التمييز والاغتراب

ادهم ابراهيم

ان الانسان اجتماعي بطبعه ، ولديه حاجات عديدة لايستطيع تلبيتها لوحده ، ولذلك نشأت المجتمعات والدول والحضارات ، الا ان الافراد مختلفين بالشكل او اللون او الجنس وكذلك بالثقافات والاديان ، ومن هنا نشأت مفاهيم التمييز والاغتراب
وللاغتراب اشكال متعددة ، فقد يكون اغترابا عن الذات ، او اغترابا عن البيئة الاجتماعية او عن الوجود والطبيعة
ومايهمنا هنا هو حالة اغتراب الانسان عن المجتمع الذي يعيش فيه ، حيث يعجز الفرد عن مجاراة مجتمعه ، فيعزل نفسه عن المشاركة في نشاطاته ، نتيجة ظلم المجتمع له لتفرده في حالة او اكثر او اختلافه عن هذا المجتمع ، وحالات الاختلاف كثيرة ليست فقط باللون والعقيدة والثقافة بل بالغنى والفقر ايضا ، مما يجعل كثير من بني البشر مستضعفين في الارض

وينظر المجتمع الى الانسان المستضعف نظرة دونية تؤدي الى اهماله في الحياة العامة اواعطاءه اعمالا دنيا، نتيجة اختلافه عن المجتمع ، لذلك لايستطيع المستضعف التاقلم مع بيئته، ويعيش في حالة عزلة وانطواء ، مع شعور عميق بالغبن والحيف وفقدان العدالة ، التي تؤدي به الى احساسه بعدم الثقة بالنفس والعجز والاغتراب ، وبالتالي ينتابه الشعور بالاحباط نتيجة عدم منحه الفرصة المناسبة له لتحقيق الذات

فقدان العدالة و”التمييز” بين البشر قضية متأزمة في جميع المجتمعات ، ولكنها تتفاوت في الشدة من بيئة لاخرى، ولذلك نشاهد حالات من التمييز والاغتراب في كل مكان تقريبا مع اختلاف المظاهر وتنوع الأشكال

ان هناك علاقة جدلية بين التمييز والاغتراب في المجتمع . حيث ينشأ الاغتراب من التطرف العنصري والتمييز الناتج عن الاحساس بالتفوق والافضلية على سائر البشر ، سواءً باللون أو الجنس أو الدين، أو على مستوى الخصائص الإنسانية، ويتبع هذا الشعور سلوك عدائي في بعض صوره ، للسيطرة على بقية الافراد على اساس انه افضل منهم ، فتتشكل عندئذ نظرة غير انسانية ضد الاجناس او الافراد الاخرين ،تدفعه الى انكار الاخر وقهره ومحاولة الانتقاص منه والحط من قيمته وكرامته، وربما يصل الأمر إلى الاعتداء والهجوم على الطرف الآخر بمختلف الطرق والوسائل

ان الشعور بالغربة وسط المجتمع هو قمة الاحساس بالانكسار ، مثل ذوي البشرة السوداء في امريكا ، او المهاجرين في اوروبا . او الاقليات الدينية والاثنية في اسيا وافريقيا ، الذين لايستطيعون التاقلم او الاندماج مع المجتمع نتيجة العرق اوالدين اواللغة
والاحساس بالاضطهاد قد يدفع الشخص الى العدوانية او الانسحاب والتقوقع ، او يكون دافعا الى الابداع والسمو
وقد كتب الاديب الروسي دوستويفيسكي رواية مذلون مهانون الذي يتحدث بها عن الشعور بالمهانة والالم ، بعد خروجه من السجن واحساسه بمرارة الاضطهاد والاذلال خلال مدة حبسه
في كتابه الانسان المغترب يعرض ايريك فروم مجموعة من الصفات خاصة بالاغتراب، وهي الحالة التي لا يشعر فيها الإنسان بأنه المالك الحقيقي لنفسه وطاقاته ؛ بل يشعر بأنه كائن هزيل يعتمد كيانه على قوى خارجية، لا علاقة لها بذاته ، فيجعله غير قادر على تغيير الوضع الاجتماعي، الذي يتعامل معه
ولذلك فان المغترب لا يستطيع توجيه سلوكه ومعتقداته الى تحقيق اهدافه الحقيقية نتيجة شعوره بالعزلة، وبأنه غريب عن السلوكيات الحضارية لبيئته

إنه لأمر محبط حقا شعور الانسان بعدم الاحترام الذي يستحقه. وان عليه اثبات نفسه مرارًا وتكرارًا

ان الاستسلام لهذا الاحساس دون مقاومته بالابداع والتميز او الاندماج بالمجتمع سيؤدي به الى الاضطراب النفسي والتقوقع . ان الطاقات الانسانية اللامحدودة قد تدفع الفرد للخروج من حالة الاستضعاف الى فرض نفسه وشخصيته على المجتمع ، فيصبح عنصرا فاعلا متميزا بالابداع والخلق بدل الاستسلام للتمييز والشعور بالمظلومية

وعلى العموم فاننا نواجه اليوم هجمة عنصرية جديدة تجاه فئات عديدة من البشر المختلفين ، تدفع احيانا الى مواقف عدوانية ضارة ومنافية للانسانية . مما يتوجب اعادة النظر بالمناهج التربوية وكذلك بالقوانين التي تساعد على تغيير الفكر الجمعي للمجتمعات باتجاه المبادئ الاخلاقية التي تكفل الحقوق الاساسية للانسان . ونشر روح التسامح وتقبل الغير ، ويستوي في ذلك المجتمعات المتقدمة والمتخلفة على حد سواء
ادهم ابراهيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here