في العراق وإلى أين وصلت خطورته ومن ضمن هذه الآليات؛ يعمل الجميع على غسل أمواله وإعادة تدويرها عبر استثمارها. وغسيل الأموال هو إضفاء شرعية قانونية على أموال “مسروقة” من المال العام، لغرض حيازتها، أو التصرّف فيها، أو إدارتها، أو حفظها، أو استبدالها، أو إيداعها، أو تحويلها، أو نقلها، أو التلاعب في قيمتها .تتنوّع طرق “غسل الأموال” تبعًا لقيمتها ونفوذ صاحبها، حيث يعمل أصحاب النفوذ الذين ‏تتناسب سرقاتهم مع قيمة مناصبهم إلى إخراج أموالهم خارج البلاد، فيما يعمل من هم أقل نفوذًا ‏وسرقةً على إعادة تدويرها في الداخل.‏إن “الحكاية تبدأ ‏عند تكدس المال عند أحدهم جرّاء جنيها بطريقة غير شرعية، ليتخذ له “ظلًا ماليًا” أولًا، وبالعادة يكون ‏من مقرّبيه، حيث يتولى مهمة إدارة الأموال وباسمه، لتكون خارج ذمة المسؤول المالية التي يقدمها سنويًا إلى الأجهزة الرقابية”، لافتًا إلى أن “ظل الكثير من الشخصيات المتنفذة أنقلب عليهم وسرق ‏الأموال ,ويتمّ تهريب الأموال إلى الخارج من خلال شراء الدولار من البنك المركزي، وبسعر أقل من سوق العملة في “الصيرفات” العادية، بحسب حسن الذي قال إن “المركزي يبيع من خلال عدة ضوابط، لكن تفاهمات المتنفذين تؤدي إلى التحايل عليها”، مبينًا أن “الاستيراد من الخارج من أبرز الطرق التي تستخدم في غسيل الأموال والأموال الهائلة التي تُسرق من المال العام تجعل الكثير يتخذون “ظلًا ماليًا” من مقربيهم ليتولى مهمة إدارة الأموال وغسلها باسمه , لا يقصد الكثير من “غاسلي الأموال” الدول التي تسأل عن شرعية الأموال وأصولها المالية، ومن أين جاءت، حتى في الاستيراد. أن “غاسلي الأموال يقصدون دول شرق آسيا، حيث يتفقون على شراء سلعة معينة، فيما يتم التلاعب باسمها التجاري، وتسجيلها بسعر مضاعف، ومن ثم الحصول على المبلغ من البنك المركزي ؟؟؟ وهناك مثل بسيط نموذج دقيق لعملية غسيل الأموال بواسطة الاستيراد”، إذ عمد أحدهم إلى شراء بضاعة عبارة عن “مكنسة كهربائية” بعدد كبير، وبالاتفاق مع الشركة المصنعة تلاعب بالاسم التجاري لضمان عدم تضارب سعرها مع قوائم أخرى، وكان سعر الشراء للقطعة الواحدة نحو 90 دولارًا فيما أتفق على تسجيلها في العقود بـ300 دولار، ومن ثم صادق العقود من الملحقية التجارية في السفارة العراقية وبعد إكمال الإجراءات في البلد المصدر تكون المرحلة الأهم في العراق، حيث يتوجب عليه شراء الدولار من البنك المركزي بسعر الجملة بما يوازي قيمة البضاعة وفقًا للعقود “سعر القطعة 300 دولار”، وهذا ما تم، وتم تحويل المبلغ ليتم هناك دفع قيمة البضاعة بالسعر الحقيقي المتفق عليه نحو “90 دولارًا” للقطعة الواحدة”، لافتًا إلى أن “المبلغ المتبقي يكون بحسابه، حيث يملك الحرية في تلك الدول من التحويل والاستثمار، فيما يتم بيع البضاعة والتي إن لم تربح فستعيد رأس المال “90 دولارًا” للقطعة الواحدة لكن هذه العمليات لا تكون بشكل خفي لا تعلم به الجهات المعنية، إذ يشير حسن إلى أن “هذا التحايل ليس سريًا، وهو سياق متفق عليه، وجميع الجهات التي يتطلب الحصول على موافقتها، يوجد فيها موظفون يمرّرونها بكل سلاسة . إن عملية غسل وتهريب الأموال إلى خارج العراق معقدة وغير مضمونة، خاصة بعد حدوث العديد من حالات هروب “الظل”، وتمرده على صاحب المال، فضلًا عن كون بعض أصحاب تلك الأموال لا يمتلكون النفوذ الذي يمكّنهم من تهريبها، بالإضافة إلى عوامل أخرى، ما يجعلهم يقدمون على “غسلها” في الداخل وتتكدس في المناطق الراقية، العشرات من المطاعم الفخمة، والتي تتراوح تكاليف افتتاحها بين الربع ونصف المليون دولار، فيما تجاوز بعضها ذلك، بالإضافة إلى عدد كبير من المشاريع الفخمة مثل “المولات، محلات العطور (البراند)، معارض السيارات”، ومن خلال جردة حساب تجد أن تلك المشاريع لا تسد مصروفاتها اليومية من الأيدي العاملة، وبدلات الإيجارات وفواتير الكهرباء، فضلًا عن المواد الأخرى، بحسب مختصين , عشرات المطاعم الفخمة التي تتراوح تكاليفها بين الربع ونصف المليون دولار في المناطق الراقية، لكنها مشاريع لا تسد مصروفاتها اليومية وهي مجرّد وجوه لـ”غسل الأموال والحكاية أن من يريد غسل أمواله داخل البلد يعمل على الدخول كشريك في عدد من المشاريع الكبيرة مع حساب نسبة لصاحب المشروع، مقابل كل مبلغ يتم “غسله” ليكون واجهة لعمله، ويمنح هذا الخيار “الغاسل” مرونة، وسيطرة أكبر على أمواله فيما لو كانت في خارج العراق.

أجريت تحقيق وحوارات مع أصحاب مطاعم معروفة، ليكشف آلية الربح، وكيف تكون عملية “غسيل الأموال” في المطاعم الفخمة التي “لا يعمل بعضها”. ينقل صاحب مطعم تجربته في العمل قائلًا إنني “أعمل منذ 14 عامًا في هذا المطعم، كل شيء هنا محسوب وفقًا لمعادلة تضمن الربح المناسب، حيث أطوّر المطعم ببطء بالرغم من مكانه المتميز، وسمعته المعروفة بين الزبائن، مضيفًا “لا أستطيع تغيير ديكوراته مثلًا على غرار المطاعم الفخمة المجاورة، والتي تصل ديكورات بعضها إلى 200 ألف دولار، أو تشغيل كوادر سورية، الأمر يحتاج إلى أموال طائلة ولا تتناسب مع سوق العمل حاليًا وأمر “غسيل الأموال” لا يقتصر على المطاعم الفخمة، بل يصل إلى محلات بيع الحلويات والمعجنات أو الكافيهات ومشاريع محلّات العطور الكبيرة .وعن آلية عمل تلك المطاعم أن تلك المطاعم هي واجهات لغسيل الأموال، حيث عرض عليّ أحد الأصدقاء الوساطة مع شخصية مهمة لم يخبرني باسمها، مستدركًا “لكنه بيّن لي أن هذه الشخص سيكون شريكًا، ومقابل كل مبلغ يسجل في السجلات الرسمية كأرباح يمنحني 20 %، وكجزء من الإغراء أخبرني أن أول مبلغ ينوي غسله هو مليون دولار، وبالآلية التي تناسبني من حيث الوقت، لكنني رفضت دون تفكير.

لا يقتصر أمر “غسيل الأموال” على المطاعم الفخمة، بحسب صاحب المطعم الذي قال “نحن أصحاب المشاريع نعرف كل من يعمل بتلك الطريقة، مثل محلات بيع الحلويات والمعجنات أو الكافيهات

لا توجد علاقة مثبتة بشكل مادي على الشراكة بين “الظل” و”الغاسل”، ببساطة؛ أي إثبات من هذا النوع يعد دليلًا عليه، وهذا ما يمنح “الظل” مرونة في الهرب أو الانقلاب، ويتداول الكثير حكايات عديدة عن “انقلابات” على غاسلي الأموال انتهت بموت “الظل ,مصدر مطلع يروي واحدة من القصص المعروفة التي تسبّبت بإصابة أحد القيادات الأمنية بـ”جلطة” أفقدته الحركة بسبب هرب “ظله” إلى أحد الدول الأوربية بنحو 80 مليون دولار وقال المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، إن “أحد القيادات الأمنية كان يرسل لأبنه المراهق المقيم في أحد دول الجوار أموالًا بشكل دوري، وهي كانت عبارة عن مبالغ تجنى من التلاعب بسجلات الوقود، أو إجراء التنقلات في قواطع مسؤوليته عبر “سماسرة”، لافتًا إلى أن “تلك المبالغ كان يودعها الابن بأكثر من حساب مصرفي في دولة لا تدقّق عن الأصول المالية , أضاف المصدر أن “الشاب المراهق وقع بحب “فتاة ليل” في أحد النوادي الليلة، وبعد مغامرات غرامية تزوجها دون علم الأب، والذي لم يدم طويلًا حتى عرف بالأمر، فغضب منه وطلب منه أن يطلّقها، فيما رفض الابن، ما دعاه إلى مطالبته بتحويل المبالغ جميعها على حسابات جديدة تابعة له، في محاولة لسحب الأموال من الابن، لكن الأمر لم يستغرق سوى أيام حتى اختفى الابن وزوجته والأموال بشكل نهائي أشار إلى أنه “بعد اتصالات واستخدام للنفوذ توصل إلى أن أبنه في أحدى الدول الأوروبية، والذي طلب منه عدم التواصل معه أو محاولة تعقبه لأن الأمر سيكلفه فضيحة، ما جعل الأب يرقد لأشهر في الفراش بعد “جلطة” ألمت به …أبرز طرق “غسيل الأموال” للقيادات الأمنية هي صالات القمار والروليت التي تعمل على تبييض الأموال بكميات مفتوحة دون الحاجة إلى التعقيدات التي توجد في الملفات الأخرى، بحسب المصدر نفسه .إن الأموال المغسولة بعد 2003 توازي المبالغ المهدورة خلال الفترات المتعاقبة، بحسب الخبيرة الاقتصادية سلامة سميسم، مشيرةً إلى “وجود صفقات خاسرة يدخل فيها الغاسل من أجل تبييض أمواله تصل الخسارة فيها إلى 50%”، ومن الأمثلة الواضحة أن سعر الموز في السوق العراقية بالمفرد نحو دولار ونصف، فيما يصل سعره في البورصة العالمية إلى دولارين ونصف، والفرق واضح، نحو دولار ونصف، وهذا هو ثمن غسيل الأموال بمثل هذه الصفقة وضعف الرقابة القانونية على عمليات الغسيل إلى وجود تشريعات “صمّاء”، والتي تتعلّق بالأوراق الثبوتية للصفقات التجارية، والثروة المترتبة عليها، والتي يسهل التلاعب بها، والتحايل على السلطات في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد…إن “التحريات الجنائية الاقتصادية تلعب دورًا رئيسيًا في مكافحة غسيل الأموال، إذ تبحث في مصادر الثروة بشكل دقيق وعملي من خلال سلسلة إجراءات تحقيقية في الميدان، بالإضافة إلى مآلات الثروة”، وأن “تلك الإجراءات ليست بالمستحيلة ويمكن تطبيقها في العراق وبالرغم من أن “غسيل الأموال”، أصبح ظاهرة في الفضاء العراقي، لكنه لا يواجه بالمستوى الذي ينتشر فيه، إذ “التغاضي” عن عمليات غسيل الأموال، وعدم الاستعانة بتجارب الدول المتطورة إلى “مسميات ورقية مجهولة”، فيما تتجاهل السلطات “الثراء الفاحش والسريع للكثير من الساسة، بالإضافة إلى التجار غير المعروفين الذين سرعان ما يتحولون إلى أساطين في سوق العمل ,وأن “التاجر الذي يعمل تحت دائرة الضوء تكون جميع صفقاته معلومة، التفاصيل والأرباح المترتبة عليها، مستدركة “لكن العمل المجهول يجعل مصدر الثروة مجهولًا، خاصة في أعمال المخدرات والتهريب، والتي تثري صاحبها بصورة سريعة وتضعه تحت حماية وتوجيه مافيات كبيرة والأموال المغسولة بعد 2003 توازي المبالغ المهدورة منذ 16 عامًا، بحسب خبيبرة اقتصادية، والتي وصلت وفق إحصائيات إلى أكثر من 500 مليار دولار .

خطورة غسيل الأموال تكمن بانعكاساته المباشرة على مفاصل حياة “الاقتصادية والسياسية والأخلاقية والفكرية”، ويؤثر بشكل مركز على الأفراد في الجانب الاقتصادي، حيث يؤدي إلى اختلال في التوازن الاقتصادي الذي يعد الركيزة الأساسية للتعايش، أن “آلية غسيل الأموال بالعراق سلسة، حيث تمرر الأموال ببساطة، جراء تظافر مجموعة عوامل، منها الفوضى الأمنية التي تعيشها البلاد، بالإضافة إلى ضعف الأجهزة الرقابية الحكومية وقلة خبرتها وتنامي ظاهرة غسيل الأموال، واتساعها إلى “التطور في القطاع المالي والمصرفي الذي ساعد بشكل عملي على عمليات التلاعب، بالإضافة إلى “النظام الآلي لتحويل الأموال، الذي سهّل إتمام عمليات مشبوهة لغسيل الأموال، فضلًا عن شبكة الإنترنت التي استثمر من خلالها غاسلي الأموال السرعة للتحويلات النقدية عبر البلدان، أو داخل البلد الواحد وفي هذه الظروف، فأن نسبة كبيرة من المخاطبات المالية المرسلة بين المؤسسات المصرفية والأفراد لا تحتوي على المعلومات التفصيلية الخاصة بهذه المعاملات، بحسب عادل، فيما يرى مختصون في الاقتصاد أن مصادر الأموال غير المشروعة في العراق، هي سرقات المصارف والبنوك بعد احتلال العراق، والأموال المتأتية و سرقة الآثار الثمينة وتهريبها، بالإضافة إلى تهريب النفط ومشتقاته، وعصابات السرقات والخطف، والأموال المخصصة لإعادة الإعمار التي تتجه نحو إقامة مشاريع وتقديم خدمات وهمية، فضلًا عن المتاجرة بالمخدرات و الرشوة والفساد.

أن الآثار المترتبة على “غسيل الأموال” هي إضعاف الدخل القومي من خلال استنزاف رؤوس الأموال وهروبها إلى الخارج، ما يؤدي إلى اختلال التوازن بين الادخار والاستهلاك، بالإضافة إلى أنه يجعل الدولة ملزمة بـ”التحويل الخارجي” إذ تزداد المديونية، فضلًا عن عدم الاستقرار النقدي (سعر الصرف) والخوف من تقلّبات مستقبلية، ما يعني قيام الأفراد بشراء العملات الأجنبية وادخارها داخل العراق وخارجه، فضلًا عن استنزاف الاقتصاد الوطني لصالح الاقتصادات الخارجية واستقطاعات من الدخل القومي للبلاد

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here