الحكومة القادمة وجوهر عملها اعادة الثقة

لم يقدم الدكتور محمد توفيق علاوي المكلف بتشكل الوزارة اي خطوات مقنعة في خطاباته الثلاثة للمواطن العراقي كحلول لمعالجة اسباب التدهور التي استدعت خروج المحتجين في بغداد والمحافظات الجنوبية للمطالبة بها والتي من الممكن الخروج من ازمتها وفق خطط مستلهمة من المطالب الحقة التي يحتاجها ولم يظهر ان هناك ضوء في نهاية النفق لغياب الارادة عند النخب العاملة في الساحة السياسية حسب اعتقاد اكثر المحللين وثمة من يريد تركيعه وتحقيق مآرب شتى من وراء ذلك كما يُعتقد مما يجعلنا ان نتحسس بأننا نعيش في غير زمن الديمقراطية التي تدعيها القوى السياسية منذ سقوط النظام السابق وحرية الكلمة والرأي وبأن الحرية هي الأساس القوي الذي تبنى عليه حضارة الاوطان اليوم وإذا نظرنا الى حالنا هنا نرى بأننا لم نتقدم ولو بخطوة واحدة نحوها ، ومازلنا داخل قوقعة اللاديمقراطية واللاحرية وما زلنا سجناء العبودية والأفكار والمبادئ الغير فعالة في المجتمع و اصبح المواطن يقتنع بها تماماً . ومن هنا فلا يتم اسكات الغضب الشعبي الهادر بعد الان بسهولة ويسر إلا بالتّجاوب مع مطالبه في الحياة الكريمة عملاً وليسى إلا انفجاراً شعبياً في وجه الأوضاع المختنقة التي تعاني منه شريحة واسعة من افراده و بعد ان اصطبغت الاحتجاجات السلمية منها والتي نقصدها في الحديث بالدم والمواطن العراقي المظلوم والشّهم طعن في كرامته، وعزّة نفسه، وكبريائه وانتمائه، وسيادته الوطنيّة، وأوضاعه تسير من سيء إلى أسوأ، وانفجر غاضباً بعد تلك المعاناة و أدت إلى تفاقم الأزمة وبلوغها طريقا مسدودا في التوفيق بين إرادة الجماهير المنتفضة والحكومة على الإصلاح الحقيقي لافتقارها الى القدرة والامكانية ولارتفاع حالة الغليان وهي لا شك فيها حقيقة بكل ابعادها والتي أعطت انطباعاً عن الخطورة التي بدت تحدق ليس بالحكومة العراقية فحسب وإنما بالنظام السياسي العراقي برمته .ويستوجب من الحكومة ان تكون بمستوى الطموح لاسيما ان كان هدفها خدمة ابناء الوطن ، من دون النظر الى هويته الدينية والقومية والمذهبية واستلهام الحالة الانسانية ، والسعي لخلق ظروف مناسبة لحياة آمنة، وحرة وكريمة له. وبما يمكنه من الرقي بالحياة كأي كائن حي إلى كائن مؤثر في مجمل الأمور العامة والخاصة الأسرية والمجتمعية وعلى صعيد الدولة ككل، الأمر الذي يخلق علاقة طردية بين مستوى التأثير والسعادة الذاتية والرضا بالواقع الذي اختاره بكامل إرادته ويخضع لها.الحكومة القادمة عليها مسؤولية ثقيلة كبيرة مهمة في اعادة الثقة الى الشارع كخطوة اولية بالاعتماد على القدرة الانسانية وتوظيفها بشكل فاعل لانه يمثل المحرك الدائم للنمو ولتوفير فرص العمل والقضاء على البطالة وضمان حد أدنى من الدخل وبالخصوص للفئات الأكثر ضعفاً والتي خرجت عن ضيم ومعاناة وتوفير السكن الكريم للفرد والأسرة بتبني إستراتيجية حقيقية من مراحل متلاحقة تؤسس لبناء وحدات سكنية مجانية للمواطن العراقي، وتنهض بمقومات الاقتصاد وتعيد ترتيب الأوضاع الاجتماعية باقتلاع الظواهر السلبية والدخيلة كالتطرف والجريمة المنظمة والإرهاب بكل صوره. و احترم القيم الروحية والأخلاقية وحرية العمل السياسي ، و تعزيز العدالة والمساواة لجميع المواطنين، وتحترام الحرية الشخصية المسؤولة، وفهم وترسخ الديمقراطية، و تؤسَّس وتقوم على الاخوَّة الانسانية، والعدالة في الحقوق والواجبات امام القانون، والمواطنة والتاريخ، والعيش المشترك ونشر روح التسامح وثقافة قبول الآخر، وتساهم في التكامل والتواصل والتجدد والتقدم..وإذا ما جرى التوصل إلى حل للمشكلات التي يواجهونها فليس ثمة تعارضاً جوهرياً في عملهم ،أو على الأقل إذا ما أمكن اتخاذ خطوةٍ إيجابيةٍ، فسيكون حتمًا على الطريق الصحيح و بدعم وردود الفعل القوية والحازمة من المجتمع المدني ووسائل التواصل الإجتماعي التي بينت مقدار (القوة الرقمية الأخلاقية) التي يمتلكها ، بوسائل وأدوات تمثل سلطة لا يستهان بها، كسلطة معنوية توازي سلطة الدولة الفعلية، ولا يبدو ان علاوي لديه القدرة على تلبية مطالب المحتجين بتلك السرعة التي يمكن من خلاله اقناعهم للعودة الى الهدوء دون اظهار حسن النوايا بشكل عملي وجدي بالاعتماد على الجهود المشتركة ورغم ان مع استمرار الاحتجاجات وشعور النخب السياسية لخطورة الموقف قدم المسؤولون الحكوميون المزيد من التنازلات وتشريع بعض القوانين الترقيعية إلأ انها لم تقنع احد، ويظهر في بعض الأحيان أنهم يتنافسون مع بعضهم بعضاً لإثبات أنهم يعتبرون مطالب الجمهور مبرّرة وسيبذلون قصارى جهدهم لتنفيذ الإصلاحات المناسبة. والدعوة على النزول الى الشارع والاختلاط مع المحتجين والاستماع إلى مطالبهم ومشاكلهم وفشل تلك المحاولات ليس لافتقارهم لها انما لعدم وجود القدرات أو الإمكانيات اللازمة عندهم وغياب الثقة ، و لأسباب تتعلق بسوء إدارة الأزمة منذ بدايتها ورئيس الوزراء المكلف ورث مشاكل متراكمة خلفتها الحكومات السابقة وتراكمات عقود طويلة من المعاناة المعيشية والاقتصادية يصعب معالجتها في غياب الحلول لإغلاق الباب في وجه مُحاولات استغلالها وتوظيفها داخلياً في خدمة المشاريع الأمريكيّة و الإسرائيليّة خارجياً كما يعمل عليها البعض من الساسة .

ما يثبت ان النزاع في العراق لا يمكن النظر إليه بوصفه شأناً داخليًا يمكن تركه يغلي على صفيح ساخن لسنوات دون أي تدخل من القوى الخيرة ” احزاباً وشخوص ” و هذا ما ينتظر بالضبط بشكل أو بآخرالان . فما يحدث له تداعيات محلية وإقليمية ودولية، والآلام والمعاناة التي يكابدها العراقيون في بلادهم تتردد أصداؤها في أرجاء المنطقة وما ورائها، ما يجعل الأمر يعني الجميع .

إنّ الدولة هي عبارة عن مؤسسات، والحاكم هو عبارة عن مدير يدير مؤسساتها. فمن الطبيعي ان الذي يمر به العراق او اية دولة اخرى بمرحلة اللا استقرار فمن الضروري على الرئيس المكلف العمل على وضع مشروع او “خارطة طريق” للوصول الى الاهداف التي يعمل على تحقيقها. والتي لم تعمل اي حكومة من رسم ملامحها وان مبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب قد غاب عن التطبيق في الوضع العراقي الحالي تماما فكم يحتاج المدير من الوقت لاختيار المدراء الاكفاء ، بشكل دقيق وان يكون لهؤلاء خبرة وكفاءة وتفان في العمل والابتعاد عن الطائفية والحزبية الضيقة والانتماءات القبلية التي جاءت بعد 2003 الذي فُرض على العراق والعراقيين و أنتج الكثير من الوقائع التي تنامت وتحولت إلى كوارث اجتماعية وسياسية بجانب الفساد الذي لا يزال المعول الذي يخر في جسد الدولة العراقية وهدّم كل القواعد والبرامج التي يمكن أن تخفف من الواقع السيئ الذي يعانيه ابنائه ، بأقبح أشكالها ولارتفاع سقف المطالب وهي لا شك فيها حقيقية بكل ابعادها ..

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here