شرعية القيام ورايات المشرق (1)

الهدف من المنشور:

ـــ معالجة اشكالية بناء الدولة والقيام قبل ظهور الحجة المنتظر ع، ومحاولة فهم الأدلة الناهية عن القيام.

ــــ الرد على من يتهم الإمامية بالتقاعس عن الجهاد ( الدفاعي).

ـــ بيان عدم تأثر قيام الثورة الإسلامية في إيران بالفكر الزيدي أو الدول الزيدية عبر التاريخ، وإنما قامت هذه الدولة استنادا لروايات أهل البيت ع كما سيأتي .

ملاحظات :

ـــــ لا يبحث المنشور علامات الظهور، إلا بمقدار تعلق تلك العلامات بالبحث.

ـــــ ذكري لبعض مصادر الجمهور إنما هو للإستشهاد بها، بعد أن تكون موافقة لرواياتنا.

ــــ لا ينبغي التشدد في دراسة أسانيد روايات الملاحم، كما يفعل الفقيه بدراسته لأحاديث الأحكام الشرعية، فإذا كان السند معتبرا فهو المطلوب، وإن لم يكن كذلك وكان خاليا من الوضاعين، فيمكن الاستعانة بالشواهد والقرائن، للأخذ به، فليس السند إلا أحد طرق تصحيح النصوص وليس هو كل شيء.

ــــــ لا ألزم برؤيتي هذه أحدا، وإنما هو رأيي الذي توصلت إليه بعد تفحص الأدلة.

بسم الله الرحمن الرحيم

قد يتصور البعض أن نهج الائمة الإثني عشر يميل للخنوع والاستسلام للظلمة، بعد تحذيرهم شيعتهم من القيام والثورة، وليس الأمر كما قد يتوهم، فتحذيراتهم تلك منبعها علمهم بأن دولتهم هي آخر الدول، و تلك الأزمنة هي للظالمين، ومصير أغلب الثوار هو القتل والتشريد لأتباعهم، كما يشهد بذاك التاريخ، فتحذيراتهم تلك إنما صدرت عنهم للحفاظ على أتباعهم من المؤمنين.

إن القيام ليس ممنوعا ومحرما إلى قيام المهدي ع، بل لا بد من التمهيد لظهوره عليه السلام واعداد الدولة الموعودة التي تهيء الأمر له، وهذا الأمر منوط بالفقيه المجتهد العادل ، أما قيام هذه الدولة ومباركة السماء لها، فيمكن استفادته من روايات وأدلة عديدة.

أولا : أهدى الرايات

أشارت رواية مهمة إلى وجود بعض رايات الهدى قبل قيام الإمام المهدي ع، من تلك الرايات راية اليماني التي تسبق ظهور الحجة، وراية أهل المشرق.
روى الشيخ النعماني بسنده إلى الإمام محمد بن علي الباقر ع : ( … وقال : لا بد لبني فلان من أن يملكوا ، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم ، وتشتت أمرهم ، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني ، هذا من المشرق ، وهذا من المغرب ، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان ، هذا من هنا ، وهذا من هنا ، حتى يكون هلاك بني فلان على أيديهما ، أما إنهم لا يبقون منهم أحدا .
ثم قال ( عليه السلام ) : خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة ، في شهر واحد ، في يوم واحد ، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضا فيكون البأس من كل وجه ، ويل لمن ناواهم ، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني ، هي راية هدى ، لأنه يدعو إلى صاحبكم ، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم ، وإذا خرج اليماني فانهض إليه فإن رايته راية هدى ، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه ، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار ، لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم )
الغيبة ، ص 262 – 264

هذه راية حق تسبق ظهور الإمام، والتعبير في الرواية بفعل التفضيل ( أهدى) دليل على أن هناك راية هدى أو أكثر من راية، وقد اشارت روايات أخرى إلى راية تخرج من المشرق ومدحتها، كقول الإمام ع : (من نصرها نصر ، ومن يشاقها يشاق) (حتى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم قتلاهم شهداء) (فمن أدرك ذلك منكم فليأته ولو حبوا)
وفي رواية عبر عن إحدى تلك الرايات براية الحق، قال ع : ( إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل المشرق وأهل المغرب … للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه)
وسيأتي ذكر هذه الروايات ومصادرها.

فلو كان القيام محرما إلى أن يظهر الحجة كما يرى من يذهب إلى فهم النصوص حرفيا، لما مدح الإمام ع بعض الرايات التي تكون قبل ظهور الحجة عليه السلام ، بل إن الروايات تدل بشكل واضح على مشروعية بعض تلك الرايات، وأن نصرها واجب .

ثانيا: رواية قتلاهم شهداء

روى الشيخ النعماني قال : ( حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثني علي بن الحسن ، عن أخيه محمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن أحمد بن عمر الحلبي ، عن الحسين بن موسى ، عن معمر بن يحيى بن سام ، عن أبي خالد الكابلي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنه قال : ” كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق فلا يعطونه ، ثم يطلبونه فلا يعطونه ، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم فيعطون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم قتلاهم شهداء أما إني لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر)
الغيبة ، ص 281 – 282

تتحدث الرواية عن قوم من المشرق ،والمقصود من المشرق هو إيران كما سيأتي ، يثور هؤلاء القوم ويقاتلون عدوهم وهو معنى عبارة ( وضعوا سيوفهم على عواتقهم ) و ( قتلاهم شهداء)

الملاحظ أن الرواية باركت لهؤلاء الثائرين قيامهم، فقتلاهم شهداء، وهم ممهدون للحجة المنتظر، فقيامهم وثورتهم مشروعة، ولو لم يكن ذاك القيام مشروعا لما سمى الإمام الباقر قتلاهم بالشهداء، فلا ينبغي فهم الروايات العامة التي نهت عن القيام دون الأخذ بمخصصاتها كما في الرواية هذه.

ولهذه الرواية شاهد من رواية الطبري الإمامي، حيث قال : ( وحدثني أبو المفضل محمد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن إسحاق بن البهلول القاضي ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سمرة بن حجر ، عن حمزة بن النصيبي ، عن زيد بن رفيع ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : كنت عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) إذ مر فتية من بني هاشم ، كأن وجوههم المصابيح ، فبكى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقلت : ما يبكيك يا رسول الله ؟ قال إنا أهل بيت قد اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإنه سيصيب أهل بيتي قتل وتطريد وتشريد في البلاد ، حتى يتيح الله لنا راية تجئ من المشرق ، من نصرها نصر ، ومن يشاقها يشاق ، ثم يخرج عليهم رجل من أهل بيتي اسمه كاسمي ، وخلقه كخلقي ، تؤوب إليه أمتي كما تؤوب الطير إلى أوكارها ، فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا )
وفي رواية أخرى بسند له : ( … حتى يجئ قوم من هاهنا – وأشار بيده إلى المشرق – أصحاب رايات سود ، يسألون الحق فلا يعطونه – حتى أعادها ثلاثا – فيقاتلون حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما ، فمن أدرك ذلك منكم فليأته ولو حبوا . قال أبو المفضل : ورواه عمرو بن قيس الملائي ، عن الحكم بن عتيبة ، عن إبراهيم ، عن عبيدة السلماني ، عن عبد الله ، وكلاهما عندي صحيح)
دلائل الامامة ، ص 444 – 445
وقال في رواية أخرى : ( إنا أهل بيت اختار الله ( عز وجل ) لنا الآخرة على الدنيا ، وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريدا وتشريدا في البلاد ، حتى ترتفع رايات سود من المشرق ، فيسألون الحق فلا يعطون ، ويقاتلون فينصرون ، فيعطون الذي سألوا ، فمن أدركهم منكم – أو من أبنائكم – فليأتهم ولو حبوا على الثلج ، فإنها رايات هدى ، يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي ، يملأ الأرض قسطا وعدلا ، كما ملئت جورا وظلما)
دلائل الامامة ، ص 446
في رواية الطبري الأولى اشارة إلى نصر الله لمن ينصر هؤلاء المشرقيين وذاك في قوله ( من نصرها نصر) وفي الرواية الثانية والثالثة حث المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم على اتيانها ولو حبوا على الثلج، فإنها راية هدى.

روي هذا المضمون في كتب أهل السنة الحديثية، وتلك شواهد تقوي هذه الروايات وإن حكموا عليها بالبطلان كما جرت العادة لديهم، فلستُ بحاجة لأحكامهم ولا لهذه الروايات، ولكن أذكر بعضها ليطمئن الشاك بعدم تفرد الإمامية بروايات قيام قوم من المشرق.

روى ابن ماجة قال : ( حدثنا عثمان بن أبي شيبة . ثنا معاوية بن هشام . ثنا علي بن صالح عن يزيد بن أبي زياد ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ، قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل فتية من بني هاشم . فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ، أغر ورقت عيناه وتغير لونه . قال ، فقلت : ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه . فقال ” إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا . وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا . حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود . فيسألون الخير ، فلا يعطونه . فيقاتلون فينصرون . فيعطون ما سألوا . فلا يقبلونه . حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا ، كما ملؤوها جورا . فمن أدرك ذلك منكم ، فليأتهم ولو حبوا على الثلج)
سنن ابن ماجة ، ج 2 – ص 1366

وفي ( المصنف لابن أبي شيبة الكوفي، : ( معاوية بن هشام عن علي بن صالح عن يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال : بينا نحن عند رسول الله ( ص ) إذ أقبل فتية من بني هاشم ، فلما رآهم النبي ( ص ) اغرورقت عيناه وتغير لونه ، قال : فقلت له : ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه ؟ قال : ( إنا أهل البيت اختار لنا الله الآخرة على الدنيا ، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا ، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود يسألون الحق فلا يعطونه ، فيقاتلون فيضرون فيعطون ما سألوا ، فلا يقبلونه حتى يدفعوا إلى رجل من أهل بيتي ، فيملاها قسطا كما ملأوها جورا ، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج)
( المصنف لابن أبي شيبة الكوفي، ج 8 – ص 697

وروى الطبراني : ( … وإن أهل بيتي هؤلاء سيلقون من بعدي تطريدا وتشريدا حتى يجئ قوم من ها هنا من قبل المشرق وأصحاب رايات سود فيسألون الحق فلا يعطونه ثم يسألون الحق فلا يعطونه قال ذلك مرتين أو ثلاثا فيقاتلون فيعطون ما يسألوا فلا يقبلون حتى يدفعونها إلى رجل من أهلي بيتي يملاها عدلا كما ملؤوها جورا فمن أدرك ذلك الزمان فليأتهم ولو حبوا على الثلج)
المعجم الأوسط ، ج 6 – ص 29 – 30

وفي رواية نعيم بن حماد : ( إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي هؤلاء سيقتلون ( سيلقون) بعدي بلاء وتطريدا وتشريدا حتى يأتي قوم من هاهنا ، من نحو المشرق أصحاب رايات سود يسلون الحق فلا يعطونه مرتين أو ثلاثا فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلوها حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملوها عدلا كما ملوها ظلما فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج فإنه المهدي)
الفتن ، ص 188

ثالثا : ظهور راية الحق

ذكرت بعض الروايات راية تكون قبل ظهور الحجة ع وسمتها براية الحق.
روى النعماني : (أخبرنا عبد الواحد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن جعفر القرشي ، قال : حدثني محمد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن قتيبة الأعشى ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال : ” إذا رفعت راية الحق لعنها أهل المشرق والمغرب . قلت له : مم ذلك ؟ قال : مما يلقون من بني هاشم )
الغيبة، ص 309

قد يتصور البعض ان هذه الرواية تشير إلى صاحب الأمر، وليس الأمر كذلك، فقد وضحت رواية أخرى أن هذه الراية تكون قبل خروج الإمام ع.
روى الشيخ النعماني : ( أخبرنا علي بن أحمد ، قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى العلوي ، عن محمد بن الحسين ، عن محمد بن سنان ، عن قتيبة الأعشى ، عن أبان بن تغلب ، قال : ” سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد ( عليه السلام ) يقول : إذا ظهرت راية الحق لعنها أهل المشرق وأهل المغرب ، أتدري لم ذلك ؟ قلت : لا . قال : للذي يلقى الناس من أهل بيته قبل خروجه )
الغيبة ، ص 308

يبدو واضحا من الرواية أن راية الحق هذه والقائمين عليها هم من ذرية المصطفى صلى الله عليه وآله.
وفي مصادر الإمامية جاءت رواية مادحة لرجل يخرج من قم، ثائرا يحمل السلاح هو وأصحابه، ففي ( بحار الأنوار ) : (وعن علي بن عيسى ، عن أيوب بن يحيى الجندل ، عن أبي الحسن الأول (الكاظم ) عليه السلام قال : رجل من أهل قم يدعوا الناس إلى الحق ، يجتمع معه قوم كزبر الحديد ، لا تزلهم الرياح العواصف ، ولا يملون من الحرب ، ولا يجبنون ، وعلى الله الله يتوكلون ، والعاقبة للمتقين)
بحار الأنوار، ج 57 – ص 216

لا أستبعد أن يكون هذا الرجل هو الإمام الخميني رحمه الله، حيث كان يسكن في قم فترة من حياته، وبيته لا زال هناك وقد صار معلما يزوره الناس من مختلف البقاع، وقد سمعت أثناء دراستي هناك سنة 1997م أحد المشايخ الثقات في قم ويدعى هاشميان، وهو ينقل عن أحد مشايخه العدول أنه كان يسمع الإمام الخميني ــــ وكان الإمام حينها شابا ــــ يقول مرارا أنه سيثور على الشاه وينتصر ويؤسس دولة، فكانوا يتعجبون منه ولا يصدقونه.

جاءت رواية أخرى تبين خروج رجل هاشمي من ولد فاطمة ع، قبل ظهور المهدي ع، موصوف بالاستقامة والتدين.
روى السيد ابن طاووس الحسني : ( عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال : الله أجل وأكرم وأعظم من أن يترك الأرض بلا امام عادل ، قال : قلت له : جعلت فداك فأخبرني بما استريح إليه ، قال : يا أبا محمد ليس يرى أمة محمد صلى الله عليه وآله فرجا ابدا ما دام لولد بني فلان ملك حتى ينقرض ملكهم ، فإذا انقرض ملكهم أتاح الله لامة محمد رجلا منا أهل البيت ، يشير بالتقى ويعمل بالهدى ولا يأخذ في حكمه الرشى ، والله اني لا عرفه باسمه واسم أبيه ، ثم يأتينا الغليظ القصرة ذو الخال والشامتين ، القائم العادل الحافظ لما استودع يملأها قسطا وعدلا كما ملأها الفجار جورا وظلما)
اقبال الأعمال – السيد ابن طاووس – ج 3 – ص 116 – 117، بحار الأنوار ، ج 52 – ص 269

مما يدهش المرءء ورود بعض الروايات في كتب الجمهور التي اهتمت بأمثال هذه الأخبار، منها ما يشير إلى رجل يخرج بالري يكون من جند المهدي ع.
روى نعيم بن حماد قال : ( حدثنا عبد الله بن إسماعيل البصري عن أبيه عن الحسن قال يخرج بالري رجل ربعة أسمر مولى لبني تميم كوسج يقال له شعيب بن صالح في أربعة آلاف ثيابهم بيض وراياتهم سود يكون على مقدمة المهدي لا يلقاه أحد إلا فله)
الفتن ، ص 188

لعل الثياب البيض هي اشارة إلى القوات البحرية الذين يلبسون هذا اللون من الثياب، ومن الجدير التنويه إلى أنه لا ينبغي التشدد في دراسة مثل هذا السند وأمثاله، فهو اخبار عن المستقبل، ولو افترضنا وضع أمثال هذه الروايات، فلا يكاد العقل يجد مبررا مقبولا لواضعيها، فإن للوضاع غرضا عقلائيا من وضعه، كنصرة مذهبه، أو تحبيب الناس في أمر ما.

إن المرء يميل لتصديق هذه الرواية ومثيلاتها لأنها من أخبار الغيب التي لا مصلحة للوضاعين بافتعالها، ولا تعود عليهم بالفائدة.

رابعا : الحسني الفتى الصبيح
تتحدث روايات أخرى عن قائد عسكري حسني النسب يظهر في إيران، يمهد للإمام المهدي ع، وقد يقال إن زعماء الثورة في إيران حسينيون، والجواب : أن هذا الرجل هو من قادة الميدان العسكريين الذين يسلمون الراية للمهدي ع، ولعله من البارزين في جيش الخراساني .

روى الشيخ المجلسي عن بعض المصنفات عن المفضل بن عمر عن الإمام الصادق ع : ( … ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح الذي نحو الديلم ! يصيح بصوت له فصيح يا آل أحمد أجيبوا الملهوف ، والمنادي من حول الضريح فتجيبه كنوز الله بالطالقان كنوز وأي كنوز ، ليست من فضة ولا ذهب ، بل هي رجال كزبر الحديد ، على البراذين الشهب ، بأيديهم الحراب ، ولم يزل يقتل الظلمة حتى يرد الكوفة وقد صفا أكثر الأرض ، فيجعلها له معقلا . فيتصل به وبأصحابه خبر المهدي عليه السلام ، ويقولون : يا ابن رسول الله من هذا الذي قد نزل بساحتنا ، فيقول : اخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو ؟ وما يريد ؟ وهو والله يعلم أنه المهدي ، وأنه ليعرفه ، ولم يرد بذلك الأمر إلا ليعرف أصحابه من هو ؟ فيخرج الحسني فيقول : إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدك رسول الله صلى الله عليه وآله وخاتمه ، وبردته ، ودرعه الفاضل ، وعمامته السحاب ، وفرسه اليربوع وناقته العضباء ، وبغلته الدلدل ، وحماره اليعفور ، ونجيبه البراق ، ومصحف أمير المؤمنين عليه السلام ؟ فيخرج له ذلك ثم يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق ، ولم يرد ذلك إلا أن يري أصحابه فضل المهدي عليه السلام حتى يبايعوه . فيقول الحسني : الله أكبر مد يدك يا ابن رسول الله حتى نبايعك فيمد يده فيبايعه ويبايعه سائر العسكر الذي مع الحسني …)
بحار الأنوار ، ج 53 – ص 15 – 16

يؤكد هذه الروايات كلها ما رواه الشيخ الكليني في الكافي ج8 ص 206 : (…عن أبي عبد الله ( عليه السلام) … بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار ” قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم (عليه السلام ) فلا يدعون وترا لآل محمد إلا قتلوه )

نخلص بعد هذا العرض إنه لا يجوز فهم روايات النهي عن القيام على اطلاقها، دون الأخذ بالروايات المادحة لقيام أهل المشرق، فمن الخطأ الحكم على الثورة الإسلامية في إيران بمخالفة نصوص أهل البيت ع، مع علمنا بمدح نصوصهم عليهم السلام لقيام أهل المشرق وتمهيدهم لإمامهم الحجة المنتظر ع .

فالروايات المختلفة السابقة والتي يقوي بعضها بعضا تؤكد خروج قوم من المشرق يحملون السلاح يوطئون للمهدي ع، وفيها دلالة لا شك فيها على مباركة السماء لدعوتهم.
يتبع

مروان خليفات

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here