أزمة القضاء العراقي بين مجلس القضاء والمحكمة الاتحادية العليا

عبد الستار رمضان

يعتبر العراق من أكثربلدان العالم خرقاً وانتهاكاً للدستور والقوانين سواء من قبل السلطة التنفيذية او التشريعية او القضائية، ويمكن تحديد أهم اسباب تلك الخروقات والانتهاكات هو انه يتم التوافق عليها سياسياً فيصبح واقعاً عملياً، وان كل ما يثار بصدد وجود خرق دستوري او قانوني من عدمه فانه يثار بسبب خلاف سياسي او شخصي، فاذا حسم الخلاف تم السكوت عن الخرق الدستوري وكـأنه لم يكن، أما اذا استفحل الخلاف فان المحكمة الاتحادية تفصل فيه بعدة طرق، الاولى ان تمسك العصا من الوسط وكأنها جهة تحكيم عشائري تريد ارضاء الجميع، اما الطريقة الثانية فهي ان تدقق في موازين القوى فتحكم لمن هو أكثر قوة وسطوة وتأثيراً، او تحكم وفق السياقات الدستورية والقانونية حسب اطراف الدعوى والموضوع.

ان مهمة مجلس القضاء الاعلى هي تولى ادارة وترشيح رئيس محكمة التمييز الاتحادية وقضاتها ورئيس هيئة الاشراف القضائي وتعيين القضاة وترقيتهم وما الى ذلك من المسائل ذات الطبيعة الادارية حسب ما نصت عليه المادة(3) من قانون مجلس القضاءالأعلى رقم (45) لسنة 2017، وليس من مهامه التصدي لعمل المحكمة الاتحادية وتقرير انعدام أحكامها أو قراراتها لان تلك الاحكام والقرارات باته وليس للمجلس اية ولاية على المحكمة الاتحادية وذلك للاسباب التالية:

1-ان الدستور نص على السلطة القضائية في المواد(87)و(88)و(89) ونصها(تتكون السلطة القضائية الاتحادية، من مجلس القضاء الاعلى، والمحكمة الاتحادية العليا، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الاشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الاخرى التي تنظم وفقاً للقانون)، وهذا الترتيب هو ترتيب لفظي وشكلي ولا يعني ان المكون الذي ذُكر اولاً هو اعلى او له سلطة على المكون الذي يليه.

2- نصت المادة(90) على (يتولى مجلس القضاء ادارة شؤون الهيئات القضائية) اي انها مهمات ادارية لا تتعدى الى صلاحية اصدار القرارات او الاحكام القضائية التي هي مهمة المحاكم والقضاء المستقل الذي لا سلطان عليه الا القانون.

3-ان المواد(92و93) قد بينت الاحكام الخاصة بالمحكمة الاتحادية العليا والمادة(94) نصت على(قرارات المحكمة الاتحادية العليا باته وملزمة للسطات كافة)، وان قانون المحكمة الاتحادية رقم(30)لسنة 2005 حدد طريقة تشكيلها وانعقادها وما جرى بعدها هو مسايرة الوضع على الخلل الموجود بالقانون.

4-جرت محاولة اصلاح الخلل عندما صدر قانون مجلس القضاءالأعلى رقم (45) لسنة 2017، وتم بموجبه منح مجلس القضاء الأعلى اختصاص ترشيح أعضاء المحكمة الاتحادية العليا من القضاة وفقاً للمادة(3/ثالثا) منه, التي تم الغائها حسب قرارالمحكمة الاتحادية المرقم 19/ اتحادية/2017 في 11/4/2017 “ولأن المادة اعلاه متعارضة مع حكم الفقرتين (أولا) و(ثانيا) من المادة(92) من الدستور اللتين نصتا على أن المحكمة الاتحادية العليا مستقلة مالياً وإدارياً وأن طريقة اختيار أعضائها ينظمه قانونها، وإن إيكال ترشيح أعضاء المحكمة الاتحادية العليا إلى مجلس القضاء الأعلى يخل باستقلالية المحكمة ويخالف احكام ومواد الدستور.

5-بعدها رجع الخلل والفراغ الدستوري والقانوني في هذا الموضوع، وبالتالي فهي ازمة فراغ دستوري وقانوني لا تعالج الا بتعديل الدستور او بتشريع قانون خاص للمحكمة الاتحادية، وهذا ما لم يتم خلال ال15 سنة الماضية، وبالنتيجة ربما يمكن القول انه لا المحكمة الاتحادية على خطأ ولا مجلس القضاء الاعلى على خطأ لان الاثنين اجتهدوا واجتهادهم صواب يحتمل الخطأ أو خطأ يحتمل الصواب.

6-ان الموقف الجديد لمجلس القضاء خطير وقد يؤدي الى نسف النظام القضائي والدستوري في العراق وهو موقف متسرع ولا يمكن الاخذ به لان كتابه الاخير المرقم(83في23/1/2020)ورد في نهايته (…وما يصدر من المحكمة يعد معدوماً من الناحية القانونية) هو بمثابة تعليمات ولا ترقى حتى الى مرتبة القرار الاداري او القضائي.

7-ان مسألة تقرير انعدام الاحكام والقرارات مسألة ذات طبيعة قضائية لا ادارية مما يقتضي أن تتصدى لها المحكمة الاتحادية ذاتها ولو بدعوى مبتدأة عند الاقتضاء،او حسب نظرية الموظف الفعلي المعروفة في القضاء الاداري، او بموجب نظرية الاوضاع الظاهرة التي اخذ بها القانون المدني العراقي واقرتها العديد من أحكام قرارات محكمة التمييز العراقية.

8-ان اللفظ الذي استخدمه المشرع العراقي هو (المهام) لانها ذات طبيعة ادارية وهذه هي الطبيعة الادارية لمهام مجلس القضاء والتي وردت في نص المادتين (90)و(91) من الدستور العراقي لسنة2005.

9-ان كلاً من مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية قد استطاعوا ايجاد المبرر القانوني لتوجههم، لكن الغاء المادة(3) من قانون المحكمة الاتحادية رقم (30) لسنة 2005الخاصة باختصاصات مجلس القضاء الاعلى في ترشيح رئيس واعضاء المحكمة الاتحادية أدى الى عدم وجود نص دستوري او قانون نافذ حالياً يبين الآلية التي يتم فيها تعيين رئيس واعضاء المحكمة الاتحادية، وهو نقص تشريعي وفراغ دستوري يعيشه القضاء العراقي.

10-ان المحكمة الاتحادية تصدر قراراتها بالاكثرية ولا يوجد نص يلزمها ان تكون قراراتها بالاجماع لذا فان اعتراض مجلس القضاء على هذه النقطة غير موفقة، كما ان تعيين احد القضاة المتقاعدين كعضو بدلا عن القاضي الذي احيل على التقاعد لاسباب صحية فانه ايضا غير صحيح لعدم وجود قانون يحدد كيفية الترشيح والتعيين في المحكمة الاتحادية، كما ان جميع اعضاء المحكمة الاتحادية ورئيسها قد بلغوا وتجازوا سن التقاعد مما لا يساعدهم في عملهم الشاق والمهم والكبير في البت في المسائل القانونية والدستورية.

عليه فأن ما يثار الآن بخصوص خروقات منسوبة للمحكمة الاتحادية سواء كانت صحيحة ام غير صحيحة فان دوافعها خلافات شخصية ألقت بظلالهاعلى العلاقة بين الطرفين(مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية) من سنوات، وانه يمكن ان تقف ورائها جهات سياسية متنفذة داعمة لاحدهما بما يدفعه للتصعيد في محاولة الاستيلاء على الدولة ومفاصلها بذرائع دستورية مفتعله، لكن الموضوع يبقى موضوعاً شائكاً ومن العقد الدستورية العصيّة الحل في الظروف الحالية وبما يعمق الأزمة في العراق بحيث لم تعد أزمة سياسية او حكومية بل امتدت الى القضاء العراقي بين مجلس القضاء الاعلى والمحكمة الاتحادية العليا وبقية مكونات السلطة القضائية والادعاء العام الذي اصبح تابعاً لمجلس القضاء في حين كان الاولى والاجدر به ان يكون له الصوت العالي في هذه القضية وغيرها من القضايا الكثيرة والكبيرة كونه ممثل المجتمع ومهمته حماية نظام الدولة وأمنها والحرص على المصالح العليا للشعب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here