أملاك العراقيين من العقارات في خطر شديد

لعل سوء الطالع هو من جعلنا بان نكون وسط إحدى الدوائر الخدمية لانجاز معاملة تتعلق بتسجيل عقار ، وأقول ( سوء ) لان ما وجدناه في تلك الدائرة يصعق العقول ويطرح العديد من علامات الاستفهام والسؤال حول أسباب بقاء دوائر التسجيل العقاري بهذه الوضعية الرثة طوال تلك السنوات ، كما أن من حقنا أن نقول ( سوء ) لأننا اكتشفنا إننا أمضينا سنوات مهمة من حياتنا نعلم أبنائنا وإخواننا الطلبة الجامعيين الإدارة والتنظيم ، في وقت لم نجد ابسط ما يبرر ما أنفقت عليه الدولة من أموال من أثر في واحدة من الدوائر المهمة التي لا تزال تتبع إجراءات زمن تأسيس الدولة او قبلها في الحفظ واسترجاع المعلومات ، وغيرها من الأمور التي تعد من أبجديات حفظ المال والمحافظة على إثبات ملكية الناس للعقارات فهذه الدائرة تعد الجهة الوحيدة في العراق التي يعول عليها في إثبات وانتقال ملكية العقارات ، وكما هو معروف فان ملكية العقار عزيزة على قلوب الجميع لأنها ثمرة جهود تمتد لعقود او سنين تم شرائها للسكن او الاستثمار أوان تملكها تم بالتوريث او بغيرها من الطرق التي تثبت مصداقية التملك من النواحي الشرعية والإجرائية بما يتوافق مع القوانين والأنظمة والتعليمات.

إن دائرة التسجيل العقاري تتبع من الناحية الإدارية وزارة العدل وهذه الوزارة مختصة بالعدل ، لكن فروع دائرتها ( التسجيل العقاري ) المنتشرة جغرافيا في بغداد والمحافظات تتبع الطرق البالية وغير الآمنة في حفظ الوثائق والخرائط المتعلقة بملكية العقارات ، حيث تحتفظ هذه الفروع بملايين الملفات عن العقارات بأنواعها المختلفة ( أراضي ، دور ، عمارات تجارية ، شقق ، محلات ، مخازن ، غيرها ) وكل إضبارة من تلك الأضابير تحتوي على الوثائق والمستندات والقرارات الخاصة بكل عقار منذ وجوده وحتى آخر عملية انتقال للملكية وكل ما يتعلق بقرارات الحكم والفرز والبيع والشراء والهبات والإرث والوكالات ، ويعود تاريخ بعضها لعقود وقرون سابقة ، وهي وثائق غاية في الأهمية لأنها تتضمن كل شاردة وواردة وتعد الفيصل في كل النزاعات والمنازعات لان ما موجود فيها تعتمده المحاكم بمختلف الدرجات والاختصاصات ، وتأتي أهمية هذه الملفات في كون بعض المعلومات والوثائق الموجودة فيها قد تكون حصرية ولا يوجد ما يناظرها او يشابهها في أماكن أخرى حتى للمالكين أنفسهم ، لان المالك غالبا ما يحتفظ بسند الملكية لان التفاصيل المتعلقة بتاريخ وطريقة تملكه محفوظة بتلك الملفات ، وهذا الملفات محفوظة بطريقة لا تدرس لا في التاريخ ولا في الجغرافيا ولا في إدارة المحفوظات او المكتبات ولا مدرجة في نظم المعلومات لان اغلبها ( مرتبة ) بالطريقة التي درج على تعودها وتداولها الموظفون العاملون وبعضهم يعلم البعض الآخر، لذا لا تستغرب أن تراجع يوما فيتم الاعتذار عن انجاز المعاملة لان موظف الملفات مجاز وبديله غير موجود وبذلك يكون من الصعوبة استرجاع الأوليات ، كما انه ليس من المستبعد أن تتداخل الملفات بعضها مع البعض فيقولون لك إن الاضبارة مفقودة وان العثور عليها سيتم بطريقة المعجزة او بعد الانتهاء عن فرز الأضابير للعثور عليها إن كنت من أصحاب الأبراج السعيدة في وقت المراجعة بالذات ، ولا عجبا إن تلك الدوائر لم تعتمد الترقيم على أساس المحلة والزقاق وإنما استنادا للترقيم الموجود في دوائر الكهرباء الذي لا نعرف إلى أي زمن يعود .

والمسالة الأكثر خطرا في مسألة الاحتفاظ بالملفات ( الأضابير ) إنها بنسخة واحدة ولا يجوز الاستنساخ منها كلا او جزءا إلا بقرار او حكم قضائي او من جهات إدارية ذات اختصاص ، بمعنى إن المواطن غير مسموح له باستنساخ محتويات اضبارة عقاره لان ما مسموح به هو استنساخ اجزاءا من المعاملة عندما تكون بحوزته لغرض الانجاز، فالمعمول به إن الاضبارة لا يمكن أن تكون خارج الشعبة المعنية إلا بأيادي (بيضاء ) 100% ، أما المسالة الأكثر خطرا فهي إن هذه الأضابير محفوظة في تلك الفروع ورقيا واغلبها على الرفوف وليس في دواليب محكمة وضد الحرائق والغرق والعوامل التي تتسبب بإتلاف الورق من الحرارة والرطوبة والحشرات وغيرها ، والأضابير بشكلها الحالي غير مؤرشفة بالميكروفيلم او السكانر او أية وسيلة قديمة او حديثة ، مما يعني إن حصول حريق في احد تلك الفروع سيشكل كارثة كبرى للدائرة نفسها والمالكين والجهات ذات العلاقة ببعض الملكيات ، وقد حصلت حوادث فعلا وبشكل محدود في عامي 1991 و2003 ولكن تم تدارك اغلبها بوسائل الإثبات القانوني والإداري وهناك إشكالات ببعض منها لا تزال معلقة لحد اليوم ، وحين سألنا كيف يتم إثبات حق المواطن عند تعرض اضبارة العقار للتلف او الفقدان فأجابوا بان حق المواطن مثبت في سند الملكية الذي يحتفظ به ، ولا نعلم ماذا سيفعل المواطن عندما يفقد سند الملكية لسبب ما وكيف يتم الإثبات إذا ظهر أكثر من سند لنفس العقاري ، وأجاب البعض بان السند الذي يحمل آخر تاريخ هو من يعتد به وان الحاسبة تسجل السندات بعد آخر عملية انتقال للعقار، وعند التحري عن هذين الاجرائين وجد بان الاعتماد على التاريخ الأخير غير ضامن إذا ظهر سند مزور( بطريقة توحي بأنه حقيقي ) يحمل التاريخ الأخير ، كما إن التسجيل في الحاسبة بعد انجاز آخر انتقال غير ملزم ( لأنه ليس من متطلبات انجاز المعاملة ) وهو خيار متروك للمواطن ، وبعض المواطنين لا يعلمون بهذا الإجراء كما إن انتقال الملكية يتم بمرحلتين أولهما إصدار سند ملكية مؤقت وثانيها إصدار سند دائمي ( أبو الفسفورة حاليا ) والذي يصدر من التسجيل العقاري بعد تدقيق عملية الانتقال والمرحلة الثانية تنجز بعد 2-3 شهر من إصدار السند المؤقت او عند تلبية طلب المواطن في إجراء التدقيق السريع .

وعند البحث عن أسباب عدم اعتماد الأرشفة الالكترونية لمعاملات التسجيل العقاري وتحويلها من ورقية إلى الكترونية كما وعدت الحكومات السابقة باعتماد الحكومة الالكترونية ، وجد بان الأسباب تعود إلى عدم توفر العدد الكافي من الحاسبات والأجهزة اللازمة والعدد الكافي من الموظفين ، وعجبا أن تذكر هكذا أعذار لان التسجيل العقاري يتقاضى رسوم هائلة تبلغ 3% من قيمة العقار عند كل عملية انتقال للملكية ، كما إن هناك رسوم باهظة ، مثلا تقاضي مبلغ 8000 دينار عند اصدر نسخة من سند الملكية ومبلغ مماثل عند تزويد المواطن بنسخة من الخريطة ( التي يدفع ثمن استنساخها المواطن ) و50 ألف دينار عند وضع إشارة حجز او عدم التصرف في اضبارة أي عقار ورسوم أخرى تمت مضاعفتها لعشرات المرات ، أما عن توفر الموظفين ففي بلدنا أكثر من مليوني عاطل عن العمل ولدينا خريجون يملئون ساحات التظاهر من يأسهم من انتظار التعيين كما إن هناك بطالة مقنعة في اغلب الوزارات والدوائر ويمكن نقلهم للتسجيل العقاري لتوثيق المعلومات ، وان ما ذكرناه عن دوائر التسجيل العقاري يثبت فعلا إن عقارات المواطنين تتعرض لخطر مؤكد إن لم نحسن التدبير ، فكأن تلك الدوائر تعتمد على الغيبيات فلأن الحوادث الجسيمة لم تحدث يعتقدون إنهم يسيرون في الطريق الصحيح ، والحقيقة إنهم بحاجة للمساعدة في التطوير، كما ان التسجيل العقاري بحاجة لتجاوز أخطاء كثيرة منها عدم صلاحية البنايات وكثرة الازدحامات والبيروقراطية في انجاز المعاملات وممارسة الضغوطات للفساد والانتشار الكثيف للدلالين والمعقبين في اغلب الفروع تحت غطاء الوكالات الخاصة والعامة ، فضلا عن المزاجية في تعامل الموظفين وانعدام وقلة وسائل الراحة عند طول الانتظار وغيرها من السلبيات التي يشعر ويعاني منها كل مراجع ولكنه يقبلها على مضض خوفا من ضياع حقه في لحظة غضب من بعض الموظفين والمعاونين القضائيين ، خلاصة القول إن هناك ضرورات قصوى ومبررات ومسوغات لإخضاع دائرة التسجيل العقاري وفروعها إلى مختلف الأضواء ، لا بهدف التدخل بأعمالها وإنما لحماية عقارات الناس لأنها أملاك وقبلها معاملتهم بشكل إنساني يليق بهم كمواطنين من دافعي الضرائب والرسوم .

باسل عباس خضير

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here