المهمة الصعبة والتفائل بالخير و حسن الظن

عقودا من الزمن عاشها اغلب زعماء وممثلي القوى السياسية في العراق في الدول التي تعتبر متحضرة و تعرفوا فيها على منظومات حكم مختلفة وتعاملوا مع نخب سياسية كانت تدير المؤسسات في تلك الدول وكان الشعب العراقي يمني النفس بزوال ظلام الديكتاتورية ونهاية سنوات القمع والبطش بسياط الاستبداد ليستقبل بالأحضان هؤلاء الزعماء الذين دأبوا على تسويق العناوين والشعارات البراقة عن الديمقراطية والتعددية ولكن مع الاسف فشلوا في تطبيق اي منها في بلدهم بعد ان عادوا اليه .الان بعد ان واجهت العملية السياسية في العراق مشكلتين خطيرتين: الأولى المطالبات الشعبية والاحتجاجات التي انتفضت والخضوع لها في خطوة مطالبة باختيار رئيس وزراء جديد والثانية كيفية الخروج من الكلفة الباهظة التي ستواجه العراق في تنفيذ القرار الذي اتخذ داخل البرلمان في طرد القوات الأميركية من العراق كواحدة من ردود الافعال على اثر التجاوزات على السيادة العراقية من قبلها، فالمهم، الآن، اذا ما اردنا ان نتحدث بواقعية عن المرحلة الراهنة التي قد يذهب العراق من خلالها إلى مستقبل مختلف. وهو مستقبل يريد له العراقيون أن يقترن بإقامة نظام سيادي ومستقل بكل ما يعنيهما ذلك وبكل ما يرمز إليهما، في شروط العراق الخاصة لا خارج هذه الشروط مما يراد إملاؤه على العـــراقيين من هنا ومن هناك. وكذلك أن النظام المدني والتعددية ليستا مجرد كلمتين يمكن لأي كان أن يستوعب معانيهما ويتعامل ويتفاعل معهما. إنهما ثقافة، في الدرجة الأولى. ولا بد للذي يريد أن يجعلهما جزءاً من حياته يمتلك ثقافتها، و يمارسها بكل صعوباتها، وأن يدفع ثمن افتقاره التاريخي الطويل لهـا وهذا ما عانه الشعب منذ اربعة اشهر في الخروج الى الشارع للتظاهر والمطالبة بالحقوق والتعامل السلبي والايجابي فيها واجبار الحكومة للاستقالة بعدها .

الان جاء الاتفاق بعد شهرين من استقالة عادل عبد المهدي والقرارعلى تولي محمد توفيق علاوي مهام تشكيل الحكومة الجديدة وتعامل الرئيس برهم صالح معها بحذر لعدم نقل صلاحيات رئيس الحكومة له ولهذا ربما لم يكن راغباً نقلها لنفسه بقدر ما كان يريد من الكتل السياسية في البرلمان أن تتفق على تسمية شخص يتوافق مع متطلبات المرحلة الحالية للعراق وعجزهم للاتفاق عليه وهدد بأنه سيختار رئيسا مؤقتا للوزراء إذا لم تتمكن الأحزاب السياسية من اختيار بديل لعادل عبدالمهدي بحلول الأول من فبرايرالماضي وكان له مكان واتخذ القرار ، ورفض صالح تكليف عدد من المرشحين تقدم بهم جمع من النواب في البرلمان العراقي عن كتلة البناء التي تعتبر نفسها هي الكتلة الاكبر والمختلفة في تسميتها ، وهم كلّ من وزير النفط الأسبق إبراهيم بحر العلوم ، ووزير التعليم العالي في الحكومة المستقيلة قصي السهيل عن ائتلاف دولة القانون ومحمد شياع السوداني في وزير العمل السابق وكذلك اسعد العيداني محافظ البصرة و مصطفى الكاظمي الذي يشغل منصب رئيس جهاز المخابرات،، والدكتور علي شكري وزير التخطيط السابق وكبير مستشاري ديوان الرئاسة الحالي وهكذا كانت بورصة السياسة مستعرة وعلى اشدها في تداول أسماء عدة، بعضها كان جديا، وأخرى كانت اوراق للحرق لاستبعادها وبعد شد وجذب طويل خرج محمد توفيق علاوي على غيرالمألوف قبل التكليف الرسمي في خطاب مصور على شبكات التواصل عن تكليفه برأسة مجلس الوزراء، ليتحدث عن أنه كلف بالمنصب من قبل الرئيس برهم صالح، ودعى الشعب العراقي للوقوف إلى جانبه من أجل انجاز المهمة الموكلة اليه ، وطالب الاستمرار في التظاهر حتى تحقيق جميع مطالبهم، كما تعهد بمحاسبة القتلة وتعويض أسر الشهداء وتحديد موعد للانتخابات المبكرة ومحاربة الفساد وتباينت ردود افعال القوى السياسية بشأن التكليف ، إذ نأت كتل سياسية بارزة بنفسها عن تكليفه،في حين وقفت اخرى معه . وتعهد علاوي ببناء دولة المواطنة ومؤسسات دولة العدل والحرية، بالعمل من أجل تلبية مطالب المحتجين فيما يتعلق بالوظائف والخدمات ومحاربة الفساد المتفشي، وحماية المتظاهرين السلميين وإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء، وشــدد عــلاوي «اننــا فقــط بروح الاخوة واـِّحبة والتعاون نســتطيع ان ننقــذ بلدنا وننهــض به ونحقق ازدهاره وتطوره، وبخلافه سنفقد ما تحقق من انجازات عظيمة وسنجر بلدنــا الى الهاويــة إن تخلينــا عن روح الاخــوة والتعاون واشــعنا روح الخلاف والنزاع والصراع وبالعمل الحثيث من أجل التهيئة لإجراء انتخابات مبكرة حسب الآليات الدستورية، و حماية العراق من أي تدخل خارجي ، واعتبر البعض التكليف إنجازا تاريخيا، مقابل وفائه بتعهداته. وقد تناسى علاوي بأنه سيدير البلاد إلى حين إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، كشخص مرشح مستقل لمنصب رئاسة الوزراء المؤقت و يتحتم عليه المضي لتشكيل حكومة انتقالية مصغّرة قد لا تتجاوز بين 15 الى 20 وزير ، تعمل لمدة أقصاها ستة أشهر، لتأمين انتخابات عادلة ونزيهة وفق قانونين الانتخابات ومفوضية الانتخابات بعد اخفاق الكتل السياسية على تبني شخصية سياسية متمثلة برئيس وزراء لا تنطبق سيرته مع مواصفات الشارع المنتفض، وبالمقابل اتخذت الاحتجاجات خطوات تصعيدية من شأنها الضغط بشكل فعال على السلطات التنفيذية والتشريعية” للاسراع في التكليف لينقذ العراق من الفراغ الدستوري المستمر منذ أن انتهت في 16 ديسمبر/كانون أول الماضي، بعد الخلافات العميقة بين القوى السياسية بشأن المرشح لرئاسة الحكومة والتي يتعين عليه تشكيل حكومة جديدة خلال شهر، مع ضرورة مراعاة أن البلاد أمام مرحلة جديدة يعد فيها الشارع العراقي لاعبا أساسيا بعدما دفع رئيس الوزراء السابق للاستقالة، في ظل التوقعات بالتعثر في المهمة للتنافس الحاد بين الأحزاب على المناصب الوزارية مما يطيل الأزمة السياسية، إذ إنه سيتعامل مع أكبر كتلتين متنافستين في البرلمان هما سائرون والبناءولا يستطيع أن يقدم شيئاً، ولن تكون له قدرة على حل أي أزمة، هو أو غيره، خاصة مع عدم وجود كتل سياسية تدعمه، و تعيين شخص يحظى بدعم الكتل والمتظاهرين، وهذا صعب إن لم نقل مستحيلاً والرفض والقبول يكشف عن تناقض ما بين القوى السياسية والشارع العراقي، فكل منهما ينتظر مرحلة مختلفة عما يراه الأخرمما يفهم بأن كل التوقعات في هذه المرحلة لانجاز المشاريع التي تحدث عنها علاوي سوف لا تكون سهلة التنفيذ في هذه الفترة القصيرة حيث سينشغل في الصراعات مع القوى التي تعتبر نفسها من صميم العملية السياسية وقد تقوده الى الفشل وإذا أخفق سيقوم رئيس الجمهورية بتكليف مرشح آخر، بمدة جديدة هي 45 يوماً وهكذا قد تطول بنا الدوامة ، واخيراً فان الأزمة العراقية لا تحتاج سوى إلى تنازلات تقدمها القوى السياسية للشعب الذي هو مصدر الشرعية الأول. ولا نظن أننا نبالغ إذا ما نحن ذهبنا في التفاؤل إلى الحد الذي نرى فيه العراق يتجه، ولو بصعوبة قصوى وبآلام كثيرة، نحو مرحلة قادمة، تعقب المرحلة الانتقالية الراهنة، مرحلة تقوده إلى مستقبل مختلف بالكامل عن كل تاريخه القديم والحديث. وهو مستقبل نود ان نراه – او كما نحب ان نراه . ونتفائل بالخير لعلنا نجده مع حسن الظن…

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here