عودة لروايات المشرق (2)،

مروان خليفات

إن الروايات التي تذكر أهل المشرق وتوطئتهم للمهدي ع صحيحة كثيرة. قال الشيخ المجلسي : (الباب الخامس في ذكر نصرة أهل المشرق للمهدي عليه السلام عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي يعني سلطانه . هذا حديث حسن صحيح روته الثقات والاثبات أخرجه الحافظ أبو عبد الله بن ماجة القزويني في سننه)

بحار الأنوار ، ج 51 – ص 87

روى ابن ماجة : ( حدثنا حرملة بن يحيى المصري ، وإبراهيم بن سعيد الجوهري ، قالا : ثنا أبو صالح عبد الغفار بن داود الحراني . ثنا ابن لهيعة عن أبي زرعة عمرو بن جابر الحضرمي ، عن عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يخرج ناس من المشرق . فيوطئون للمهدى ” يعنى سلطانه )
سنن ابن ماجة – محمد بن يزيد القزويني – ج 2 – ص 1368

وروى الطبراني : ( حدثنا علي بن سعيد قال نا محمد بن منصور الطوسي قال نا كثير بن جعفر قال نا ابن لهيعة عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كان رسول الله ( ص ) جالسا في نفر من المهاجرين والأنصار علي بن أبي طالب عن يساره والعباس عن يمينه إذ تلاحى العباس ورجل من الأنصار فأغلظ الأنصاري للعباس فأخذ رسول الله ( ص ) بيد العباس ويد علي فقال سيخرج من صلب هذا حي يملأ الأرض جورا وظلما وسيخرج من صلب هذا حي يملأ الأرض عدلا وقسطا فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي فإنه يقبل من المشرق وهو صاحب راية المهدي )
المعجم الأوسط – الطبراني – ج 4 – ص 256

تعيين المشرق

الروايات التي تذكر أهل المشرق وثورتهم قد رويت عن النبي والباقر عليهما وآلهما الصلاة والسلام، وكلاهما كان يسكن المدينة المنورة، ولا شك أن إيران تقع شرق المدينة وإن امتدت أراضيها شمالا، فصح بهذا اللحاظ اطلاق المشرق عليها، خاصة مع وجود قرائن أخرى، أوضحت أن المقصود بالمشرق خراسان، وخراسان تعني إيران في الروايات.

من ذلك ما جاء في رواية النعماني المتقدمة الذكر : (وقال : لا بد لبني فلان من أن يملكوا ، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرق ملكهم ، وتشتت أمرهم ، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني ، هذا من المشرق ، وهذا من المغرب …)
الغيبة ، ص 262 – 264

فالخراساني من إيران وقد عين الإمام الباقر ع مكانه بأنه من المشرق، وهذا كاف في تحديد المشرق، لكن يزداد الأمر وضوحا في روايات أخرى.

قال نعيم بن حماد : ( حدثنا رشدين عن ابن لهيعة قال أخبرني أبو زرعة عن ابن زرير عن عمار بن ياسر قال : المهدي على لوائه شعيب بن صالح . قال ابن لهيعة عن ربيعة بن سيف تبيع قال: تخرج الرايات السود من خراسان معه قوم ضعفاء يجتمعون يؤيدهم الله بنصره ثم يخرج أهل المغرب على إثر ذلك )
الفتن ، ص 188 – 189

وقال نعيم : (حدثنا سعيد أبو عثمان عن جابر عن أبي جعفر قال يخرج شاب من بني هاشم بكفه اليمنى خال من خراسان برايات سود بين يديه شعيب بن صالح يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم )
الفتن ، ص 188 – 189

وروى الحاكم النيسابوري : ( وأخبرني محمد بن المؤمل ثنا الفضل بن محمد الشعراني ثنا نعيم بن حماد ثنا الوليد ورشدين ( قالا ) ثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل عن أبي رومان عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال يظهر السفياني على الشام ثم يكون بينهم وقعة بقرقيسا حتى تشبع طير السماء وسباع الأرض من جيفهم ثم ينفتق عليهم فتق من خلفهم فتقبل طائفة منهم حتى يدخلوا ارض خراسان وتقبل خيل السفياني في طلب أهل خراسان ويقتلون شيعة آل محمد صلى الله عليه وآله بالكوفة ثم يخرج أهل خراسان في طلب المهدي)
المستدرك ، ج 4 – ص 501 – 502

وقال نعيم بن حماد : (حدثنا رشدين عن أبي حفص الحجري عن المقدام الحجري أو أبي المقدام عن ابن عباس قال قلت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه متى دولتنا يا أبا حسن ؟ قال إذا رأيت فتيان أهل خراسان أصبتم أنتم إثمها وأصبنا نحن برها)
الفتن ، ص 115

يبدو أن ابن عباس يسأل عن دولة الحق لا عن دولة العباسيين، بقرينة قوله ( دولتنا) أي دولة أمير المؤمنين، فيشير الإمام لأهل خراسان، ومن البعيد جدا أن يكون الإمام ع قد قصد حركة أبي مسلم الخرساني، لأن ولد علي ع لم ينالوا برها كما جاء في الرواية، وإنما لاقوا أشد أنواع العذاب من العباسيين.
الفتن ، ص 198

إن الروايات التي حددت المشرق بخراسان واهل خراسان الذين يوطؤون للمهدي ع كثيرة، رواها الفريقان.

منها أيضا :

روى ابن طاووس نقلا عن نعيم بن حماد : ( حدثنا الوليد بن مسلم عن أبي عبد الله عن عبد الكريم أبي أمية عن محمد بن الحنفية قال تخرج راية سوداء لبني العباس ثم تخرج من خراسان أخرى سوادء قلانسهم سود وثيابهم بيض على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح بن شعيب من تميم يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل ببيت المقدس ويوطئ للمهدي سلطانه ويمد إليه ثلاثمائة من الشام يكون بين خروجه وبين ان يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهرا)
التشريف بالمنن في التعريف بالفتن ، ص 117 – 118، الفتن، ص 188

وقال نعيم : (حدثنا عبد الله بن مروان عن العلاء بن عتبة عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر بلاء يلقاه أهل بيته حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء من نصرها نصره الله ومن خذلها خذله الله حتى يأتوا رجلا اسمه كاسمي فيوليه أمرهم فيؤيده الله وينصره)
الفتن ، ص 189

وفي (كنز العمال ) : (مسند علي ) عن أبي الطفيل أن عليا قال له : يا عامر ! إذا سمعت الرايات السود مقبلة من خراسان فكنت في صندوق مقفل عليك فاكسر ذلك القفل وذلك الصندوق حتى تقتل تحتها ! فإن لم تستطع فتدحرج حتى تقتل تحتها)
كنز العمال ، ج 11 – ص 278

قال الشيخ المجلسي : (وروى ابن أعثم الكوفي في كتاب الفتوح عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال : ويحا للطالقان فإن الله عز وجل بها كنوزا ليست من ذهب ولا فضة ولكن بها رجال مؤمنون عرفوا الله حق معرفته وهم أيضا أنصار المهدي في آخر الزمان)
بحار الأنوار ، ج 51 – ص 87

وقال : ( وبالاسناد يرفعه إلى الفضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : له كنز بالطالقان ما هو بذهب ، ولا فضة ، وراية لم تنشر منذ طويت ، ورجال كأن قلوبهم زبر الحديد لا يشوبها شك في ذات الله أشد من الحجر ، لو حملوا على الجبال لأزالوها ، لا يقصدون براياتهم بلدة إلا خربوها ، كأن على خيولهم العقبان يتمسحون بسرج الإمام عليه السلام يطلبون بذلك البركة ، ويحفون به يقونه بأنفسهم في الحروب ، ويكفونه ما يريد فيهم . رجال لا ينامون الليل ، لهم دوي في صلاتهم كدوي النحل ، يبيتون قياما على أطرافهم ، ويصبحون على خيولهم ، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، هم أطوع له من الأمة لسيدها ، كالمصابيح كأن قلوبهم القناديل ، وهم من خشية الله مشفقون يدعون بالشهادة ، ويتمنون أن يقتلوا في سبيل الله شعارهم : يا لثارات الحسين ، إذا ساروا يسير الرعب أمامهم مسيرة شهر يمشون إلى المولى إرسالا ، بهم ينصر الله إمام الحق)
بحار الأنوار ، ج 52 – ص 307 – 308

وقال المجلسي : ( وروى بعض أصحابنا قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام جالسا إذ قرأ هذه الآية ” حتى إذا جاء ، وعد أولاهما بعثنا عليهم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ” فقلنا : جعلنا فداك ، من هؤلاء ؟ فقال ثلاث مرات : هم والله أهل قم )
بحار الأنوار ، ج 57 – ص 216

اشكالية رايات بني العباس

لا شك أنه ينبغي للباحث أن يكون حذرا لئلا يخلط بين الروايات التي وضعها العباسيون لنصرة دعوتهم، حيث انطلقت ثورتهم من خراسان وتسمى خليفتهم بالمهدي، وفعلهم هذا يدل على شيوع حديث الرايات السود ونصرة الخرسانيين للمهدي ع، فأرادوا بذلك خداع المسلمين وايهامهم بانطباق الحديث عليهم.

لكن الروايات ميزت بين رايات بني العباس ورايات الممهدين التي مقرها خراسان.
روى نعيم بن حماد : ( حدثنا محمد بن عبد الله أبو عبد الله التاهرتي التميمي عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن مسلم بن يسار عن سعيد بن المسيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تخرج من المشرق رايات سود لبني العباس ثم تمكث ما شاء الله ثم تخرج رايات سود صغار على رجل من ولد أبي سفيان وأصحابه من قبل المشرق)
الفتن ، ص 116

وقال : ( حدثنا الوليد بن مسلم عن أبي عبد الله عن عبد الكريم أبي أمية عن محمد بن الحنفية قال تخرج راية سوداء لبني العباس ثم تخرج من خراسان أخرى سوادء قلانسهم سود وثيابهم بيض على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح بن شعيب من تميم يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل ببيت المقدس ويوطئ للمهدي سلطانه ويمد إليه ثلاثمائة من الشام يكون بين خروجه وبين ان يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهرا)
الفتن ، ص 188

وروى قائلا : ( حدثنا محمد بن عبد الله أبو عبد الله التيهرتي عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن مسلم بن يسار عن سعيد بن المسيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يخرج من المشرق رايات سود لبني العباس ثم يمكثون ما شاء الله ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلا من ولد أبي سفيان وأصحابه من قبل المشرق يؤدون الطاعة للمهدي ) .
الفتن ، ص 190

ذكر البلخي ( ت 507هـ) بعض روايات الرايات السود ثم عقب قائلا: (واختلف الناس في تأويل هذه الأخبار فقال قوم قد نجزت هذه وهو خروج أبى مسلم وهو أوّل من عقد الرايات السود وسوّد ثيابه وخرج من خراسان فوطَّأ لبني هاشم سلطانهم…
وقال آخرون بل هو لم يأت بعد وإنّ أوّل انبعاث ذلك من قبل الصين من ناحية يقال لها ختن بها طائفة من ولد فاطمة عليها السلم من ظهر الحسين ابن عليّ ويكون على مقدّمته رجل كوسج من تميم يقال له شعيب بن صالح مولده بالطالقان مع حكايات وأقاصيص فيها العجائب من القتل والأسر والله اعلم)
البدء والتاريخ ، ج 2 – ص 174 – 176

هذا الرأي الثاني الذي ذكره صاحب البدء والتاريخ وتبناه بعض أهل العلم كما أشار هو الأرجح والأصح، لأن الروايات المتقدمة ذكرت خروج بني العباس برايات سوداء، ثم خروج رايات أخرى سوداء فيهم شعيب بن صالح الذي ذكرته الروايات.
ويمكن استفادة بعض الأمور من نص أحمد بن سهل البخلي :

ـــ قول الآخرين : ( بل هو لم يأت بعد وإنّ أوّل انبعاث ذلك من قبل الصين ) يعتمد على روايات لم تصلنا، وذكر الصين على الأغلب لأنها في جهة الشرق ولعل ذكرها من تصرف الرواة، حيث كانوا ينقلون الحديث بالمعنى وظنوا أن رايات المشرق تخرج الصين، لموقع الصين من جهة المدينة، وهو بعيد فالصين على مدى تاريخها الطويل بعيدة عن الإسلام وهي الآن تحارب الأقلية المسلمة التي هناك، فالصحيح أنها تنبعث من المشرق الذي هو إيران ، وهذا أوضحناه سابقا من خلال أدلة وقرائن عديدة
.
ـــــ لا أستبعد أن تكون لفظة ( ختن) : ( وإنّ أوّل انبعاث ذلك من قبل الصين من ناحية يقال لها ختن ) مصحفة عن كلمة ( خمين) ورسم الكلمتين متشابه إلى حد ما ، و (خمين ) بلدة قريبة إلى قم، ولد فيها الإمام الخميني رحمه الله .

ـــ تتمة النص : ( بها طائفة من ولد فاطمة عليها السلم من ظهر الحسين ابن عليّ) يوحي بأن هؤلاء الحسينيين هم قادة هذا الانبعاث، وكما قلت انطباقه على الصين بعيد جدا.

ــــ ثم قالوا : (ويكون على مقدّمته رجل كوسج من تميم يقال له شعيب بن صالح مولده بالطالقان) يلاحظ المرء أن من قادة الحركة الصينة المفترضة، شعيب بن صالح الذي ذكرته رواياتنا وروايات المخالفين والذي هو من إيران، ونعلم يقينا أن الهوة العقائدية شاسعة جدا بين إيران والصين ، والجمع بين الأخبار يقتضي ما ذكرته من القول باشتباه الرواة، ونقلهم النص بالمعنى، حيث جعلوا الصين مكان خراسان.

دفع توهم

توهم البعض من الزيدية حيث ظنوا أن قيام الثورة الإسلامية في إيران بعد قرون من العزلة، هو التحاق الإمامية بالنهج الثوري الزيدي، ورجوع للحق الذي هم عليه، وهذا تصور باطل، فالنظام في الجمهورية الإسلامية لم يتبن النظرية الزيدية في الحكم ولا أخذ بفقههم، وإنما أسسوا الدولة الممهدة للحجة المنتظر، التي جاءت بها الروايات ، وقد تقدم ذكرها، وتلك الرويات تكاد تنطبق على الجمهورية الإسلامية، والدلائل تشير لذلك.
وصل اللهم على محمد وآله الطاهرين.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here